"الهوية ".. عجل مقدس يعبده المصريون

"قوة مصر فى وحدة شعبها، هذه الوحدة التي حاول تفتيتها مجرم تل العمارنة (إخناتون) بتمزيق الشعب إلى فرق ومذاهب، لولا حورمحب قائد الجيش الذي أنقذ البلاد من فتن رجال الدين". العبارة تعود الى مقال  لباحث في المصريات كرس كتاباته كلها تقريبا لبيان مدى رقي الحضارة المصرية القديمة. وهو يشير بوضوح إلى مقارنة قرر هو إقامتها بين تلك الحادثة التاريخية ووقائع الإطاحة بمحمد مرسي الرئيس المعزول
2015-04-19

بيسان كساب

كاتبة صحافية من مصر، متخصصة بالاقتصاد


شارك

"قوة مصر فى وحدة شعبها، هذه الوحدة التي حاول تفتيتها مجرم تل العمارنة (إخناتون) بتمزيق الشعب إلى فرق ومذاهب، لولا حورمحب قائد الجيش الذي أنقذ البلاد من فتن رجال الدين". العبارة تعود الى مقال  لباحث في المصريات كرس كتاباته كلها تقريبا لبيان مدى رقي الحضارة المصرية القديمة. وهو يشير بوضوح إلى مقارنة قرر هو إقامتها بين تلك الحادثة التاريخية ووقائع الإطاحة بمحمد مرسي الرئيس المعزول الذي ينحدر من جماعة الإخوان المسلمين، على يد عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع وقتها الذي حاز رئاسة البلاد لاحقا. والمقارنة تبدو متسقة تماما مع صورة الصراع السياسي المتصل منذ كانون أول/ديسمبر 2012، عند تشكيل "جبهة الإنقاذ الوطني" وحتى الآن، حيث بدأت المعارضة "المدنية" في استعارة خطاب الإسلاميين الذين هيمنوا على مشهد الموالاة وقتها. كان الإسلاميون ولا زالوا يصرون على أنهم يواجهون معارضة علمانية ــ بالرغم من أن أي من فصائلها لم يجرؤ مرة على المطالبة بإلغاء المادة الثانية من الدساتير المتعاقبة التي تنص على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة ــ  لحماية الشريعة والدين. كما أن"العلمانيين" ــ إذا صح الوصف عليهم أصلا ــ لم يدّخروا وسعا بدورهم في استدعاء التاريخ وعظمة الحضارة المصرية القديمة في مواجهة الهمجية المستوردة من الخليج،  في إشارة لحلفاء مرسي التقليديين من السلفيين. 

"الاصطفاف الوطني".. هوية بديلة

 
طرفا الصراع يستندان إذن إلى خلفيات هوياتية راسخة، وليس الطرف الإسلامي وحده من يتحمل وزر استدعاء حديث الهوية إلى الصراع السياسي بعد ثورة كانون ثاني/يناير، وبعد صعود جماعة الإخوان المسلمين الى السلطة، كما قد يبدو للوهلة الأولى مثلا في ما عرف ب"ثورة الهوية" نهاية تشرين ثاني/نوفمبر الماضي، التي دعت إليها "الجبهة السلفية". الاصطفاف بين كل أطياف المعارضة "العلمانية" الرسمية  في كانون ثاني/ ديسمبر 2012 وتشكيل "جبهة الإنقاذ الوطني" على خلفية قرار مرسي إصدار إعلانه الدستوري السلطوي، لم يكن تعبيرا عن انتصار للديمقراطية بقدر ما كان تدشيناً للصراع "الهوياتي". فالمعارضة المؤيدة للثورة، يسارية الطابع (التيار الشعبي – الناصري، وأحزاب المصري الديمقراطي الاجتماعي، والدستور، والتحالف الشعبي الاشتراكي..) لم تجد غضاضة وقتها في أن "تُزامل" في كيان واحد أحزاب تستند إلى تاريخ من تأييد السلطة، من قبيل أحزاب التجمع والمؤتمر المصري الذي أسسه عمرو موسى وزير الخارجية الأسبق والأمين العام الأسبق للجامعة العربية. وهو منحى جرى تبريره من منطلق الخطر الذي يتهدد "الدولة المصرية" والذي يتعين بناء عليه تحقيق "الاصطفاف الوطني". أصبح الاصطفاف الوطني مذاك عنوانا عريضا ينبغي على كل من هو "غير إسلامي" أن يندرج تحته. ويتجاهل "الاصطفاف الوطني" كل ما هو اقتصادي واجتماعي في الصراع السياسي، وبالتالي يتغاضى عن التناقض بين الأحزاب اليسارية مثلا وحزب المصريين الأحرار، الذي يعد ملاذا آمنا لكبار رجال الأعمال والذي أسسه المليونير نجيب ساويرس بعيد الثورة. وهذا التجاهل عرَض من أعراض غياب البدائل الاقتصادية والاجتماعية التي قد تميز فريق "الاصطفاف الوطني"هذا عن فريق "الهوية الإسلامية". 
 

