الانتخابات البلدية السعودية: هل تستحق عناء المشاركة؟

بدأت في 22 آب/ أغسطس إجراءات إخراج قيود الناخبين في 11 منطقة سعودية، بعد أسبوع من بدئها في الأماكن المقدسة، استعداداً لانتخابات المجالس البلدية. هذه هي الدورة الانتخابية الثالثة في تاريخ السعودية، ومن المقرر إجراؤها في كانون الأول/ ديسمبر المقبل. وهي تتميز عن سابقاتها بتوسيع دائرة المشاركة الشعبية عن طريق السماح للمرأة بالترشح والانتخاب، وزيادة نسبة الأعضاء المنتخَبين في المجالس من النصف الى
2015-09-10

علي مطير

باحث من السعودية


شارك
(من الانترنت)

بدأت في 22 آب/ أغسطس إجراءات إخراج قيود الناخبين في 11 منطقة سعودية، بعد أسبوع من بدئها في الأماكن المقدسة، استعداداً لانتخابات المجالس البلدية. هذه هي الدورة الانتخابية الثالثة في تاريخ السعودية، ومن المقرر إجراؤها في كانون الأول/ ديسمبر المقبل. وهي تتميز عن سابقاتها بتوسيع دائرة المشاركة الشعبية عن طريق السماح للمرأة بالترشح والانتخاب، وزيادة نسبة الأعضاء المنتخَبين في المجالس من النصف الى الثلثين (الباقي مُعيَّن)، وتخفيض سن الناخب من 24 إلى 21 سنة. وعلى هذا، هناك توسيع لصلاحيات المجالس البلدية عما كانت عليه في الدورتين السابقتين، ورفع المستوى التأهيلي والتعليمي للمرشح ليكون حاصلا على الشهادة الثانوية بدلا من الاكتفاء بالقراءة والكتابة، وزيادة عدد الأعضاء والدوائر الانتخابية.

سخرية

غطى الإعلام التقليدي السعودي، بشقيه الرسمي والخاص، انتخابات المجالس البلدية بكثافة عبر مقالات صحفية وبرامج حوارية، وكأن الحدث فعلاً تاريخي. لكن للشارع رأيا آخر. فقد تحدثت تقارير صحافية كثيرة عن إقبال ضعيف جدا على التسجيل في قيود الانتخابات. ففي مكة المكرمة وهي المدينة المزدحمة، كان عدد من استَخرج قيودا انتخابية على مدار أسبوع كامل 700 شخص فقط. وفي الرياض، كان معدل القيود الانتخابية بالنسبة لعدد المراكز أقل من واحد لكل مركز انتخابي في يوم واحد. هذا بالإضافة إلى كمية سخرية كبيرة من المجالس البلدية على موقع تويتر عبر وسم #الانتخابات_البلدية مما دفع بعض المثقفين لانتقاد السخرية المفرطة كالناقد الأدبي عبد الله الغذامي الذي كتب على حسابه "هناك حالة تنكيت على الانتخابات البلدية القادمة.. إن كنا سنستهتر بكل نصف خطوة تلوح، فإننا لن نصل إلى أي خطوة من أي نوع وأي قياس".

