بين المناورة والارتباك حملة جمع التوقيعات لمدّ فترة حكم السيسي

المشهد السياسي المصري الحالي غاية في التأزُم والارتباك، ومحاولة فك طلاسمه مهمة صعبة، في ظل الصراع المستتر في ما بين الأجهزة الأمنية السيادية، صراع مصالح ونفوذ وقوده الإعلام، ومن ضمن أدواته التحركات الشعبية. أطلَّت تلك "التحركات الشعبية" من جديد على المشهد السياسي المصري بعد مرحلة "التمرد" التي أطرت إسقاط الرئيس الأسبق محمد مرسي. لكنها هذه المرة ليست لإسقاط السلطة
2015-07-06

باسم راشد

كاتب من مصر


شارك
من اللافتات التي رفعت في فترة الانتخابات (من الانترنت)

المشهد السياسي المصري الحالي غاية في التأزُم والارتباك، ومحاولة فك طلاسمه مهمة صعبة، في ظل الصراع المستتر في ما بين الأجهزة الأمنية السيادية، صراع مصالح ونفوذ وقوده الإعلام، ومن ضمن أدواته التحركات الشعبية.
أطلَّت تلك "التحركات الشعبية" من جديد على المشهد السياسي المصري بعد مرحلة "التمرد" التي أطرت إسقاط الرئيس الأسبق محمد مرسي. لكنها هذه المرة ليست لإسقاط السلطة الحالية بل لتمديد فترة حكم الرئيس السيسي.. إذ دشَّن مجموعة من النشطاء الحقوقيين والسياسيين، منذ أسابيع، حملة توقيعات انطلقت من محافظة المنيا، وانتشرت بشكل سريع في محافظات الصعيد المصري، هدفها جمع ما يقرب من 40 مليون توقيع من المواطنين لمد الفترة الرئاسية للرئيس عبدالفتاح السيسي، لمدة 8 سنوات بدلا من 4 سنوات.

حديث قديم متجدد

في كانون الاول/ ديسمبر 2014، دعا الإعلامي أحمد المسلماني لتعديل الدستور لزيادة مدة الفترة الرئاسية الى 6 أو 7 سنوات، حتى يستطيع الرئيس "مواجهة التحديات والأوضاع السياسية غير المستقرة وتأسيس الدولة والتعامل مع القوى السياسية"، منتقداً لجنة الخمسين لتقييدها فترة حكم الرئيس، مؤكداً أنه لم يكن لديهم "رؤية استراتيجية للمستقبل". وقد أثار هذا التصريح وقتها الكثير من الجدل من جانب العديد من القوى السياسية والفقهاء القانونيين والدستوريين.
إلا أن هذا الحديث عاد وتكرر مع هذه الحملة الأخيرة، حيث اعتبر منسقوها أن "ملايين المصريين باتت لديهم القناعة بأن 4 سنوات غير كافية لإنهاء الخطوات الجادة لتحقيق الاستقرار والأمن والأمان واستكمال مسيرة الديمقراطية على أرض مصر، وتحقيق مبادئ ومطالب ثورتي يناير ويونيه التي يقوم بها الرئيس عبد الفتاح السيسى، كما أنها غير كافية للحكم على إنجاز رئيس حارب الإرهاب في المنطقة بأسرها".
يبدو أن الحديث الأول كان بمثابة جسّ نبض لمعرفة مدى قبول الرأي العام لهذه الفكرة، وأثبتت التطورات اللاحقة أن النظام بحاجة لمثل هذه الحملات في الوقت الحالي حتى وإن كانت لن تُحدث أثراً في تغيير الواقع السياسي المصري بشكل كبير، وذلك لأن تغيير مدة حكم الرئيس في الدستور يتطلب موافقة ثلثي البرلمان الذي لم يُنتَخَب بعد، ثم بعدها يتم طرح المادة للاستفتاء الشعبي، وهو ما يتطلب وقتا وتكلفة كبيرة من غير المرجح أن تُخاطر السلطة بها الآن في ظل تراجع الوضع الاقتصادي وارتفاع أسعار السلع والخدمات التي تُقدَّم للمواطنين.

