الأردن: ما الذي ينقص مبادرة «زمزم»؟

يعيش الأردن في هذه الأيام حالة انقسام في صفوف الإخوان المسلمين بعد إعلان القيادي السابق في الحركة د. رحيل الغرايبة تأسيس إطار سياسي جديد: «المبادرة الأردنية للبناء» («زمزم»). وتجلى الانقسام في أحدِّ صوره بقرار الجماعة مؤخرا فصل قيادات المبادرة من حركة الإخوان، ومن بينهم مؤسسها ومنسقها.السياسة تتدخلبتفاصيل الناس اليوميةلم
2014-05-14

رانية الجعبري

قاصة وصحافية من الاردن


شارك
من الانترنت

يعيش الأردن في هذه الأيام حالة انقسام في صفوف الإخوان المسلمين بعد إعلان القيادي السابق في الحركة د. رحيل الغرايبة تأسيس إطار سياسي جديد: «المبادرة الأردنية للبناء» («زمزم»). وتجلى الانقسام في أحدِّ صوره بقرار الجماعة مؤخرا فصل قيادات المبادرة من حركة الإخوان، ومن بينهم مؤسسها ومنسقها.

السياسة تتدخل
بتفاصيل الناس اليومية

لم يكن الأردنيون يرون قبل السبعينيات من القرن الماضي أن ثمة خصومة بين رضا الله وعيش الحياة كما هي، إذ كان الحس القومي والتحرري يحملهم بعيدا عن تفاصيل الحياة الصغيرة، فيتركونها تسير بسلاسة رأتها حركة الإخوان المسلمين في مرحلة ما أنها تخالف رغبة الخالق. شيئا فشيئا بدأ الناس - الذين لم يخاصموا الأديان - يشعرون بأنهم يمارسون المعصية. وبمرور الزمن تحلوا بالتقوى والخوف والتحفظ إرضاءً للخالق.في الأردن، وبعد حظر الأحزاب السياسية وإعلان حالة الأحكام العرفية، لم يتأثر الإخوان المسلمون، وظل عملهم العام والدعوي مستمرا في شُعَبِهم وفي المساجد والمؤسسات العامة. ذلك ما يورده الكاتب ابراهيم الغرايبة في «جماعة الاخوان المسلمين في الأردن (1946-1996)». لكن المد الاسلامي لم يبدأ إلا في أعقاب هزيمة حزيران، وبعد الطفرة النفطية والازدهار الاقتصادي، ليغلب على فكر الجماعة اتجاه التطرف وتكفير المجتمعات ووصفها بالجاهلية.واليوم، بعد تطورات سياسية دولية تضاف لما سبق، أمسى الأردن يرتدي «الحجاب»، ويُسبله على أبنائه الذين يميل أكثريتهم للتدين التقليدي الذي بدأ بالترسخ قبل 50 عاماً، يمضون أيامهم ضجرين من واقع لم يفكروا في تفاصيله وأسباب غياب المتعة فيه. لكن صفحاتهم على فيسبوك وأحاديثهم تظهر شوقهم لبلدهم في أيام «الزمن الجميل» السابقة للمد المحافظ. كثيرون يغلبهم الحنين، لكنهم يخشون تجاوز الخط الوهمي الذي رسمته السياسة والأيام والقناعات، ويتحاشون البحث في طبيعة ذلك الحنين الذي يشدهم لبلد سمعوا أنها كانت مختلفة من فم الأهل الحريصين على رسم ذلك الخط الوهمي لهم، ومع ذلك لا يتوقفون عن توريثهم الحنين للزمن الجميل!

