هل يقبل القانون التونسي بالزواج عند اختلاف الدين؟

درجت العادة على ان ينظر لقوانين الاسرة في تونس باعتبارها استثناء في المنطقة العربية. فتونس تتميز بكونها من الدول التي نجحت في تقنين قوانين العائلة في مجلة قانونية كرست احكاما مدنية تنظم مؤسساتها. ومن المفترض تاليا ان يكون الجواب عن السؤال المطروح في عنوان هذا المقال: "هل يقبل القانون التونسي بالزواج عند اختلاف الدين؟" واضحا بالاستناد الى نص قانوني يقود الى
من الانترنت

درجت العادة على ان ينظر لقوانين الاسرة في تونس باعتبارها استثناء في المنطقة العربية. فتونس تتميز بكونها من الدول التي نجحت في تقنين قوانين العائلة في مجلة قانونية كرست احكاما مدنية تنظم مؤسساتها.
ومن المفترض تاليا ان يكون الجواب عن السؤال المطروح في عنوان هذا المقال: "هل يقبل القانون التونسي بالزواج عند اختلاف الدين؟" واضحا بالاستناد الى نص قانوني يقود الى حسمها نفيا أو إيجابا.
الا ان المسألة تبدو أكثر تعقيدا: فالسؤال حول موقف المشرع التونسي من جواز زواج المسلمة بغير المسلم والمسلم بغير الكتابية يلقى اليوم رأيين فقهيين متناقضين: احدهما يؤكد المنع فيما يؤكد الآخر الاجازة، ولكل منهما مبرراته النظرية ويتجاذب الرأيان الأحكام القضائية التي تنقسم بينهما.
فأنصار الرأي الاول يجزمون بكون المشرع التونسي التزم احكام الشريعة الاسلامية ومنع بالتالي زواج المسلمة بغير المسلم وزواج المسلم بغير الكتابية؛ فيما يؤكد اصحاب الرأي الثاني ان التشريع التونسي مدني لا يميز بين الافراد بحسب معتقداتهم وهو يقبل بالتالي بالزواج المختلط باعتبار معيار حرية المعتقد. وسنستعرض في هذا المقال كلا الرأيين توصلا لتبيان الحاجة لاصلاح تشريعي يمنع تواصل الضبابية في هذا المجال.

الرأي الاول: المشرع التونسي يطبق الشريعة الاسلامية في شروط الزواج:

رغم خلو مجلة الاحوال الشخصية التونسية من أي إشارة الى اختلاف الديانة كمانع من موانع الزواج التي حددها الفصل 14 منها على وجه الحصر[1]، صرح جانب من فقه القضاء ومن شراح القانون بعدم جواز زواج المسلمة بغير المسلم والمسلم بغير الكتابية.
فقد اعتبر هؤلاء حديث المشرع عن ضرورة خلو الزوجين من الموانع الشرعية لصحة صداقهما احالة من النص القانوني على الموانع الشرعية كما يعرفها الفقه الاسلامي.
وتاليا، تطبق موانع الفقه الاسلامي لجهة حجر زواج المسلمة بغير المسلم والمسلم بغير اللواتي يتبعن الديانة اليهودية والمسيحية فان حكم الشرع يمضي في القانون التونسي.

ويعد منشور وزير العدل التونسي المؤرخ في 5 نوفمبر 1973 الذي يمنع ضباط الحالة المدنية وعدول الإشهاد من إبرام عقود زواج مسلمات بغير المسلمين المظهر الابرز لتكريس هذا الرأي.
اذ ادى اعمال هذا المنشور الى الزام محرري عقود الزواج باجراء رقابة قبْلية تمنع ابرام زيجات بين المسلمات وغير المسلمين. وقد نتج عن ذلك فعليا المنع الكلي لزواج التونسيات المسلمات من غير المسلمين في عقود الزواج التي تبرم في تونس.
فيما ظلت عقود زواج التونسيين من غير الكتابيات تبرم بالبلاد التونسية بموازاة امكانية ابرام زواج المسلمة التونسية بغير المسلم خارج البلاد التونسية وإدراج زواجهما لاحقا بدفاتر الحالة المدنية دون حاجة لان يعلن الزوج إسلامه أمام مفتي الديار التونسية كما يفرض ذلك منشور وزير العدل.
وتعتبر المحاكم التي تتبنى هذا الطرح ان الزواج الذي يبرم رغم المنع، زواج فاسد يتعين التصريح بفسخه. وقد التزم في ذات التوجه جانب هام من قضاة النواحي برفض ادراج الأجانب الذين لم يثبت اسلامهم بحجج وفاة مورثيهم المسلمين، بما يؤكد تحجير الزواج من خلال عدم الاعتراف بآثاره.
وان كان المنع في خصوص الارث اكثر صرامة لكونه لم يميز بين الكتابيات اللواتي تزوجن مسلمين وغيرهن ومنع كل من كان غير مسلم من ارث المسلم كما منع افراد العائلة المسلمين من ارث خلفهم غير المسلم.

