الأردن: تعديل قانون العمل

اخذت الحركة العمالية الأردنية بالتبلور والانطلاق بصدور دستور 1952، الذي اتاح البدء بتشكيل النقابات العمالية. ومع نهاية الستينيات وصل عددها الى 36 نقابة. وجاءت هزيمة حزيران 1967، وما أعقبها من أحداث داخلية، لتعيد خلط الأوراق على المستويات كافة، فصدر قرار عن وزير الشؤون الاجتماعية والعمل العام 1971 بتقليص عدد النقابات العمالية إلى 24 نقابة، ليعود في العام 1976 لتقليص العدد إلى 17 نقابة،
2014-01-29

عزام الصمادي

كاتب من الأردن


شارك

اخذت الحركة العمالية الأردنية بالتبلور والانطلاق بصدور دستور 1952، الذي اتاح البدء بتشكيل النقابات العمالية. ومع نهاية الستينيات وصل عددها الى 36 نقابة. وجاءت هزيمة حزيران 1967، وما أعقبها من أحداث داخلية، لتعيد خلط الأوراق على المستويات كافة، فصدر قرار عن وزير الشؤون الاجتماعية والعمل العام 1971 بتقليص عدد النقابات العمالية إلى 24 نقابة، ليعود في العام 1976 لتقليص العدد إلى 17 نقابة، استنادا إلى مفهوم التصنيف المهني الذي لا يسمح قانون العمل الأردني بإنشاء نقابات عمالية جديدة خارج إطاره.
ساهم هذا الوضع في إيجاد حالة احتكار للمناصب القيادية التي لا تخضع عملياً للتداول على مستوى قيادات معظم النقابات العمالية السبع عشرة المنضوية تحت مظلة الاتحاد العام. فمعظم رؤساء النقابات يحتفظون بمناصبهم منذ انتخابهم قبل حوالي عقدين من الزمن، وهو الانتخاب الذي حدث أصلاً عن طريق التزكية. إن مأزق الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن ليس ناجماً فحسب عن التدخل الحكومي في أعماله والهيمنة عليه، لكنه يتعدى ذلك إلى غياب حق التنظيم والحرية النقابية في قانون العمل الأردني. يضاف الى ذلك، ان القطاع العام محروم من الحق بالتنظيم النقابي.
وتلك سياسة منهجية تم إتباعها خلال العقود الأربعة الماضية من قبل السلطات لتدجين الحركة العمالية. وهي أدت الى تشوه علاقات العمل في القطاعين الخاص والعام. وما حَجْمُ الاحتجاجات العمالية التي ظهرت خلال السنوات الأخيرة خارج الأطر النقابية إلا دليل على ذلك. 

الإرهاصات

جاءت "هبة نيسان" 1989 لتشكل منعطفا مفصليا أعاد الروح إلى الحياة السياسية الديموقراطية ووفر مناخات من حرية الرأي والتعبير، توجت بإعادة الحياة البرلمانية، مما استدعى لدى كثير من القوى العاملة التفكير في واقعها، حيث بدأت حركات داخلية في النقابات العمالية القائمة من أجل تصويب أوضاع هذه النقابات من الداخل، لكنها لم تنجح نتيجة غياب الأنظمة الديموقراطية التي تحكم عمل النقابات. وفي عام 2006، بدأ حراك عمالي/مطلبي لعمال المياومة العاملين في وزارة الزراعة، الذين كانوا يطلبون تثبيتهم في الوزارة. وعندما لم يقف اتحاد العمال في صفهم، بدأت تتعالى أصوات تطالب بإيجاد مظلات حقيقية لتدافع عن العمال وحقوقهم. وفي عام 2009 خاض عمال ميناء العقبة نضالاً عمالياً لافتاً. ورغم حالة القمع والاضطهاد التي تعرضوا لها، رفضوا أن يدخل رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن كوسيط بينهم وبين إدارة الميناء، بسبب انحيازه التام لها وعدم تجاوبه مع مطالب العمال. وكنتيجة لهذا الواقع بدأ العديد من القطاعات العمالية الأردنية التفكير في إيجاد البديل.