زوايا الخصومة السياسية المتعددة

يقرأ الأردنيون المرحلة السياسية الممتدة بين الأعوام 1957-1990 من زاويتين. الأولى، وهي أن الإخوان المسلمين كانوا يشعرون بالخوف من اجتياح الحركة الناصرية للأردن. هذه الزاوية يقف عندها المنسق العام لمبادرة زمزم ويشرحها: «الحركة الناصرية أعلنت الحرب على الإخوان لا العكس، كذلك النظام الأردني كان يشعر بالخطر من تكرار تجربة الضباط الأحرار في الأردن، والتقى طرفان كانا يشعران بالتهديد». وهو لا يخفي ضيقه من وصف الإخوان بأنهم كانوا مجرد «أداة في يد النظام» لتهميش القوى التقدمية واليسارية، واصفا القوميين بأنهم كانوا في ذلك الوقت يرغبون في جعل كل الناس أتباعا لهم، لذا آمن الإخوان بأنه حال وصول القوميين والبعثيين للحكم فإن قمعهم سيعادل أضعاف ما يتمتع به النظام الحالي من قمع. لكن الإقصاء الذي سعى الإسلاميون لإبعاد شبحه عنهم في الخمسينيات يمارسونه اليوم على أفراد مبادرة زمزم.
ولا ينكر د. الغرايبة ذلك لكنه يُعيد السلوك إلى الحالة السياسية والاجتماعية والفكرية التي يصفها بـ«المريضة»، مبيّناً أن العقلية السياسية الحالية تعيش الخندقة وتعيش فكر الدفاع عن النفس عن طريق التصلب في المواقف والتطرف في المواجهة.الزاوية الثانية يعبر عنها الكاتب والمحلل السياسي جهاد الرنتيسي: «انحياز الإخوان في ذلك الوقت لم يكن انحيازاً لقيم الديموقراطية، لم يكن الاردن ديموقراطيا، كانت البلاد تعيش أحكاما عرفية. جوهر القواسم المشتركة بين الاخوان مع النظام ذلك الوقت كان يستند بالدرجة الاولى الى رؤيتهما المحافظة وتقارب رؤيتيهما الاقتصادية القريبة إلى رؤى النظام الرأسمالي».
تشير المتغيرات على علاقة النظام والاخوان بين اليوم والأمس إلى أن الانقسامات التي تعرضت وتتعرض لها حركة الإخوان المسلمين، منذ العام 2000 وحتى اليوم، إنما هي نتيجة نضوج ثمرة الخلافات التي نشأت بينها وبين النظام.
وعلى الرغم من أن الحركة الإسلامية اتخذت لها موضعا مع المعارضة منذ توقيع الأردن معاهدة وادي عربة مع العدو الصهيوني مطلع التسعينيات، لكن شعرة معاوية لم تنقطع بين الطرفين على مدى سنوات، وها هي تهتز منذرة بالانقطاع بعد ردة فعل حركة الاخوان المسلمين في الأردن على بدء المد الإخواني في المنطقة، معتقدين أن ساعة وصولهم إلى السلطة قد اقتربت. ويبدو أن القاعدة الفقهية «من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه» قد وافقت حالتهم. ولا يستطيع سياسيون ومراقبون رؤية حضور رموز سياسية موالية للنظام لحفل إشهار مبادرة زمزم إلا في سياق الدفع نحو تعزيز الانقسام الحاصل في الحركة.

