غياب دائم للدولة عن رعاية الأيتام في مصر

الفيديو الذي انتشر مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي لرجل يضرب مجموعة من الأطفال ويعذبهم بدار أيتام تدعى «مكة المكرمة» في مصر، أثار موجه من الغضب على الصعيدين السياسي والاجتماعي، مما دفع الدولة ممثلة في وزارة الداخلية ووزارة التضامن الاجتماعي الى التدخل وإلقاء القبض على مدير الدار المُتهم في تلك الحادثة وحبسه على ذمة التحقيق.ليست الحادثة
2014-08-13

باسم راشد

كاتب من مصر


شارك
من الانترنت

الفيديو الذي انتشر مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي لرجل يضرب مجموعة من الأطفال ويعذبهم بدار أيتام تدعى «مكة المكرمة» في مصر، أثار موجه من الغضب على الصعيدين السياسي والاجتماعي، مما دفع الدولة ممثلة في وزارة الداخلية ووزارة التضامن الاجتماعي الى التدخل وإلقاء القبض على مدير الدار المُتهم في تلك الحادثة وحبسه على ذمة التحقيق.

ليست الحادثة الأولى

وليست تلك الحادثة الأولى لتعذيب الأطفال في دُور الأيتام، حيث سبقتها حوادث مماثلة أو أكثر قسوة أحياناً فقبل ثلاثة أشهر فقط، انفجرت قضية تعرض أطفال بإحدى دور الأيتام بمنطقة السيدة زينب للتعذيب على يد مشرفيهم، حيث كان يتعرض الأطفال بداخل الدار للضرب والحرق والتجويع، وقامت وزارة التضامن الاجتماعي بسحب تراخيص الدار وإغلاقه فيما تم نقل الأطفال إلى دار الأورمان.
وفي العام 2010، انفجرت قضية تعذيب مشرفتين بدار أيتام «أولادي» بالمعادي لستة أطفال باستخدام «لسعات» سكين، وقد تم ضبط الأدوات المستخدمة في التعذيب داخل الدار واعترف الأطفال أمام النيابة بتعرضهم للاعتداء. وفي العام الحالي وفي مدينة العاشر من رمضان التابعة لمحافظة الشرقية، قام مشرف دار أيتام بالاعتداء جنسياً على الأطفال، ولم تكن تلك أولى حوادث الاغتصاب للأطفال وهتك عرضهم بل تكررت بعد ذلك في أكثر من حادثة خلال الأعوام المنصرمة.

أسماء اسلامية ومعاملة غير إنسانية

الأمر الذي يدعو للسخرية في تلك الحوادث هو طبيعة الأسماء التي تتخذها تلك الدور لنفسها، فنجد أن معظمها، تحمل أسماء إسلامية كـ«ليلة القدر» و«أم القرى» و«مكة المكرمة» و«رفقاء النبي»... بينما طبيعة المعاملة التي يلقاها هؤلاء الأطفال في تلك الدور لا تجسد تعاليم الإسلام أو روحه، بل لا تعبر عن أي قدر من الرحمة والإنسانية.

معايير مُختلة

تتفاقم تلك الحوادث يوماً بعد يوم، نظراً لكثرة أعداد دُور الأيتام في مصر، وتزايدها بما يجعلنا نتوقف عند طبيعة المعايير والشروط التي تُقرها وزارة التضامن الاجتماعي من أجل إعطاء تراخيص لإنشاء مثل تلك الدور الخاصة، الأمر الذي جعل من إنشاء تلك الدور بمثابة منجم لمالكيها إذ يتم من خلالها الحصول على تبرعات من جهات خارجية بدعوى رعاية الأطفال.

