الأردن: تنمية الفقر

التنمية، التعزيز، رفع المستوى، تحسين الظروف والانعكاس الايجابي.. هي مصطلحات تكاد لا تتوقف عن الخروج من أفواه المسؤولين الأردنيين بشكل متواصل، واعدين بإشهار سيوفهم في وجه الفقر والجوع والتهميش، باعثين الآمال في قلوب الشعب باقتراب الرفاه المنشود والحياة الرغيدة مع كل خطة تنموية تقدمها الحكومات. لكن واقع الحال يشير إلى أن الأوضاع تسير باتجاهٍ معاكسٍ لكل تلك الخطط، وبتسارع مثير للقلق. أشكال
2015-07-29

أحمد أبو حمد

صحافي من الأردن


شارك

التنمية، التعزيز، رفع المستوى، تحسين الظروف والانعكاس الايجابي.. هي مصطلحات تكاد لا تتوقف عن الخروج من أفواه المسؤولين الأردنيين بشكل متواصل، واعدين بإشهار سيوفهم في وجه الفقر والجوع والتهميش، باعثين الآمال في قلوب الشعب باقتراب الرفاه المنشود والحياة الرغيدة مع كل خطة تنموية تقدمها الحكومات. لكن واقع الحال يشير إلى أن الأوضاع تسير باتجاهٍ معاكسٍ لكل تلك الخطط، وبتسارع مثير للقلق.
أشكال متنوعة من الخطط جاءت وذهبت دون أن تترك أي أثر ملموس، خمسية وثلاثية، أو حتى خططاً دوارة، ولم تفلح أي منها في تحقيق التنمية المطلوبة، مما دفع الحكومة هذا العام إلى وضع خطة عشرية للعقد القادم، جرى ربط إنجازها مباشرة بالظروف الراهنة، كمحاولة لإيجاد مخرج سريع في حال فشلت قبل حتى البدء بالخطة. الملفات المتعلقة بالتنمية كمكافحة الفقر والبطالة ورفع مستويات العمالة وسوية الخدمات الصحية والتعليمية أصبحت ضخمة ولا يمكن التغاضي عنها، حيث اقتربت من الانفجار في دولة ضاقت بساكنيها مواطنين ولاجئين.

شباب تحت مقصلة البطالة

أرقام منظمة العمل الدولية لعام 2014 تشير إلى بلوغ نسبة البطالة في الأردن إلى 30 في المئة بالنسبة إلى عدد السكان، في حين أن الأرقام الرسمية تراوح حول 12 في المئة خلال الربع الأول من هذا العام، والسبب في الفارق الكبير بين الرقمين هو أن غالبية الباحثين عن عمل فقدوا الأمل في إيجاده، بالإضافة إلى إغلاق الأردن الباب أمام التقدم بطلبات العمل لديوان الخدمة المدنية المعني بالتوظيف في الوظائف الحكومية، مما خفّض عدد المتقدمين للوظائف الذين تحتسبهم الجهات الرسمية في بياناتها.
زخمٌ إعلامي تركز فيه الحكومة على حملات التشغيل الوطنية التي تقوم فيها وزارة العمل، والتي تدّعي أنها شغّلت 60 ألف شخص منذ بدايتها وحتى انتهائها العام الماضي. رقمٌ يبدو للوهلة الأولى كبيرا لكنّه فعلياً لا يوفر وظائف للخريجين من الجامعات في عام دراسي واحد، حيث بلغ عدد خريجي درجة البكالوريوس 73 ألفاً لعام 2013. كما أن الوظائف التي قدمتها وزارة العمل لا تتناسب مع مؤهلات الطلبة الخريجين من الجامعات. الرواتب المتدنية للوظائف المهنية والحرفية تزيد من العزوف عنها، فالحد الأدنى للأجور في الأردن لا يزيد عن 190 ديناراً، وهو مبلغٌ غير كافٍ لدفع أيجار منزل صغير، مما يرفع من حالة عدم الإقبال على التعليم الحرفي والمهني الأمر الذي يرفع نسبة البطالة بين الشباب.
كما تتعرض المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي من المفترض أن تحتضن أعدادا غفيرة من العاطلين عن العمل، إلى إفشال ولو أنه يظهر غير ممنهج، حيث تتأثر بشكل كبير بسبب حالة عدم الاستقرار التشريعي ورفع أسعار الكهرباء وغياب الاقتصاد المحفِّز للقطاع الخاص بشكل عام والمنافسة غير العادلة بسبب امتلاء الأسواق بالسلع المستوردة.
وتشكل المشاريع الصغيرة والمتوسطة قرابة 90 في المئة من مجمل المؤسسات العاملة في مختلف القطاعات الاقتصادية في المملكة، وتستوعب حوالي 60 في المئة من القوى العاملة.

