الحركات الإسلامية في الأردن أيدٍ متباينة تغرف من وعاء الماضي

لا يفكر الناس في هذا البلد الصغير بـ "أنواع" السلفية، فيعتقدون أنها تُلخّص بداعش، ولا يتساءلون عن مدى التقارب الفكري ـــ الاجتماعي بين السلفية والإخوان المسلمين، أو عن مدى التضاد السياسي بينهما. سعت حركة الإخوان المسلمين في الأردن خلال الشهور الماضية لاستثمار صعود تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق وسورية" لتقول للنظام وللشعب الأردني على حد سواء: نحن طوق نجاة المجتمع من
2015-02-09

رانية الجعبري

قاصة وصحافية من الاردن


شارك
| en
(من الانترنت)

لا يفكر الناس في هذا البلد الصغير بـ "أنواع" السلفية، فيعتقدون أنها تُلخّص بداعش، ولا يتساءلون عن مدى التقارب الفكري ـــ الاجتماعي بين السلفية والإخوان المسلمين، أو عن مدى التضاد السياسي بينهما. سعت حركة الإخوان المسلمين في الأردن خلال الشهور الماضية لاستثمار صعود تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق وسورية" لتقول للنظام وللشعب الأردني على حد سواء: نحن طوق نجاة المجتمع من التطرف. فهل حقاً يحمل الإخوان المسلمون إجابات اجتماعية وسياسية معتدلة؟ وهل حقا يستطيعون تقديم البدائل؟ وفي أي اتجاه تؤثر الاعتقالات الأخيرة؟

كلمة السر: "الدولة الإسلامية"

في الماضي، كان التصدي لعبارة "الدولة الاسلامية" يُعتبر مؤامرة بنظر الشعب الأردني الذي يغلب عليه الطابع المحافظ، وكان الناس يعتقدون أن أيام الخلافة كانت إسلامية حقاً، وأن الخلفاء فتحوا الدول والأمصار بتوفيق لأنهم يحكمون بالإسلام. فكان تصريح أحد قيادات الإخوان المسلمين، د. رحيل الغرايبة، في العام 2010، بأن "الإسلام لم يعرف دولة دينية" عنواناً تداولته الصحف والمواقع حينها. ولم يصبح الحوار ممكناً حول غياب الظروف الموضوعية لإقامة الدولة الإسلامية إلا عندما تابع الجميع ممارسات داعش. فهل يحمل الإخوان المسلمون برنامجاً يمكنه المساهمة في تأسيس قيم عصرية متوافقة مع مفهوم الدولة الحديثة؟ قراءة أدبياتهم تثبت أن تطبيق الشريعة الإسلامية في كل مجالات الحياة، السياسية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية، هو أحد المبادئ الاساسية لجماعة الاخوان المسلمين في الأردن. ألا يعني ذلك في النهاية "إقامة دولة إسلامية"؟

