المتحف الفلسطيني يستكشف صوراً نادرة من الجليل

"أنا عربي مسيحي شيوعي. عربي لأن أصلي عربي، مسيحي لأن أبويّ وجدودي مسيحيون، وشيوعي لأنني اخترت هذا الطريق" يبدأ إبراهيم شمشوم، ابن بلدة عرّابة (البطوف) في الجليل، عائداً بذاكرته إلى أكثر من 60 عاماً، حيث بدأت ولادة الحزب الشيوعي. شمشوم هو أول سكرتير للحزب الشيوعي الفلسطيني، يروي تاريخ البلدة ونضالات الحزب <a href="http://www.palmuseum.org/"
2015-10-01

جنان أسامة السلوادي

باحثة في المتحف الفلسطيني - رام الله


شارك
لقطة تجمع عدد من رفاق واصدقاء ابراهيم شمشوم عقب بناء منزله. عرابة البطوف، الجليل، 1965. من ألبوم إبراهيم شمشوم. © المتحف الفلسطيني

"أنا عربي مسيحي شيوعي. عربي لأن أصلي عربي، مسيحي لأن أبويّ وجدودي مسيحيون، وشيوعي لأنني اخترت هذا الطريق" يبدأ إبراهيم شمشوم، ابن بلدة عرّابة (البطوف) في الجليل، عائداً بذاكرته إلى أكثر من 60 عاماً، حيث بدأت ولادة الحزب الشيوعي. شمشوم هو أول سكرتير للحزب الشيوعي الفلسطيني، يروي تاريخ البلدة ونضالات الحزب للمتحف الفلسطيني ضمن مشروع "ألبوم العائلة"، الذي يستكشف الكنوز الفوتوغرافية التي يحتفظ بها الفلسطينيون في بيوتهم، ويوثق صورة بصرية جمعية لجزء من التاريخ والحياة والثقافة والمجتمع الفلسطيني من خلال إجراء مقابلات مع أصحاب هذه الصور، ومن ثم رقمنتها وحفظ نسخ عنها ضمن أرشيف خاص.

أرفض الظلم

"بدأت العمل في سن الخامسة عشرة بسبب فقر عائلتي، فتوجهت إلى الناصرة، وتحديداً إلى المسكوبية، وبدأت العمل في مقهى. كان صاحب المقهى مثقفاً، يقرأ يومياً جريدتي الدفاع وفلسطين". يعلق شمشوم: "ما كنت رح أصير مثقف لولا صاحب القهوة"، مضيفاً "تعلمت منه الكثير وأثّر ذلك على شخصيتي وتفكيري، ومنه عرفت عبد القادر الحسيني". عام 1948، بدأت المدن الفلسطينية بالسقوط الواحدة تلو الأخرى على يد القوات الصهيونية، فسقطت طبريا ثم حيفا".   يقول شمشوم: "خاف أبي عليّ وطلب مني العودة إلى عرابة، فتركت العمل وعدت إلى البلد مشياً على الأقدام وقد علا صوت الانفجارات"... "وصلت إلى البلد وكان صوت الرصاص يشتد يوماً بعد يوم، وفي يوم وفاة عبد القادر الحسيني، أطلق الفلسطينيون الرصاص في الهواء لخسارتنا هذا البطل، فوقعت رصاصة داخل "اللجن" الذي كنت أغتسل فيه".
لم يكن شمشوم يعي، حاله كباقي الفلسطينيين، ما كان يجري من أحداث متتالية. وبسقوط عرابة "فهم": "في تاريخ 29-10-1948 احتلوا عرابة، وفي هذه الليلة لم أنم، وقررت أن أنحاز لشعبي الذي تحول معظمه إلى لاجئين ومظلومين"، مبيناً أن أهالي عرابة الذين صمدوا ولم يخرجوا من قريتهم خذلهم جيش الإنقاذ، وهو الجيش العربي الذي شكل عام 1947 للدفاع عن فلسطين، ولم يقدم لهم الدعم الكافي.
"لأني أرفض الظلم وأقبل العدل اخترت الحزب الشيوعي الفلسطيني" يقول شمشوم، ويضيف: "في انتخابات عام 1951 طلب منا الخوري أن نصوت لقائمة (ي د)، أي لسيف الدين الزعبي. لكن، وأنا في طريقي إلى المدرسة من أجل الانتخاب، شاهدت عدداً من الناس يضربون شخصاً وهو يصرخ ويقول: "ليش بتضربوني .. لأني شيوعي؟" ومن هنا قررت انتخاب الشيوعيين، فدخلت إلى المدرسة وإلى خلف الستارة واخترت رمز حرف "ق"، أي الحزب الشيوعي، ومنذ ذلك اليوم لم أصوت إلا للحزب الشيوعي".