«زمزم» لاعب جديد أم تابع موال؟

المنسق العام لزمزم لا يريدها تابعة لأحد. يريدها إطارا سياسيا يقدم حالة تنبذ التخندق وتتحرر من القسمة بين الموالاة والمعارضة. وهي في عينه لا تبحث عن سلطة إنما عن «إحياء الأمة من جديد». ويبرر حضور رموز سياسية محسوبة على النظام في حفل إشهارها بأن القائمين على الحفل دعوا الجميع، كما تمت دعوة المؤثرين في القرار السياسي، إضافة للمعارضة التي كان وجودها أقل. لكن الرنتيسي يراها كمن سبقها، «أي حزب الوسط الذي انفصل مؤسسوه عن الحركة الإسلامية قبل 13 عاما»، مفتقرة إلى عنصر معارضة الحكومة، وهو الأمر الذي ما زال يميز جماعة الاخوان المسلمين وييسر تفاعل الشارع معها.
من دون إغفال أن قيادة الجماعة التي توصف بالصقورية، تواجه مأزقا كونها ترغب في التخلص من الإرباك الذي يسببه رموز زمزم الأكثر اعتدالا في الاطر القيادية والقاعدية، وفي الوقت ذاته الذي تخشى تبعات طريقة التخلص منهم. وهذا الارتباك تجلى في تعاطي قيادة الجماعة مع مبادرة زمزم منذ إعلانها وحتى ما بعد اتخاذ محكمتهم قرارا بفصل القائمين عليها.
يريد د. الغرايبة لمبادرته أن تكون نموذجا في تقديم العقل النقدي والشك في كل شيء بغية إخراج الشباب من دائرة التبعية الفكرية. إذ كيف سيخرجون من دائرة التبعية بدون قسط وافر من الحرية الاجتماعية والفكرية؟ وكيف سيتحقق ذلك في بلد له طابع محافظ؟ لا يقدم الرجل فكرا إسلاميا يناقض فكر جماعة الإخوان وحسب، بل إن ما يقدمه - وهو أستاذ جامعي في الفقه وله رسالة تحمل عنوان «نظرية الإسلام في الحقوق والحريات العامة» قد لا يتمكن شباب اليوم الناشئ على قيم دينية تقليدية من استيعابه. فهو يرى أن الإطار الذي يمكنه إعادة بناء الأمة يقوم على «الحرية».
ولنا تخيل حجم القضايا التي لا يقبل مجتمعنا المحافظ نقاشها وهي تتحلل في كف الحرية وتذوب وكأنها لم تكن. لا يتطرق مجتمعنا لقضايا كثيرة ليزنها بميزان الحرية، إنه يختصرها جميعا في البند الأخطر، «الردة عن الإسلام». يتناول د. الغرايبة الفكرة من خلال الشابة المسيحية التي لقيت حتفها قبل أيام في الأردن على يد والدها لأنها أشهرت إسلامها. يتوقف للحظة ويوضح: «أنا مع أن يتاح للجميع على حد سواء وبلا استثناء حرية الدين واعتناق الفكر»، ويشرح أكثر بأن حد الردة كان عقوبة سياسية في وقت من الأوقات، ولا يصح أن يكون القاعدة الأشمل ولا أن يُستشهد به كدليل على قتل المسلم إن غيّر فكره، بل إن النص الشرعي الذي يحفظ للناس حرية معتقدهم ثابت وواضح: «لا إكراه في الدين».فهل تمد السياسة يدها وتعيد طرفا مما وعدنا به الزمن الجميل؟ ربما. لكن ثمة مخاوف من أن يكون المتغيَر سياسياً بالدرجة الأولى.
لذلك يستبعد الرنتيسي أن ينعكس هذا الفكر تلقائياً على طريقة فهم المواطن الأردني للدين وتعاطيه معه، من دون أن ينكر تميّز رموز زمزم برؤية معتدلة تتفوق على رؤية القيادة الصقورية في جماعة الإخوان. إلا أن الأردن اعتاد أن تتم عملية استقطاب الشارع على أرضية سياسية بالدرجة الأولى تقوم على الموقف المعارض للحكومة.«الأرضية السياسية القائمة على الموقف المعارض» مفتاح الشارع السحري لتغيير قناعاته الاجتماعية، يعيدنا لفتح أوراق حزب الوسط الاسلامي الذي أعلن رؤية معتدلة للإسلام بداية العقد الماضي، وصفها المفكر المصري الراحل د. عبد الوهاب المسيري في مؤتمر عقده الحزب في عمّان عام 2006 بأنها رؤية لإسلام «سياحي لا يخرمش أمريكا». والمسيري الذي لا يجافي فكره منطق الاعتدال وتحكيم العقل، لم يكن صقورياً متزمتاً، بل رأى أن نيات التجديد الديني يجب ألا ترتبط إلا بمشاريع تعارض الفكر الاستعماري، وإلا سيجافيها الناس، وإن اتبعوها مدة فسيكشف الزمن تلاعبها بأحلام الشارع وطموحاته.

مقالات من الأردن

ما تبقّى من «الكرامة»

2018-04-26

في هذا المقال استعادة لمعركة «الكرامة»، ومحاولةٍ التورّط في البنيان السياسيّ الذي أنتجته بالنسبة لفلسطين والأردن، وموقعها من الوعي الصهيوني العام، فضلًا عن تتبّع ظلّها الرسمي وما تبقّى منها اليوم..

للكاتب نفسه

نظام انتخابي "جديد" في الأردن؟

بماذا يفكر الأردني عندما يضع ورقته الانتخابية في صندوق الاقتراع؟ في الواقع، أول ما يفكر به هو الخدمات التي تُقدَّم له، من توظيف أو تأمين خدمات صغيرة، سيقوم بها النائب...