على هامش الانتخابات

حصول المرأة على حق الترشح والانتخاب أثار حفيظة بعض المشايخ وأصحاب الآراء المتشددة حيال مشاركة المرأة في الشأن العام عموما. تراوحت أقوال علماء الدين في شدتها، فيرى البعض عدم جواز مشاركتها بالمطلق حيث أنها يجب ان تكون تابعة للرجل كما جاء في تسجيل انتشر على تويتر في وسم #الانتخابات_البلدية للشيخ عبد المحسن العباد. ورأى آخرون أن عليهم التعامل مع ما يقره ولي الأمر، كالشيخ عبد العزيز الفوزان، الذي أوصى بأن يصوت الناخبون للرجال لقطع الطريق على النساء، وخصوصا "المنحرفات منهن خلقيا وفكريا"، على حد قوله. ويرى الفوزان أن دخولهن للمجالس البلدية قد يكون فرصة لتغريب وإفساد المجتمع. وانطلقت حملة على وسائل التواصل الاجتماعي عبر مقطع فيديو بعنوان "بادر يا غيور بتقييد اسمك ناخبا" للحث على المشاركة والتحذير من اختلاط المرأة بالرجل في المجالس البلدية.
أما الكثير من الناشطات والحقوقيات السعوديات فرأين في منحهن حق الترشح والانتخاب مكسبا وخطوة تاريخية في مسيرتهن الحقوقية. وحرصت الكثير من النساء ليكن أول من يستخرج قيوداً انتخابية في دوائرهن. إلا أن شروط إثبات مقر السكن والوثائق اللازمة لاستخراج القيود مثلت عوائق كبيرة أمام الكثيرات منهن. وانطلقت حملة "مبادرة بلدي" بتنسيق ليلى الكاظم لحث النساء على المشاركة في الانتخابات. وتمثل ردود أفعال الناشطات على منحهن حق الترشح والانتخاب في المجالس البلدية مؤشرا على أفق الكثير منهن ومدى ما يطمحن إليه في حراكهن. فبدا ابتهاجهن بالحصول على حق الترشيح، وكأن أقصى أمانيهن هي "مساواتهن بالرجل" الذي ما زال أصلاً يطالب بحقوقه السياسية والمدنية، وليس الوصول بالمرأة الى حالة تكون فيها "إنسانة كاملة". كان لبعض النساء رأي مختلف، مثل الكاتبة السعودية حليمة الشهاب، التي قللت من أهمية مشاركة المرأة في مجالس منزوعة السلطة واعتبرتها خطوة لا تمثل أي مكسب بل تطيل وضع المرأة المزري على الصعيد الإنساني والحقوقي والقانوني.
كما حضرت مشكلة الولاء القبلي وعلاقتها بالانتخابات بقوة في وسائل الإعلام. وانتشرت أنباء عن قيام القبائل في بعض المناطق بإجراء انتخابات داخل القبيلة نفسها كتصفية للمرشحين، ثم تقوم القبيلة بإلقاء ثقلها خلف من ينتخب من قبل أبنائها، على غرار ما كان يحدث في الكويت. قوبلت تلك العصبية بحملات توعية عبر وسائل الإعلام التقليدية للحث على اختيار المرشح الكفوء، إلا أن مواقع التواصل الاجتماعي بقيت فضاءً مفتوحاً لنخوة القبيلة كي تنصر أبنائها.

خطيئة المشاركة

جدير بالذكر انه في عام 1955 جرت انتخابات للمجالس البلدية في السعودية، وكان كل أعضاء المجلس البلدي آنذاك منتخبين. وتمتعت تلك المجالس البلدية في الخمسينيات بصلاحيات كبيرة مقارنة بالصلاحيات الموكلة لها الآن. فأعضاء المجلس هم من يرفعون اسم مدير البلدية للسلطات لتصدر قرار تعيينه، ويرسمون الخطط ويقرون الميزانيات البلدية، بالإضافة الى تقييد معظم قرارات البلدية بموافقة المجلس. فهل يجوز أن تقام انتخابات بعد 60 سنة تُخرج ثلثي أعضاء مجلس بلدي كل ما يملكون منه هو "إبداء الرأي" حسب لوائح وأنظمة المجالس البلدية الحالية. بل يمكن الاستغناء بالكامل عن المجالس البلدية إذا قرأنا المهام الموكلة إليها لأن الصحافة المحلية تقوم أصلا بتلك المهام.
المشكلة هنا هي لدى من يُنشد التغيير. وفي بلد كالسعودية، يعد الانتصار في انتزاع مجالس بلدية ذات صلاحيات حقيقية معركة صغيرة في حرب إصلاحية طويلة. أما تجزئة المعركة الصغيرة أصلا الى عدة معارك أصغر، مثل احتجاج النساء على شروط استخراج القيد الانتخابي، فيأخذنا بعيدا عن مسار التغيير ويطيل معركة الحصول على حق المشاركة الشعبية في صنع القرار. وهكذا تنتشر فكرة أن مقاطعة الانتخابات هي أفضل الحلول الآنية، لكي لا يكون استخراج القيد الانتخابي والوقوف في طوابير أمام صناديق اقتراع، هي "بقايا التمر" الذي نتقاتل عليه. وقد أخذ الشارع زمام المبادرة عبر إقباله الضعيف جدا على "معركة" استخراج قيود الانتخاب، كتمهيد للانتقال الى المطالبة بتغيير صلاحيات وأنظمة المجالس البلدية.

 


وسوم: العدد 160