طوفان الفقر

نسبة الفقر بلغت 14.4 في المئة عام 2010، ولم تفصح الحكومة عن أي أرقام حديثة حول الفقر منذ ذلك الحين الذي تم تقدير خط الفقر المطلق فيه بـ813.7 دينارا سنوياً، أي 68 دينارا شهرياً للفرد. من المرجّح أن يكون الرقم الرسمي، الذي تم التشكيك فيه أصلاً، قد ارتفع بنسبة كبيرة بسبب عدم قدرة الحكومة إلى الآن على خلق واقع اقتصادي مختلف ينعكس إيجابا على المواطنين. آخر دراسة رسمية، التي تم الإعلان عنها عام 2011، توضح ارتفاع عدد جيوب الفقر في المملكة (وهي الأقضية التي تزيد فيها نسبة الأفراد الواقعين دون خط الفقر عن 25 في المئة من مجموع سكان القضاء) إلى 36 جيباً. أعلاها فقراً كانت في محافظة المفرق حيث بلغت 31,9 في المئة قبل قدوم اللاجئين السوريين إلى المنطقة، فما بالك بعد قدومهم وتضاعف عدد سكان المدينة وسط البنى التحتية المتردية أصلاً. وتشير الأرقام الرسمية إلى أن 0.3 في المئة من أسر المملكة تعاني من انعدام الأمن الغذائي، و2.1 في المئة تعتبر هشّة متجهة نحو انعدام الأمن الغذائي، حيث بلغ خط فقر الغذاء 28 دينارا للفرد شهرياً.
جميع الأرقام والمؤشرات التي تؤكد على طوفان الفقر في البلاد تأتي بعد الجهود التي تتغنى الدولة ببذلها عبر وزارة التنمية الاجتماعية بفروعها وأذرعها من مؤسسات وجمعيات خيرية، حيث رصدت الدولة للوزارة مبلغ 125 مليون دينار كميزانية لعام 2015، ولم تتجاوز النفقات التي تذهب للاستثمارات وتحقق إيرادات لخزينة الوزارة 11 مليون دينار، وترصد الوزارة قرابة ثلاثة ملايين دينار لبرنامج تنمية المجتمع ومكافحة الفقر، بالإضافة إلى 92 مليون دينار تنفقها كمعونات يقدمها صندوق المعونة الوطنية للمواطنين المعوزين بشكل مباشر.
وفي ظل السياسات الحكومية التي يبدو أنها لن تتوقف عما يسمى بـ "الإصلاح الاقتصادي" المفروض على الأردن من صندوق النقد الدولي، والذي رفعت الحكومة على أساسه الدعم عن المحروقات والكهرباء وتتوجه الى وقف الدعم عن المياه أيضاً، يبدو أن ما تبقى من الطبقة الوسطى سوف يتآكل باتجاه الفقر أكثر فأكثر، كما أن انغلاق الحدود الشرقية والشمالية بشكل شبه تام أمام التجارة، والأوضاع الإقليمية التي تلقي بظلالها عبر رفع النفقات العسكرية والأمنية، ينذر بحالة اقتصادية خانقة.

 

للكاتب نفسه