وقد هيمن هذا الموقف على فقه القضاء منذ صدور مجلة الاحوال الشخصية سنة 1957 الى بداية سنة الالفين.
بالمقابل، بدأ الطرح المقابل له في التطور في اتجاه التحول الى رأي مهيمن خلال العشرية الفائتة.

الرأي الثاني: القانون التونسي يمنع اي تمييز بين الافراد بسبب معتقداتهم

يتمسك أصحاب هذا الرأي بكون من يمنعون الزواج المختلط دينيا لا يتولون فعليا تطبيق القانون التونسي وإنما يسقطون قناعاتهم العقائدية على القانون ويفرضون تطبيقها تحت غطاء الحاجة لتأويل النصوص.
ويبين هؤلاء ان المشرع التونسي منع كل شكل من أشكال التمييز الديني بدليل انه التفت عن التنصيص على المعتقد بوثائق الحالة المدنية كما حجر صلب قانون حماية المعطيات الشخصية كل تعاط مع معتقدات الأفراد. علاوة على ان القانون لم يرد على ذكر الدين كمانع للزواج او مانع للتوارث. واستندت المحاكم التي تبنت هذا الرأي الى الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها تونس وخصوصا اتفاقية سيداو.
فكان ان توجه انصار مدنية مؤسسة الزواج الى اعتماد نصوص مجلة الاحوال الشخصية في مرحلة أولى ليؤكدوا أن احكامها في خصوص شروط الزواج كانت واضحة خلافا لما يدعيه غيرهم وهي لا تولي أي اعتبار لاختلاف المعتقد. وليبينوا لاحقا ان الاتفاقات الدولية التي صادقت عليها تونس وتعد جزءا من النظام القانوني التونسي النافذ تؤكد توجههم لكونها تمنع كل تمييز بالاعتماد على المعتقد وترسي مبدأ الحق في اختيار الزوج كحق اساسي.

ورغم توجه جانب هام من فقه القضاء لتبني هذا الطرح فان الطرح المناقض له لم يتراجع تأثيره تماما. فمنشور وزير العدل الذي يمنع زواج المسلمات بغير المسلمين يبقى ساريا، ويحرص ضباط الحالة المدنية على العمل به كما ان قضاة النواحي يتحرون عدم ترسيم الاجنبيات ذوات الاسماء التي يستشف منها ان ديانة اصحابها غير الاسلام بحجج وفاة المواطنين التونسيين.
ويبدو موقف فقه القضاء منقسما فيما تعلق بصحة زواج المسلمة بغير المسلم.
اذ تكشف اغلب الاحكام القضائية المنشورة عن توجه المحاكم لعدم الأخذ باختلاف المعتقد كسبب لفساد الزواج وتبعا لذلك لعدم استحقاق الإرث، مع تواجد احكام قضائية لا زالت تصر على المنع وتصرح بحرمان القرين الاجنبي الذي لم يثبت اسلامه بحكم تسميته التي يستشف منها دينه او بشهادة رسمية من دار الافتاء من ارث قرينه أو أبنائه منه.

ويكشف تناقض هذه المواقف في الموضوع عن عمق الاشكال الحضاري الذي يطرحه تطبيق مجلة الاحوال الشخصية في تونس بعد اكثر من نصف قرن من سنها.
فيبدو السعي للبحث "عن منع الزواج المختلط دينيا" مظهرا لمقاومة أبداها جانب من القضاء ومن الادارة التونسية ومن شراح القانون لتوجهات بدت لهم تتعارض مع ثوابت المجتمع وتهدد خصوصيته. وقد حقق هذا التيار نجاحات هامة كما سبق بيانه رغم خلو مجلة الاحوال الشخصية والأهم من أي منع مماثل، والأهم خلو وثائق الحالة المدنية للافراد من أي ذكر لدياناتهم. وفي مقابل ذلك، يبدو توجه فقه القضاء الذي نجح في التحول لاتجاه اغلبي بداية العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين لفرض قيم المدنية على العلاقات الاسرية تطورا هاما سيتعزز حتما باحكام الدستور التونسي الجديد الذي يفرض الفصل 21 منه مبدأ المساواة امام القانون من دون تمييز، ففضلا عن حرية الضمير.
ويتحتم اليوم منعا لتحكم القناعات الفكرية والعقائدية لمن يفترض فيهم تطبيق القانون ان يتم حسم الموقف التشريعي في الموضوع. وقد تكون بداية هذا التدخل مطالبة وزارة العدل بتحديد موقف رسمي من تواصل نفاذ منشور وزير العدل المؤرخ في 5 تشرين الثاني 1973.

من المفكرة القانونية (عدد 26 أيلول / سبتمبر 2014)

مقالات من تونس

كيف تعيش تونس الحرب على غزة؟

آخر الشهداء التونسيين مع النضال الفلسطيني محمد الزواري، المهندس التونسي الذي اغتاله "الموساد" أمام بيته في مدينة "صفاقس" (وسط شرق تونس) في كانون الأول/ديسمبر 2016. يومها اكتشف التونسيون ان الشهيد...

للكاتب نفسه