سوريا: مرتزقة على أبواب السلطة

داعش تنصّب خليفتها: نبوءة النظام السوري الرسمية....لا يثير التنصيب الدهشة، إلا انه محاولة لتأسيس أول سلطة تكون أمتن من السلطات الكثيرة المتناثرة في أنحاء سوريا، حيث أمسى لكل كتيبة أرض، ولكل سلاح غنيمة ومورد اقتصادي.البحث عن خيوط تفلّتت من الحياة في زمن الثورات وزمن السياسة العابقة بتاريخ لا يمضي إلا ويعود. وهو بحث مليء بالتناقضات: مهاجرون عرب سوريون أو بالأصح لاجئون هاربون

داعش تنصّب خليفتها: نبوءة النظام السوري الرسمية
....
لا يثير التنصيب الدهشة، إلا انه محاولة لتأسيس أول سلطة تكون أمتن من السلطات الكثيرة المتناثرة في أنحاء سوريا، حيث أمسى لكل كتيبة أرض، ولكل سلاح غنيمة ومورد اقتصادي.
البحث عن خيوط تفلّتت من الحياة في زمن الثورات وزمن السياسة العابقة بتاريخ لا يمضي إلا ويعود. وهو بحث مليء بالتناقضات: مهاجرون عرب سوريون أو بالأصح لاجئون هاربون من الموت، وآخرون متعددو الجنسيات يبحثون عن الحياة الأبدية في دهاليز الموت الغامضة، ويشتهون قتلا يليق بنكرانهم لذاتهم - كما ُيظهرون - ويلبي مآرب السياسة الإقليمية والدولية. أما البعض الآخر - الكثير - فيرتزقون من الأطراف المتصارعة ويؤسسون سلطة وقد يستولون على مصادرها الكثيفة في البلاد.
في المأزق السوري السلطة هي القضية، والمحافظة عليها جعلت النظام يبرر لنفسه استخدام مختلف الوسائل. جذب التطرف تطرفاً مماثلاً، وبين الذبح باسم الوطن والذبح باسم الدين فكرة واحدة تطرح دمويتها وفوضاها الخلاقة، أما التاريخ فيتحدث عن تغيرات حدثت في رأس الهرم السلطوي، مع اختلاف في لون بشرة الحاكم وولائه السياسي.
جهاديون دنيويون أصحاب مشروع سياسي، وجهاديون غيبيون يحاولون السيطرة على معنى الواجب "الجهادي" وحق الشعب السوري في الحياة على أرضه واستخدام ثرواتها . فالواجب الجهادي حسب آخر الفتاوى الداعشية ينص على دحر الآخر المختلف فكراً وعرقاً.
متلازمة الحاكم المشرقي ومرتزقته وشعبه
إن غياب القضية الشعبية الوطنية من خطاب النظام عزله شعبياً، لتتوسع دائرة العزل بعد حدوث الثورة، وحله العسكري الذي جلب تدخلاً ميليشيوياً جهادياً على غرار كتيبة أبي الفضل العباس العراقية ومقاتلي حزب الله اللبناني، "وقاعدياً" مرتزقاً من كل مكان باتت نتائجه تظهر بوضوح على أرض المعارك وفي داخل المجتمع السوري: إما البيعة والرضوخ وإما الصلب والتقطيع تحت سقف الوطن المرفوع عن أبناء المناطق المنكوبة بالحرب.
لا تدين الميليشيات بولائها للنظام السياسي في سوريا، كما تنكر الجماعات الجهادية نسبها للثورة وللإسلام في سوريا، ومعظمها كتائب مقاتلة قدمت من الخارج واستقطبتها الأموال السياسية ومدتها بالقوة العسكرية وبالنفوذ وبالسلطة، حيث تغلغلت في البيئات الاجتماعية المنكوبة والفقيرة.
بالعودة قليلاً لقراءة التاريخ، نجد أن أول من استخدم المرتزقة العسكرية وأسسهم كفرقة هو الخليفة المأمون، ومثله سنة ١٢٤٠ السلطان نجم الدين أيوب مؤسس فرقة المماليك العسكرية الذين سيطروا بعد عشر سنين على السلطة في مصر، لتحكم بعدها سلالة الجنود القادمة من آسيا الوسطى مصر والعراق والشام وأجزاء من الجزيرة العربية لأكثر من قرنين ونصف.