تفسيرات متعددة

إن ظهور تلك الحملة في هذا التوقيت يشير إلى العديد من الاحتمالات لعلَّ أهمها:

- أن تكون محاولة لتوصيل رسالة إلى الرأي العام الخارجي بأن المصريين لم يفقدوا إيمانهم بالرئيس السيسي، وأنهم يساندونه حتى النهاية، وأن الأوضاع في مصر تتحسن في عهده ويريد المواطنون استمراره في الحكم لأكثر من مدته المقررة دستورياً من أجل تحقيق الأهداف "القومية" للدولة والمجتمع. ويتزامن ذلك مع الدعوات التي أطلقتها بعض الحركات السياسية وعلى رأسها "حركة 6 أبريل" لإضراب شامل يوم 11 حزيران/يونيو، أو بالتزامن مع اقتراب الذكرى الثانية لـ30 يونيو بعد مرور عام على حكم السيسي.
- أن تكون هذه محاولة للرد على الحملات التي ظهرت مؤخراً لدعم ترشيح الفريق أحمد شفيق رئيساً للجمهورية، والمطالبات بعودته إلى مصر، وظهور ملصقات في شوارع القاهرة تحت عنوان "أنت الرئيس"، وتلميحها الدائم بأن شفيق كان هو المرشح الناجح في انتخابات 2012 لكن المجلس العسكري قرر إنجاح مرسي خوفا من غضب الإخوان في ظل تهديدهم بـ "إحراق الشوارع". ويُثار الكثير من الجدل منذ أن بدأت تلك الحملات، على الرغم من تصريح شفيق نفسه بأنه يدعم "النظام الشرعي للسيسي"، وتأكيده أنه لا علاقة له بتلك الحملات، بعدما ألمح أحياناً إلى أن لقاءات شفيق مع مسؤولين إماراتيين في الفترة الأخيرة أربكت النظام المصري الحالي، بالتزامن مع تراجع تأييد السعودية لمصر عما كان في عهد الملك عبد الله، وهو ما قد يُنبئ بضلوع أحد الأطراف العربية في الأمر، وربما هذا ما دفع الرئيس السيسي إلى التأكيد على أن "الانتخابات الرئاسية 2012 كانت انتخابات ديمقراطية نزيهة"، في المؤتمر الصحافي الذي عقده في ألمانيا أثناء زيارته الأخيرة لها.

يبدو أنه توجد عناصر مشتركة بين الاحتمالين السابقين، أولها أن الأجهزة الأمنية السيادية عنصر أساسي فيهما، بما يشير إلى وجود تضارب واضح في المصالح بين بعضها، مع استغلال حالة التراجع التي مُني بها النظام على المستوى الداخلي. وثانيها توظيف وسائل الإعلام، من خلال رجال الأعمال، لتحقيق الغرض المطلوب في الاحتمالين، وهو ما بدأ في الظهور تدريجياً في الفترة الأخيرة عبر التناقض بين الإعلاميين في موقفهم من السيسي، بعدما كان التأييد المطلق هو الملمح الأساسي والمحدد لسلوكهم.
أما العنصر الثالث المشترك فهو توظيف المواطنين كأداة من أدوات الصراع، من خلال الحملتين، وهو ما قد يشير إلى أن المرحلة القادمة قد تشهد صراعاً أعنف بين تلك الأجهزة، وربما يكون مكشوفاً في بعض الأحيان...

 

 

للكاتب نفسه

الأمن المفقود والحرية الغائبة

باسم راشد 2014-11-24

أكدت المواجهات التي وقعت مع بداية العام الدراسي الجديد في العديد من الجامعات المصرية بين الطلاب وبين عناصر شركة الأمن الخاصة المكلفة بمهمة "تأمين الجامعات" استمرار تأزُم وتعقُّد العلاقة بين...

هل عادت دولة ما قبل 25 يناير؟

باسم راشد 2014-11-05

تعود دولة ما قبل 25 يناير تدريجيا لمؤسسات الحكم في البلاد، ولكن في ثياب جديدة، وهي تستمد قوتها من حجم شعبية الرئيس، ومن إعلام مُمنهج يمكنه إقناع الرأي العام بأن...