"قواعد العشق"، هل تعبّد طريق الصوفية إلى الأردن؟

قد لا يسترعي الاهتمام كثيرا شكل غلاف كتاب "قواعد العشق الأربعون" للكاتبة التركية أليف شافاق، بقدر ما يلفت النظر انتشاره بين الناس في العاصمة عمّان، وتحديدا الشباب منهم. ويلفت كذلك حديث بعض أصحاب دور النشر والمكتبات عن اتساع توزيع هذا الكتاب بالإضافة لازدياد مبيعات كتب صوفية أخرى في السنوات الثلاث الأخيرة...مكانة التصوف في الأردن<br
2014-10-26

رانية الجعبري

قاصة وصحافية من الاردن


شارك
من الانترنت

قد لا يسترعي الاهتمام كثيرا شكل غلاف كتاب "قواعد العشق الأربعون" للكاتبة التركية أليف شافاق، بقدر ما يلفت النظر انتشاره بين الناس في العاصمة عمّان، وتحديدا الشباب منهم. ويلفت كذلك حديث بعض أصحاب دور النشر والمكتبات عن اتساع توزيع هذا الكتاب بالإضافة لازدياد مبيعات كتب صوفية أخرى في السنوات الثلاث الأخيرة...

مكانة التصوف في الأردن

عرف الأردن التصوف كما عرفته سائر المناطق الإسلامية، منذ بداية القرن السابع الميلادي، وهو أصبح طُرقيا شعبيا خلال القرن السابع عشر، أثناء حكم الدولة العثمانية التي استدخلته أيديولوجياً لسائر مناطق حكمها. ولعل موافقة الأردن على مبدأ أيزنهاور في العام 1957، وانخراطه في الحرب بين المعسكرين، قد ساهم في تغليب شكل التدين السائد، إذ اختيرت لحصار الشيوعية صيغة قاسية متشددة وبعيدة عن التسامح، وبدأ التدين السلفي الوهابي القائم على الاقصاء ورفض الآخر يأخذ طريقه إلى أهل الأردن عبر المساجد ودور القرآن والدعاة. إلا أنه لم يتم فعلا حصار الصوفية وهي موجودة منذ تأسيس الإمارة في العام 1921. ويرسم الباحث أبو هنية في كتابه "الطرق الصوفية: دروب الله الروحية" توزيع التصوف في المؤسسات الدينية في الأردن، فكان معظم من تولى حقيبة وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الاسلامية، من الإسلاميين الوسطيين وإن لم يتمتعوا بميول صوفية واضحة، بينما غلب على مؤسسة دائرة الافتاء العام التوجه الصوفي، وكذلك على مؤسسة الافتاء داخل المؤسسة العسكرية. إلا أن المفتي في كلا المؤسستين كان عليه أن يكون صوفيا غير مُنْتمٍ لطريقة بعينها، أي يجب ان يكون ولاؤه فقط لمؤسسته التي يعمل بها، والصوفية تقتصر على معتقداته وأسلوب تدينه. كما بقيت جماعة الاخوان المسلمين على علاقتها (القريبة والبعيدة في آن) مع النظام، معلنة أفكارها الأقرب إلى السلفية، رغم ان مؤسسها حسن البنا كان صوفيا سلفيا...في الأردن ثماني طرق صوفية بالأساس، عادت فانقسمت إلى 13 طريقة، ومع ذلك يبقى حضورها محصورا في الزوايا. فالصوفي لايتطلع إلى السياسة أو السلطة، ويعتبرهما آفة مضرة، لأنهما تورطان الناس في الصراعات التي توّلد الحقد.في ضوء ذلك تجد الصوفيين منكفئين في زواياهم، من يبحث عنهم يجدهم ويرحبون بحضوره، أما هم فلا يبحثون عن أحد. وفي كل مسجد صوفي مصلى للجميع، وفي كل يوم خميس، وبعد انتهاء صلاة المغرب، يعود مَن ليس صوفيا لبيته، أما الصوفي فيتجه إلى الزاوية التي تكون غالبا في غرفة منعزلة في المسجد، ويبدأ الجميع بترديد الأدعية وفق ايقاع معين.وقد أحصى الباحث أبو هنية تقريبياً عدد الملتزمين بالطرق الصوفية في الأردن ووجد أن عددهم يتراوح بين 700 إلى 1000 شخص. وعلى الرغم من وجود أنصار يحضرون في بعض المناسبات، إلا أنه اعتبر التصوف ضعيف جدا في الأردن رغم كثرة الزوايا. لكن هل يمكننا النظر إلى توق الشباب للعبارات الصوفية وتداولها عبر فيسبوك، والاقبال على كتب التصوف كبداية للتوجه إلى التصوف؟والارجح أن الاعجاب بكتاب كان يخلق حالة عطش لكتاب آخر. وهناك عودة ليس الى الصوفية التقليدية المرتبطة بالشيخ والذكر، اي بطريقة معينة بل الى شوق لحالة الروحانية. ثم إن قراءة كتب التصوف ما زال محصورا في إطار النخب من طلبة الجامعات والاساتذة وغيرهم، ولا يوجد علامات على انتشاره كطريقة تدين شعبية.

