موريتانيا: الوصول للجامعة معضلة

"أستيقظُ في الصباح الباكر لأبدأ رحلة معاناتي نحو جامعة نواكشوط للعلوم والتكنولوجيا والطب، حيث أنطلق إلى محطة الباص في ملتقى طريق مدريد، أصل في حدود السابعة صباحا وأكون محظوظا جدا إن وجدت مقعدا غير مشغول، ثم يحدث غالبا أن أتنازل عنه لبعض زميلات الدراسة. ينطلق الباص في الوقت المحدد في السابعة والنصف، أظل واقفا طوال الطريق، يوجد في ذراعي الآن جرح بسبب سقوطي اثر كبح السائق للباص بشكل مفاجئ.
2015-12-31

أحمد ولد جدو

كاتب ومدون من موريتانيا


شارك
طلاب في جامعة نواكشوط

"أستيقظُ في الصباح الباكر لأبدأ رحلة معاناتي نحو جامعة نواكشوط للعلوم والتكنولوجيا والطب، حيث أنطلق إلى محطة الباص في ملتقى طريق مدريد، أصل في حدود السابعة صباحا وأكون محظوظا جدا إن وجدت مقعدا غير مشغول، ثم يحدث غالبا أن أتنازل عنه لبعض زميلات الدراسة. ينطلق الباص في الوقت المحدد في السابعة والنصف، أظل واقفا طوال الطريق، يوجد في ذراعي الآن جرح بسبب سقوطي اثر كبح السائق للباص بشكل مفاجئ. أصل للجامعة في حدود الثامنة والربع تقريبا وتبدأ الحصة. رحلة العودة لا تختلف كثيرا بل تتكرر نفس التفاصيل، وأعود أحيانا قبل صلاة المغرب وفي بعض الأوقات نصلي المغرب في الطريق، وحين يفوتني الباص يكون علي التنقل بطرق أخرى وتصل التكلفة الي 1500أوقية". تلك قصة طالب في كلية العلوم والتقنيات، وهي تختزل معاناة طلاب جامعة نواكشوط للطب والتكنولوجيا، وكلية الآداب والعلوم الإنسانية.

تبعد الجامعة، التي افتتحت وبدأت الدراسة فيها قبل عام، عدة كيلومترات عن وسط العاصمة نواكشوط، وتقع في منطقة نائية يصعب الوصول إليها. تم تشييد جزء منها من طرف التعاون الصيني كهدية من الصين لموريتانيا وأجزاء منها بنتها الحكومة الموريتانية. وقد تم تخصيص 20 باصا لنقل عمال الجامعة وطلابها. وحسب الطلاب، يتعطل منها يوميا ما بين ثلاثة إلى ستة باصات، وهو ما يتسبب في تكدس الطلاب وعدم حصول البعض منهم على أماكن فيها. يشتكي الطلاب أيضا من رداءة الخدمات الجامعية، مثل المطعم الجامعي، حيث يتطلب الحصول على خدماته الانتظار لساعات في طوابير طويلة وبشكل مهين. ويطالب الطلاب أيضا بتوفير سكن جامعي، ويقول مدون وطالب في قسم الفلسفة وعلم الاجتماع: "واقع طلبة جامعة نواكشوط في موريتانيا كارثيٌ، خاصة الطلبة في كليتيْن: التكنولوجيا والطب، والآداب والعلوم الإنسانية.. هذا إن لم نضف مشاكل أخرى تتعلّق بالمناهج الدراسية والتوجيه الاعتباطي في البداية والمكتبات والمختبرات التطبيقيّة. لا أحد يجهل ذلك. كانت المشكلة الكبرى حينَ تحوّلتْ هذه الكليّات من الموقع المدينيّ الأوّل لها، في قعر نواكشوط، إلى خلواتٍ صحروايّة فارغة، وما رافقَ ذلك التحوّل الجنونيّ في المكان من انعدامٍ كبير في خدمات النقل والسّكن والمطعم: ما ينقصُ عن عشرين باصاً مُترهلّاً لآلاف من الطُلاّب الوافدين من جميع مُقاطعات نواكشوط التسع، المُوزّعة بفوضى عمياء شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً. وهناكَ الطريق الطويل. المطعم الجامعيّ، الذي مع رداءة خدماته، فعلى الطالب/ة الحجز للدخول فيه قبل يوم، والانتظار في طابورٍ جحيميّ طويل في اليوم الموالي. وهذا ممّا لايُصبر عليه!".

يؤكد الطلاب بشدّة على ضرورة تغيير وضعهم جذرياً، أيْ أن يتمّ احترامهم بتوفير جو خدماتيّ مُريح للنقل والمطعم الجامعي، وبعض المشاكل الأخرى، وذلك لن يتمّ إلا بتجهيز السّكن الجامعي لهم في أسرع وقت مُمكن. يقول علي: "إن الطلاب يوّجهون كلامهم هذا لإدارة الجامعة ووزارة التعليم، ومن بعدهما الى النظام العسكري الحاكم، مؤكدين بثقة على مواصلة النضال المُلّح حتى يتم حلُّ جميع مشاكلهم". ويذكر أن الائتلاف الموحد للنقابات الطلابية الموريتانية أصدر بياناً احتجاجياً وعبرت بدورها أحزاب ومنظمات عن تضامنها مع الطلاب.
فرضت القضية نفسها على رواد مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أطلقوا هاشتاغ #طلابنا_يعانون، كنوع من التضامن معهم، وتداولوا صورا تظهر تكدس الطلاب وشبه بعضهم طوابيرهم أمام المقصف الجامعي بطوابير اللاجئين المتضررين من الحروب في بلدانهم.

أزمة الجامعة كانت متوقعة، فتشييدها في منطقة نائية على الرغم من توفر أماكن صالحة وسط نواكشوط، وخاصة أن الحكومة أخذت ساحات ومباني حكومية عامة قديمة وسط العاصمة وباعتها للخواص بينما كان من الأنسب تشييد الجامعة فيها، أو لكان من الضروري العمل على تدعيم النقل العمومي قبل نقل الجامعة والطلاب للمركبات الجديدة البعيدة.. واليوم أصبح من الملح وضع خطة استعجالية حتى لا يترك الطلاب جامعتهم للرمال وحتى يستطيعوا مواصلة دراستهم.

 

مقالات من موريتانيا

للكاتب نفسه