ولم تنته مصر من المماليك حتى سنة١٨١١ في مذبحة القلعة على يد محمد علي باشا (وهو مملوكي جديد بلباس مختلف).
لم يحمل المرتزقة حينها عتادهم العسكري والثقافي إلى بلادهم، بل اندمجوا في المجتمعات العربية الإسلامية وأصبحوا جزءاً منها بعد أن حاربوا فيها وجرّبوا السلطة آنذاك.
في الحالة السورية، كان استخدام النظام للميليشيات العراقية واللبنانية من باب مساعدته في قمع الثورة وزعزعتها طائفياً وبرز نجاحه في معارك القلمون الأخيرة، ومن ثم ظهرت الشظايا الإسلاموية التي ساعدته في" برهان" نظريته عن التطرف والإرهاب، مثل داعش والنصرة وغيرهما. وتشير التقارير الصحافية إلى أن المقاتلين الأجانب لم يدخلوا سوريا حتى يخرجوا منها أحياء! بعضهم كذلك سيكون وقوداً لبقاء الدنيويين الطامحين لإقامة دولة الخلافة الداعشية في مدينة الرقة السورية التي تنتظر خليفتها على حد السيف.. أما الخوف الأكبر (والذي لا يثير قلق الغرب) فهو إنشاء المقاتلين الأجانب لمستوطنات عسكرية بعد تثبيت قوتهم وسلطتهم وتمويلها ذاتياً من آبار النفط في مدينة الرقة السورية ومناطق الكر والفر حول الحسكة ودير الزور. فهل سيعود من امتلك سلطة ونفوذاً إلى دياره؟ خاصة بعد أن ذكرت تقارير عديدة عن استيطان هؤلاء عبر زواجهم في مناطق سيطرتهم (الرقة وريف حلب ) من النساء السوريات قسراً وتحت غطاء الواجب الجهادي!
وكمثال وفي البوسنة، بين رفض وعرفان بالجميل، أصبحت كتيبة المجاهدين العرب جزءاً من النسيج الاجتماعي!
كذلك الأمر في بعض مناطق ريف دمشق كالحجيرة والذيابية والسيدة زينب، حيث استوطنت الميليشيات اللبنانية والعراقية فيها تحت بند حماية المزارات والأقلية الدينية. وكما أكد ناشطون من الداخل، فإن الميليشيات المذكورة تتمتع بسلطة ونفوذ لا يقل عن سلطة قوات النظام السوري، وقد تتعداها في كثير من المسائل الأمنية .
بمرور الوقت، سيكون من الصعب إخراج "الغرباء" من سوريا، وإعلان خليفة لمسلمي العالم انطلاقاً من مدينة الرقة - رغم التساهل الغربي الأميركي تحديداً - سيؤدي تدريجياً في حال استتب الأمن والأمان "للخليفة" إلى جذب المهاجرين إلى دولتهم، فمن سيعود ومن سيبقى؟ تبقى مساحة الأرض التي يعتبرها الجهاديون مكاناً لعملهم واسعةً، والتقارير الغربية تؤكد الخوف من عودة قريبة إلى حضنها، وتنفيذ عمليات تخريبية تهدد أمن دول الغرب القومي. وربما تتحول سوريا لمكان لانطلاق أعمالهم وانتشارهم في المنطقة، مع استثناء العدو الإسرائيلي من ساحة تجاربهم. وجود المرتزقة الدينيين والدنيويين أصحاب المشروع السياسي، يخدم استمرار ما يمكن تسميته "الفوضى المستدامة"، وهي الأخطر سورياً من أي مشروع يقسّم البلاد طائفياً! فالتقسيم الحاصل عبارة عن محاصصة لنتائج الحرب والقتل والدمار، تُوزع بين المناطق السورية كل بحسب حاجته وبما يلبي أجندات أمراء الحرب.
            
 


وسوم: العدد 102