قراءة في الاتفاق السياسي الليبي

انصبّت مفاوضات الصخيرات في المغرب، التي تُعد الجولة الأخيرة ضمن المفاوضات الجارية بين القوى السياسية الليبية برعاية المبعوث الأممي السيد برناندينو ليون، على إصدار مسودة رابعة للاتفاق السياسي الذي سيُعدّ في حالة إبرامه أساساً للخروج من الأزمة الحالية. وقد كانت هناك محاولات تتوخّى التوقيع على تلك المسودة الرابعة كصيغة نهائية للاتفاق السياسي في برلين في 10 حزيران/يونيو، ضمن سياق الاجتماع المنعقد
2015-07-02

الزهراء لنقي

المسؤولة عن الشؤون الاجتماعية في مركز المرأة في الإسكوا، من ليبيا


شارك

انصبّت مفاوضات الصخيرات في المغرب، التي تُعد الجولة الأخيرة ضمن المفاوضات الجارية بين القوى السياسية الليبية برعاية المبعوث الأممي السيد برناندينو ليون، على إصدار مسودة رابعة للاتفاق السياسي الذي سيُعدّ في حالة إبرامه أساساً للخروج من الأزمة الحالية. وقد كانت هناك محاولات تتوخّى التوقيع على تلك المسودة الرابعة كصيغة نهائية للاتفاق السياسي في برلين في 10 حزيران/يونيو، ضمن سياق الاجتماع المنعقد هناك بين أطراف الحوار السياسي وممثلي الدول السبع الكبرى والدول الأعضاء بمجلس الأمن. وضمّ أطراف الحوار السياسي أعضاء عن مجلس النواب المنعقِد في طبرق، وأعضاء مجلس النواب المقاطعين، ومجموعة من أعضاء المؤتمر الوطني، بالإضافة إلى مجموعة من المستقلّين. وكان من المأمول أن يتمخض عن ذلك كله توقيع المسودة النهائية تتويجاً لمفاوضات الحوار السياسي كتعبير عن تسوية ما للأزمة تدخل حيز التنفيذ مع بداية شهر رمضان الكريم. لذلك كله كان طبيعياً أن تحوز هذه المسودة اهتماماً نوعياً من قبل مختلف الدوائر المعنية بالنزاع الليبي. وهي أثارت الكثير من النقاش واحتدم الجدل حولها واحتد الخلاف بإزاء تقييمها. بل كاد الجدل الحاد ينسف الحوار بأكمله وإرجاء التوقيع لأجل غير مسمّى.
وتتنوّع ردود الفعل بشأن المسودة الرابعة، فقد رأى فريق أنها "وثيقة دستورية جديرة بأن تُدرَّس في كليات العلوم السياسية" لأن الاتفاق الذي انطوت عليه دفتاها اتفاق شامل وجامع ومنصف لكل الأطراف. بالمقابل، فقد رأى فريق ثانٍ أنها انقلابٌ على الشرعية والعملية الديموقراطية وعلى المسودة الثالثة وعلى مسار الحوار برمّته... ورأى فريق ثالث أن العملية شابها الغش والتدليس وهو ما يجعل المسودة الرابعة باطلة وخليقة بالرفض. كل ذلك يحفز على دراستها المتأنية وتحليلها، وهو ما تسعى إليه الورقة الماثلة منضبطةً بمنهج علمي، والى بسط الحقائق الموضوعية كما هي أولاً، ثم تفكيكها وتحليلها، لتخلص من ذلك كله إلى تقييم واقعي.
كما هو حال أي وثيقة أو اتفاقية، فمن الدقة أن تُقرأ المسودةُ في ضوء عدد من المحددات، الأول هو السياق الزمني والمكاني لها، أي بالنظر فيها نظرة تستضيء بالمناخ المحيط والحدود التي يفرضها والبدائل التي يتيحها. والثاني هو علاقتها بمسار الحوار خلال المرحلة السابقة والمسودات السابقة عليها. أما المحدد الثالث فهو الأهداف والغايات والمنطلقات التي تضمّنتها. ويأتي رابعاً تفحّص كفاءتها الاستيعابية، أي قدرتها على استيعاب الأطراف المتنازعة. أما المحدّد الأخير فهو مضمون المسودة نفسه ومدى تماسكه.
تحاول هذه الورقة إلقاء الضوء أولاً على تحديات المرحلة والظروف الحرجة التي خرجت فيها المسودة، التحديات السياسية والاقتصادية التي من شأنها جعل البدائل ضيقة. ثم تستعرض بدقة من خلال جداول زمنية أطراف ومسارات ومحطات الحوار ومحصلاته، للكشف عن البعد التراكمي لعملية الحوار. كما توضح متى وكيف تغيّرت أطراف تلك العملية لينضمّ إليها أعضاء المؤتمر الوطني ومن ثم تغيير المعادلة بموافقة كل أطراف الحوار. كما تبين منطلقات وأقسام الاتفاق السياسي وأركانه، وترصد بداية الحديث عن حكومة وحدة وطنية أو الوفاق الوطني، ومدلولات ذلك من خلال الإشارة لبعض التجارب الدولية المقارنة. وتستعرض عن قرب هيكل نظام الحكم الذي صرح به المبعوث الأممي السيد برنادينو في أواخر شهر آذار/مارس والذي ضم منذ البداية مجلس الدولة.. وكيف ومتى بدقة تطوّر هيكل مجلس الدولة وأصبح يضم تسعين عضواً من المؤتمر الوطني، وهل جاء ذلك غير متوقع مما جعل البعض يصفه بالانقلاب؟ ما هي التعديلات التي ضمنتها المسودة الرابعة بخصوص صلاحيات حكومة كل من الوفاق الوطني ومجلس النواب ومجلس الدولة والحوار السياسي؟ ما هي التعديلات الدقيقة التي أُضيفت للترتيبات الأمنية المتصلة بالجيش وتفكيك الكتائب المسلحة وإعادة دمج المسلحين والدعم الدولي، وذلك من خلال جداول ورسوم بيانية. كما تناقش الورقة مدى قدرة الأمم المتحدة على استيعاب الأطراف الليبية ومشاركتها في الحوار، ومَن هي الأطراف والفئات التي تؤيد الحوار السياسي برعاية المبعوث الأممي، وما هي مواقفها من المسودات الأربع، ومن هي الفئات المعارضة للحوار ومنطلقات مواقفها. وتحاول الورقة إلقاء الضوء على ديناميكية المشهد لنقاش وفهم السلوك السياسي الليبي ومواطن إخفاق المجتمع الدولي متمثلاً في بعثته في التواصل وبناء جسور الثقة مع النخب الليبية.
وأخيراً تحاول الورقة مناقشة إشكاليات الاتفاق السياسي بشكل عام والمسودة الرابعة تحديداً. كما تسعى للإجابة على ما إذا كانت حقاً قد حققت هذه المعادلة الصعبة من الحفاظ على التوازن والشمول من جهة، وعلى احترام المسار الديموقراطي وفصل السلطات واحترام حقوق الإنسان من جهة أخرى. وما إذا كانت ستسهم في تحقيق الاستقرار والسلم المستدام أم لا، وذلك من خلال تحليل إشكالياتها المضمونية والمنهجية.

البحث كاملاً


وسوم: العدد 150

للكاتب نفسه

أسباب تأزم الانتقال السياسي والدستوري في ليبيا

لا تعاني ليبيا من مجرد انقسام على المستويين السياسي والأمني، بل بالإضافة إلى ذلك، فهناك انقسام وتدهور على المستويات الدستورية والنُظُمية والهوياتية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية والجهوية والثقافية والقيمية في آن...