المحكمة العسكرية تحبس مدوّنا سنة في تونس

صرحت المحكمة العسكرية الابتدائية بتونس في 20-01-2015 بثبوت تهمة المسّ بكرامة الجيش وإهانة قادة عسكريين في حقّ "المدني" ياسين العياري وذلك على خلفية انتقادات تولى نشرها على صفحته للتواصل الاجتماعي شملت وزير الدفاع وقيادات عسكرية. وقضت المحكمة بسجنه لأجل هذه الانتقادات مدة عام نافذ. وقد تمت المحاكمة وفق أحكام مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية التي يجيز الفصل الخامس منها للمحاكم

صرحت المحكمة العسكرية الابتدائية بتونس في 20-01-2015 بثبوت تهمة المسّ بكرامة الجيش وإهانة قادة عسكريين في حقّ "المدني" ياسين العياري وذلك على خلفية انتقادات تولى نشرها على صفحته للتواصل الاجتماعي شملت وزير الدفاع وقيادات عسكرية. وقضت المحكمة بسجنه لأجل هذه الانتقادات مدة عام نافذ. وقد تمت المحاكمة وفق أحكام مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية التي يجيز الفصل الخامس منها للمحاكم العسكرية مقاضاة المدنيين متى كان المتضرر عسكريا. واستندت المحكمة لذات المجلة القانونية التي ينص الفصل 91 منها "على عقوبة بالسجن تصل إلى ثلاث سنوات في حق كل من يقوم بـ "تحقير الجيش والمس بكرامته أو سمعته أو معنوياته أو يقوم بما من شأنه أن يضعف في الجيش روح النظام العسكري والطاعة للرؤساء أو الاحترام الواجب لهم أو انتقاد أعمال القيادة العامة أو المسؤولين عن أعمال الجيش بصورة تمس كرامته" لتصرح بالإدانة وتقدر العقاب.
واللافت أن هذه المحاكمة حصلت في ظل الدستور الجديد الذي اعتبر واضعوه ان "الحق في المحاكمة العادلة يقتضي ألا تختص المحاكم العسكرية بغير المحاكمات العسكرية ومحاكمة العسكريين". فوفق هذا الدستور، تعدّ محاكمة المدوّن (وهو مدني) أمام القضاء العسكري بحد ذاتها مخالفة للمبادئ التي كرسها باب السلطة القضائية وتاليا غير دستورية. الا ان عدم الدستورية هذا سرعان ما يصبح امرا دستوريا بقوة الدستور ذاته وفق باب الاحكام الانتقالية من الدستور حيث جاء: "تُواصل المحكمة العسكريّة ممارسة الصّلاحيّات الموكولة لها بالقوانين السّارية المفعول إلى حين تنقيحها بما يتماشى مع أحكام الفصل 110".
وتاليا، يقبل التمشي الذي اعتمده واضعو الدستور التونسي ان تتواصل محاكمات وفق أصول وقيم أعلنوا هم من دون تردد انقلابهم عليها، وذلك طوال الفترة المسماة بالانتقالية. ومن شأن هذا الواقع الهجين أن يولّد في حالات معينة، كحالة المدون المحكوم بسنة حبس، أزمة أخلاقية كبرى، يرجح أن تزداد حدّة كلما امتدّت الفترة الانتقالية.
وما يزيد الأمر قابلية للانتقاد، هو التحجير الذي ارساه هذا الدستور على مراقبة المحاكم لدستورية القوانين. فالفصل 146 منع سائر المحاكم من النظر في دستورية القوانين وحصر رقابة الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين بمشاريع القوانين دون سواها. وبذلك، حصن الدستور القوانين اللادستورية ازاء أي رقابة قضائية وألزم تبعا لذلك القضاء بتطبيقها حتى ولو تضمنت أحكاما مخلة بالمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان والمحاكمة العادلة. ومن هذا المنطلق، رفض القضاء العسكري النظر بالدفع بعدم دستورية محاكمة مدني أمامه.
بقي أن نذكر أن التهمة التي تمت مقاضاة المدون على أساسها بينت ان مفهوم "التشهير" وما يستتبعه من عقوبات جزائية هو من المسائل التي تستدعي نقاشا بشأن مدى قابلية القيمين على خدمة عامة بالنقد. فنقد هؤلاء يندرج ضمن حق التعبير، وحمايتهم من الثلب والتشهير لا يتحقق من خلال القوانين الجزائية الرادعة والأحكام السالبة للحرية.

من المفكرة القانونية
(26 كانون الثاني / يناير 2015)

 

للكاتب نفسه