كلهم في الاقتصاد سواء 
 

يتفق الجميع (بلا استثناء تقريبا)  في برامجهم الاقتصادية على إدانة السياسات الاقتصادية والاجتماعية لنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، وكذلك عن الحديث على نحو ما عن انحيازهم "للعدالة الاجتماعية" من دون تقديم أي مفهوم واضح لها. ويخلصون إلى النتيجة ذاتها: ضرورة تشجيع القطاع الخاص. فبرنامج الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي يستهل تقديم برنامجه الاقتصادي بالإدانة التقليدية للخيارات الاقتصادية لعهد مبارك، ويتبنى بعض البنود اللافتة (وان كانت غامضة) في سعيه للقضاء على الفقر المدقع، من قبيل تنفيذ برنامج شامل للتحويلات النقدية لمن لا يستطيع أن يعمل، ومنح  بدل بطالة مع  توفير فرص للتدريب وإعادة التأهيل وتوفير الخدمات المساعدة في البحث عن وظائف مناسبة، وتقرير حد أدنى للأجور لمن يعمل بالفعل على أن يشترك في تحديده العاملون في القطاعات المختلفة من خلال المفاوضات الجماعية،  تطوير آليات الرقابة على الدعم، وخفض دعم الطاقة، ومحاسبة المنشآت الاقتصادية على استهلاكها، ووضع حد أقصى لاستهلاك الطاقة المدعمة داخل المدن وذلك لتوفير الموارد اللازمة لتنفيذ بقية برامج الحماية للفقراء. إلا أن عضوا بارزا في الحزب هو حازم الببلاوي، أستاذ الاقتصاد، وصل في 2011 إلى منصب وزير المالية ونائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية،  قبل أن يصل بعد الإطاحة بمرسي لرئاسة مجلس الوزراء، حيث انتهج منحى مخالفا تماما لتلك المبادئ المعلنة من قبل حزبه. فهو قبل مثلا خلال التفاوض مع صندوق النقد الدولي حول تسهيل ائتماني بواقع 3.2 مليار دولار بشروط كان من بينها زيادة القيمة الايجارية للأطيان الزراعية التي لم يطرأ عليها إي تعديل منذ العام 1989.. لم يكن في أداء الببلاوي تحولا في سياسات الحزب - الذي طرح نفسه من البداية كصوت ليسار الوسط -  بقدر ما كان تعبيرا عن قناعة راسخة باقتصاد يقوده القطاع الخاص. إذ  يقترح الحزب تعديل قانون ضمانات وحوافز الاستثمار بحيث يتم طرح حزمة جديدة من المزايا والحوافز والضمانات (غير الضريبية) التي تستفيد منها المشروعات الاستثمارية الخاصة بما يؤدي لخفض التكلفة الاستثمارية الرأسمالية الجارية وتكلفة التمويل في مرحلة الإنشاء، ولكن مع "قيام الدولة بدورها كاملاً في الرقابة والتنظيم ومنع الاستغلال"، وهي عبارة تكاد تكون متكررة نصا في كل البرامج الاقتصادية لأحزاب اليمين التي نشأت بعد الثورة، بما فيها حزب الحرية والعدالة نفسه الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين. 
ينص برنامج "الحرية والعدالة" على  أن" يقوم الاقتصاد المصري على مبدأ الحرية الاقتصادية بما يشجع على الإبداع والتطوير في ظل دولة قوية وأطر مؤسسية ضامنة لتحقيق الرخاء والعدالة. فالحرية الاقتصادية هي الضامن للإبداع والتطوير والتنمية الاقتصادية مع قيام الدولة بدورها الرقابي القوي في حماية المنافسة ومنع الاحتكار في السوق، وكذلك دورها في حماية الفئات الفقيرة على نحو يضمن تحقيق العدالة في توزيع ثمار النمو والتنمية".
ومن ناحية أخرى، يلفت التشابه الكبير في وضوح الانحياز الكامل لحرية السوق بين غريمين تقليديين من قبيل الحرية والعدالة والمصريين الأحرار. إذ ينص برنامج الأخير على إيمانه "باقتصاد السوق كقاطرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، ويرى استهداف زيادة الثروة القومية بدلا من إعادة توزيعها، حيث أن حجم الثروة القومية في حالة إعادة توزيعها لن يساهم في حل مشكلة الفقر في مصر".