الحاجة لتعريف التطرف

عند سماع عبارة "جماعات متطرفة"، يجب معرفة من يقولها أولاً لفهم المقصود منها. فإذا قالها مسؤول أردني فسنفهم أن التطرف هنا هو "الانقلاب على الأنظمة أو ممارسة العمليات الإرهابية بغض النظر عن طبيعة فكر من يشار اليه". النظام لا يرى في السلفية المحافظة (التقليدية) جماعة متطرفة على سبيل المثال، لأنها ترفض الانخراط في العمل السياسي وتؤمن بحرمة الانقلاب على الحاكم. أما إذ تداول العبارة مثقفون، فإنهم يقصدون تبني الأفكار الاجتماعية الرجعية التي تنتمي للماضي بغض النظر عن متطلبات الحاضر، بالإضافة لمحاولة فرض الأفكار بالإرهاب.
يُغفل النظام الأردني جانباً مهماً عند محاربته للإرهاب، وهو أن المواطن البسيط، قبل أن يصل لمرحلة الإرهابي، يدخل نفقاً طويلاً من التشدد الاجتماعي وتبني الفكر الرجعي، وتكون الضحية الأولى "الرغبة في حياة عصرية"، فيرفض بقسوة كل معطيات الحاضر في سبيل العودة إلى ماض منشود. ومن النكات التي تداولها متخصصون في الجماعات الإسلامية، أنهم عند حضورهم صلاة الجمعة في إحدى مناطق الرصيفة والتي تعتبر موطنا للسلفية في الأردن، قالوا "كيف الواحد ما رح يصير داعش هون؟". وقد ثبت أن التطرف الديني والاجتماعي هو ممر نحو اعتناق الفكر المتطرف، ومن ثم تبرير الإرهاب واستخدامه لفرض الأفكار. وقد دار جدل في الأوساط السياسية الأردنية قبل أشهر حمل في مضامينه مخاوف من أن تحمل الحركة الإسلامية في أحشائها أبناءً أصوليين أقرب في فكرهم إلى تنظيم داعش وجبهة النصرة، بل إن المخاوف تصاعدت أكثر عندما بدأ النظام بحملة اعتقالات طالت قائد تيار الصقور في حركة الاخوان المسلمين، زكي بني ارشيد. فالشباب هؤلاء تربوا على حلم "الدولة الإسلامية" وإعادة أمجاد الماضي، وهو سياق يجافي تماماً سياق "السلفية الإصلاحية" (التي كان أعلامها الإمام محمد عبده والشيخ جمال الدين الافغاني)، والتي تغلّب أسئلة النهضة على الحنين للماضي. وهم كانوا يقنعون بالوصول لمواقع صنع القرار المحدودة عبر الأنفاق السياسية المتاحة في البلد، والتغيير في المجتمع وفق رؤيتهم المحافظة. لكن عندما توصد هذه الأبواب وتُفتح أبواب المعتقلات، فمن سيقنعهم بفداحة خطر التطرف السياسي على الوطن؟
تفرض المرحلة على النظام الأردني التفكير بضرورة إتاحة الفرصة للحركة الإسلامية بأن تدخل موجة المراجعة الداخلية لأفكارها ومبادئها بهدوء بعيدا عن ضوضاء الاعتقالات التي تدفع الشباب للانخراط في موجات التطرف. فسياسة الاعتقالات لا تجفف منابع المتضامنين المحافظين من الناس المستقلين والمؤمنين بأن "الإسلام هو الحل".
عمْق العلاقة بين النظام والحركة الإسلامية يشي بأن حملة الاعتقالات الأخيرة لا يمكنها قطع شعرة معاوية بينهما. لكن استمرار هذه الحملة هذه بالإضافة لتنامي تيار في المطبخ السياسي يدعو للقضاء على الإخوان، يرسم صورة جديدة. لقد كانت الحركة ذراعاً للنظام الأردني في مواجهة المد القومي، فلم يتم حظرها رغم إعلان الأحكام العرفية منذ العام 1957 وحتى العام 1989، والتي ترتب عليها حظر الأحزاب، الأمر الذي مكّن الحركة من انتزاع حضور في مجلس النواب عشية أول انتخابات نيابية في البلاد بعد إعلان وقف الأحكام العرفية في العام 1989، فنالت في المجلس النيابي الحادي عشر 22 مقعداً، إضافة الى 10 مقاعد للإسلاميين المستقلين.
ورغم انتقالها لتيار المعارضة بعد توقيع الأردن معاهدة وادي عربا في العام 1994، إلا أن خطوط التواصل والتعاون مع النظام لم تنقطع. لكن سلوك الإخوان المسلمين المتلهف للسلطة بعد صعود الاخوان المسلمين في مصر عام 2012 إلى سُدّة الحكم، دفع النظام الأردني لينقلهم من خانة الحليف إلى خانة "الحليف غير مأمون الجانب". فقد قدم الإخوان أنفسهم كمنافسين أقوياء للسلطة، بالتالي حقّ عليهم – سواء تم الإعلان عن ذلك أم لا – وصف "التطرف حسب رؤية النظام"، حتى وإن كان سعيهم إلى السلطة عبر الطرق السلمية والأدوات الديموقراطية.

دُمى في أيدي النظام؟

المشكلة الحقيقية ليست في محاولة معالجة خطر السلفية الجهادية بالمقاربة الأمنية وحدها، أو في حملة الاعتقالات المتتالية على أفراد من الحركة الإسلامية، بل إن الدولة الأردنية، ما زالت تعتقد أن الجماعات الاسلامية المتباينة هي مجرد دمى يمكن تحريكها لحفظ التوازنات السياسية في البلد، فتقوم بمجابهة السلفية الجهادية بالسلفية المحافظة في أحيان، وتجابه نفوذ الاخوان المسلمين في المجتمع بالسلفية المحافظة في أحيان أخرى.. ويتجاهل المسؤولون أن الفكر المتطرف القائم على حلم العودة لأيام الخلافة الاسلامية لا يفارق أية جماعة إسلامية. ويغفلون أيضاً أن السلفية الجهادية التي تهدد أمن البلد، إنما نشأت من رحم السلفية المحافظة، فلقد كان أبرز منظري السلفية الجهادية في العالم عمر محمود أبو عمر الملقب بأبو قتادة الفلسطيني، أحد تلاميذ الشيخ محمد ناصر الدين الألباني الذي أسس السلفية المحافظة في الاردن ثمانينيات القرن الماضي.

 


وسوم: العدد 131

للكاتب نفسه

نظام انتخابي "جديد" في الأردن؟

بماذا يفكر الأردني عندما يضع ورقته الانتخابية في صندوق الاقتراع؟ في الواقع، أول ما يفكر به هو الخدمات التي تُقدَّم له، من توظيف أو تأمين خدمات صغيرة، سيقوم بها النائب...