هل تداوينا من السلفية "قواعد العشق"؟

يكون العشق والمحبة سائحان في هذه الدنيا، لا نكترث لوجودهما إلا حينما يغيبان تماماً، وفي عصر شمس التبريزي وجلال الدين الرومي (في القرن 13 الميلادي) كان الظرف السياسي في الخلافة آنذاك لا يختلف عن حالنا اليوم، إذ أصبح القتل عقيدة الطامحين للوصول إلى السلطة والمال. في ذلك الزمان جاء شمس، ووضع قواعده في الحب والعشق، حب الله أو حب الحبيب أو حب الناس... لا فارق، فالطريق إلى الله يكون عبرهم جميعاً. في زمن شمس الدين كانت الناس تؤدي الفروض والعبادات بشكل ميكانيكي خال من الروح. وفي زمننا، فماذا عن الروح التي تعيش على هذه الأرض؟ تأتي إليف شافاق في القرن 21 وتستعيد "قواعد العشق الأربعون"، جاعلة من حكمة الحب التي زرعها شمس التبريزي في بيت جلال الدين الرومي في قونية تشع من قلب سيدة يهودية تعيش في أميركا.تمسك شافاق يد القارئ منذ اللحظة الأولى لتهز كل معتقداته، وأي إحساس بالرضا تجاه حياة لم تقم على الحب، الذي لا يأتينا إلا عندما يقرر هو المجيء، وهو لا يأتي إلا عندما نتخفف من أثقال الشكليات الفارغة (مال ومكانة اجتماعية الخ...) ونتهيأ لحضوره. تقوم الفكرة الصوفية على هذه الفلسفة التي تهيئ الانسان للتخلي، وصولا لحالة الحب والتجلي. فهل يتجه الشباب، الذين لم يجدوا في السلفية ما يشبع الروح، صوب طريقة تدين لطالما حاربتها السلفية واعتبرت أفكارها بدعاً وفسادا في الدين؟

مقالات من الأردن

ما تبقّى من «الكرامة»

2018-04-26

في هذا المقال استعادة لمعركة «الكرامة»، ومحاولةٍ التورّط في البنيان السياسيّ الذي أنتجته بالنسبة لفلسطين والأردن، وموقعها من الوعي الصهيوني العام، فضلًا عن تتبّع ظلّها الرسمي وما تبقّى منها اليوم..

للكاتب نفسه

نظام انتخابي "جديد" في الأردن؟

بماذا يفكر الأردني عندما يضع ورقته الانتخابية في صندوق الاقتراع؟ في الواقع، أول ما يفكر به هو الخدمات التي تُقدَّم له، من توظيف أو تأمين خدمات صغيرة، سيقوم بها النائب...