 
اقتصاد الأخلاق والوعظ والإرشاد

 
 بقى أن برنامج الحرية والعدالة (الإخوان) يشترك بطبيعة الحال في "النكهة الإسلامية" مع خصمه اللدود وحليفه السابق حزب النور السلفي الذي فضل التخلي عن مرسي والانضمام لمسار السلطة المدعومة عسكريا بدءا من 3 تموز/ يوليو. ينص برنامج حزب الحرية والعدالة على "تعظيم دور الاقتصاد المجتمعي.. والتأكيد على مؤسسة الزكاة والوقف وكافة أعمال البر وذلك للمشاركة بقوة في الحياة الاقتصادية بما يؤدى إلى تدعيم المشاركة المجتمعية ويشيع مناخ التكافل والرحمة في المجتمع، على أن يكون دور الاقتصاد المجتمعي في ضوء متطلبات الخطة العامة للدولة".
فيما ينص برنامج حزب النور على "ضرورة تفعيل مؤسسات الزكاة والوقف والمشاركة من قبل الدولة وأيضا من أبناء الوطن والأغنياء والقادرين لإنشاء مؤسسات اقتصادية واجتماعية تساعد على تحقيق التكافل الاجتماعي في المجتمع، وتخفيف مشاكل الفقر بصورة مباشرة، كما يمكّنها أيضا من زيادة الإنتاج القومي بصورة غير مباشرة، عن طريق أثارهما الايجابية على الاستثمارات الوطنية وعلى الاستهلاك والتحفيز على العمل والإنتاج في المجتمع". وقد يتبدى الفارق بين "اسلامية "هذا وذاك فقط في ما ينص عليه برنامج حزب النور من إلغاء تدريجي ل"النظام الربوي" في البنوك .
والبرنامجين متشابهان في الاستخدام المفرط للنبرة الخطابية التي تعيد للأذهان أداء أئمة المساجد في الوعظ الأخلاقي، من قبيل "لا شك بأن المبادئ الأخلاقية التي تقرها الشريعة الإسلامية من الإخلاص والصدق، وإتقان العمل، والصبر والثبات على الحق، ومنع الربا والاحتكار، والعدالة في توزيع الدخل وتوزيع الثروات، والتكافل الاجتماعي، وتخفيف الفقر والفجوات في توزيع الدخل بين الناس، تتطلب جميعها تعديل قوانين اقتصادية كثيرة" (في برنامج حزب النور)، و"القيم والأخلاق لا ينفصلان عن عملية التنمية الاقتصادية المادية، فكلاهما وجهان لعملة واحدة. التمسك بالجانب القيمي والأخلاقي أمر ضروري ولازم، لأنه الضمان الرئيس الذي يحفظ تماسك المجتمع ويشكل المناخ الملائم لتقدمه. فالنهضة الاقتصادية والحضارية ببلادنا في الماضي لم تقم إلا على هذه القيم والأخلاق التي اقترنت بالعمل الخلاق" (في برنامج حزب الحرية والعدالة).

 

للكاتب نفسه

تراجع الجنيه المصري

بيسان كساب 2015-11-26

"التسييس" هي التهمة التي تلاحق كل من يبدي قلقاً حيال تراجع سعر العملة الوطنية. يرى المدافِعون عن تراجع الجنيه أن خصومهم "شعبويون"، يسعون للمتاجرة بمصالح قطاعات واسعة من الأقل دخلاً...

قانون الخدمة المدنية في مصر

بيسان كساب 2015-10-01

"إحنا بتوع (ننتمي الى) 30 يونيو يا باشا"، قالها موظف خمسيني نصف ريفي موجهاً حديثه لـ "الباشا" - وهو اللقب الشعبي لضباط الشرطة - الذي وقف مع زملائه في حر...

مشروع قناة السويس الجديد

بيسان كساب 2015-08-13

 "هدية أم الدنيا للعالم" هو الشعار الذي يذيل اللافتات الدعائية للمشروع، من ضمن حملة واسعة النطاق عنوانها "مصر بتفرح"، وصولاً إلى سيل من الأغاني "الوطنية" اجتهد أصحابها في شحن الشعور...