إضراب الزيتون وإلغاء ضريبة الرأس

"مرحلة الحاكم العسكري كانت كلها ظلماً واستبداداً، فقرر عدد من الشباب تشكيل هيئة إدارية وبعد فترة تكونت خلية شيوعية في عرابة، ثم تأسس فرع الشبيبة الشيوعية في البلد. كنت أنا أول من قدم طلب انتساب لها، ثم انتخبوني سكرتيراً للشبيبة الشيوعية لمدة 15 سنة".

وعن أهم محطاته في الحزب، قال إبراهيم شمشوم "منذ بداية تأسيس الشبيبة، قررنا أن نحمل همّ الناس وكان هدفنا الدفاع عنهم، فكان العمل الأول للحزب هو الدفاع عن عمال الزيتون في البلد، حيث كان ملاك الأرض يستغلون العمال ويعطونهم أجوراً أقل من المستحق، فقمنا بمنع العمال من التوجه إلى الأراضي وأضربنا مدة 15 يوماً، حتى رضخ لنا ملاك الأرض وتفاوضوا معنا. ومنذ ذلك الوقت يتم تحديد أجرة العامل قبل الذهاب إلى العمل".  وأضاف: "العمل الثاني بعد إضراب الزيتون كان إلغاء ضريبة الرأس، التي قامت دائرة المعارف عن طريق الحاكم العسكري بفرضها، وهي مبلغ من المال على كل من يحمل هوية. فأعلن الحزب الإضراب"، لتخرج في تاريخ 11-3-1954، لأول مرة في عرابة، تظاهرة شارك فيها معظم أهالي البلدة احتجاجاً على ضريبة الرأس.  ويوضح أن الأهالي انتخبوه ومحمد شاكر خطيب وكايد خليل وسليم كناعنة لمقابلة الحاكم العسكري لنقل الاحتجاجات له. ويعلق: "ما لبث البوليس أن اعتقلنا وحجزنا في مركز مجد الكروم في توقيف إداري لمدة 34 يوماً، ومن هنا اكتسبنا ثقة الناس لأنهم أدركوا أن الحزب الشيوعي هدفه الأساسي الدفاع عن الناس". شعبية الحزب كانت تزداد يوماً بعد يوم، يستطرد شمشوم، "خاصة أن الخطب التي كان يلقيها إميل حبيبي وتوفيق الطوبي في اجتماعات الحزب كان لها أثر واضح وكان الأطفال عند بلوغهم السن القانونية للانتخاب يصوتون للحزب". ويقول: "انطلاقة يوم الأرض كانت من عرابة، وأولئك الشباب والأطفال هم الذين خرجوا ضد الظلم، لأن صوت عرّابة وأهلها كان دايماً عالي".

لو عاد الزمن فسأبقى شيوعي

ما زلت أذكر كلمات أبي وهو يوبخني قائلاً: "يا ابن المحروق، والله ليذبحوك والذبان الأزرق ما يستهدي عليك". وأتذكر موقف أمي عندما اعتقلني البوليس بسبب نشاطي في الحزب، عندما زحفت على يديها ورجليها من كنيسة البلد بالقرب من منزل آل كناعنة وحتى حارة الحلو، لاعتقادها بأنني مت. وعلى الرغم من كل ذلك، لو عاد الزمن بي فسأختار الحزب والشبيبة الشيوعية مجدداً، وسأبقى شيوعياً أدافع عن الناس ضد الظلم.