النقابات العمالية المستقلة

يعود نشوء النقابات العمالية المستقلة إلى جملة من الأسباب المطلبية والتنظيمية التي يمكن تلخيصها في الآتي:

1. تحسن مناخ ممارسة الحريات العامة وحق الاجتماع.
2. تدني معدلات الأجور وارتفاع تكاليف المعيشة.
3. وجود حالة من الظلم الإداري والمالي الذي وقع على موظفي القطاع العام الممنوعين وفق القوانين السائدة من حق التنظيم النقابي، الأمر الذي دفعهم للنزول الى الشارع للدفاع عن حقوقهم، وتشكيل نقاباتهم.
4. حالة الاحتقان السائدة بين قطاع واسع من العمال مع نقاباتهم "الرسمية".
5. غياب الممارسة الديموقراطية عن أداء الاتحاد العام لنقابات العمال والنقابات الأعضاء.

من أجل التشكيل، استند اتحاد النقابات العمالية المستقلة والنقابات الأعضاء إلى مرجعية قانونية تعود بالأساس الى التشريعات الوطنية، في مقدمتها الدستور الاردني الذي اكدت آخر تعديلاته، في المادة (16)، على "حق تأليف الجمعيات والنقابات والأحزاب السياسية على أن تكون غايتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم لا تخالف أحكام الدستور"، الى جانب اتفاقيتي منظمة العمل الدولية، الاولى الخاصة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم (1987)، والثانية الخاصة بحق التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية (1998)، وإعلان المبادئ والحقوق الأساسية للعمل لعام 1998، والذي ينص بشكل صريح على ضرورة موائمة قوانين الدول الأعضاء مع معايير العمل الدولية الخاصة بحق التنظيم.
اضافة الى القرار الصادر عن المحكمة الدستورية رقم 6/2013 الصادر بتاريخ 24 / 7 / 2013 والمتضمن إقراراً بحق العاملين في مؤسسات الدولة بأن يكون لهم نقابات، علما بانه يوجد في اتحاد النقابات العمالية المستقلة أول نقابة في القطاع العام، وهي نقابة العاملين في دائرة الإحصاءات.

التحديات

أهم التحديات التي تواجه النقابات العمالية المستقلة هو عدم الاعتراف الرسمي بها من قبل وزارة العمل، ورفض تسجيلها بحجة أن قانون العمل لا يسمح باستحداث نقابات جديدة. لا تستطيع تلك النقابات والحال تلك أن تجمع الاشتراكات من الأعضاء ولا أن تستأجر مقرات لها. أما تهميش الحركة العمالية لزمن مديد فأدى إلى عدم توفر كوادر نقابية مدربة.
وانتشار النقابات المستقلة في القطاع غير المنظم ما زال متواضعا؛ لقد تشكلت نقابة لسائقي سيارات الأجرة (التاكسي) ما زالت في بداياتها، وتشكلت لجنة تحضيرية لإنشاء نقابة للعاملين في البناء في محافظة اربد. وتنتشر النقابات العمالية المستقلة في القطاعات التالية: الفوسفات، الدواء، الكهرباء، البلديات، أمانة عمان، المضيفون الجويون، الطيارون، المطابع، السائقون، وميناء الحاويات.
هناك ضرورة لتعديل قانون العمل الأردني لينسجم مع التعديلات الدستورية والمعايير الدولية. وفي مطلع العام الجاري دعت النقابات المستقلة الى ملتقى وطني شارك فيه نواب من البرلمان الأردني وشخصيات وممثلو مؤسسات مجتمع مدني وأحزاب ومراكز دراسات... من أجل إطلاق حملة وطنية لتعديل قانون العمل، وانبثق عن هذا الملتقى لجنة متابعة ممثِلة لفئات عديدة من المجتمع الأردني.

رؤية للمرحلة القادمة

هناك في المجال التشريعي حاجة لإعادة النظر في التشريعات الخاصة بالحريات العمالية، وتوحيد التشريعات وصناديق المعونة المتعلقة بالعاطلين عن العمل، وتحمل الدولة لمسؤولياتها في دعمهم وتشغيلهم، وتعديل قانون العمل، ونظام الخدمة المدنية بما يتفق مع التعديلات الدستورية الأخيرة، والاتفاقيات الدولية التي وقع عليها الأردن، وحقوق ومصالح العمال، بحيث يكفل حرية العمل النقابي في القطاعين العام والخاص.
وفي المجال الاقتصادي الاجتماعي، فمطروح إعادة تقييم النهج الاقتصادي ومشاريع الخصخصة.

مقالات من الأردن

ما تبقّى من «الكرامة»

2018-04-26

في هذا المقال استعادة لمعركة «الكرامة»، ومحاولةٍ التورّط في البنيان السياسيّ الذي أنتجته بالنسبة لفلسطين والأردن، وموقعها من الوعي الصهيوني العام، فضلًا عن تتبّع ظلّها الرسمي وما تبقّى منها اليوم..