وقد أثبتت التحقيقات في العديد من حوادث دور الأيتام في السنوات الأربع الأخيرة في مصر أن الغالبية العظمى من تلك الدور بها مخالفات مالية فجة، فضلا عن انها لا تقدم الرعاية الحقيقية للأطفال الأيتام بل تلجأ لأساليب تعذيب بادعاء تهذيبهم، بما قد ينتج في النهاية كبارا قساة ومجرمين من فرط ما تعرضوا له من ظلم وإهمال.

الدولة والدور الغائب

لا أحد يتحمل المسؤولية الأكبر في مثل تلك الحوادث سوى الدولة بمؤسساتها المختلفة المعنية بحقوق الطفل ورعايته. فعلى الرغم من أن للدولة الحق في إغلاق أي دار أيتام تنتهك حقوق الأطفال المتواجدين بها، إلا إنها ما زالت قاصرة عن القيام بدورها في هذا الصدد. فوزارة التضامن الاجتماعي لم تتحرك في الحادثة الأخيرة أو في مثيلاتها في السابق إلا كرد فعل بعد افتضاح الواقعة، وليس كفعل ناتج عن حق أصيل لها ودور واجب القيام به. تحركت بعد أن انتشر فيديو التعذيب على مواقع التواصل الاجتماعي، وتم تسليط الضوء عليه إعلامياً، ولنا أن نتخيل ماذا كان سيحدث إذا لم يكن هناك هذا التطور التكنولوجي. وعلاوة على عدم تفعيل آليات الرقابة على تلك الدور، سواء ماليا أو إداريا، فهناك غياب الرعاية الصحية من قبل السلطة لهؤلاء الأطفال وهي ملزمة بها طبقا لـ«قانون الطفل» بتعديلاته الصادرة في 2008، وهو يطلب الكشف الدوري على الأطفال، سواء البدني أو النفسي، للتأكد من سلامتهم.

تنسيق ضروري

علاج الأمر يكمن في ضرورة تحقيق التنسيق بين المؤسسات المعنية برعاية الطفل في مصر، كوزارة التضامن الاجتماعي، وبين المجلس القومي للأمومة والطفولة، ومعها مؤسسات المجتمع المدني المهتمة بالطفل، مع تكثيف الحملات الإعلامية المطالبة بضرورة تعاون المواطنين في الكشف عن أي مخالفات في تلك الدور، بالإضافة إلى ضرورة مراجعة التشريعات الخاصة بمنح التراخيص لدور الأيتام من أجل ضبط تلك الظاهرة، والكف عن المتاجرة بحياة الاطفال.
            
 

مقالات من مصر

عبد الله النديم، ثائر لا يهدأ

أشهرت البعثة البريطانية إفلاس مصر فى السادس من نيسان/ إبريل عام 1879. وفي أعقاب ذلك الإعلان، قام السلطان العثماني بعزل الخديوي إسماعيل وتولية ابنه "محمد توفيق باشا" على مصر بدلاً...

عيش.. حرية.. إلغاء الاتفاقية!

منى سليم 2024-03-29

هل يستقيم ألا تغيِّر الحرب على غزة موازين الأرض؟ أو لا يصير الى صياغة برنامج سياسي مصري ينطلق من إلغاء هذه معاهدة كامب ديفيد، وأن يكون ذلك ركيزة للتغيير الجذري...

كيف جرى تكبيل مصر واستعبادها؟

رباب عزام 2024-03-21

يبدو أن السلطة المصرية لن تتوقف نيتها في بيع الأصول والأراضي، ولن تكتفي فقط بما حُسم من صفقات منذ العام 2021، بل ستسعى إلى مزيد من عمليات البيع، تنفيذاً لاشتراطات...

للكاتب نفسه

الأمن المفقود والحرية الغائبة

باسم راشد 2014-11-24

أكدت المواجهات التي وقعت مع بداية العام الدراسي الجديد في العديد من الجامعات المصرية بين الطلاب وبين عناصر شركة الأمن الخاصة المكلفة بمهمة "تأمين الجامعات" استمرار تأزُم وتعقُّد العلاقة بين...