موريتانيا: الإيدز وحكاية الوصمة

أربعة عشر ألف مصاب بمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز أو السيدا) في موريتانيا، نسبة النساء منهم 7 في المئة. هذا ما أعلن عنه منسق الأمم المتحدة لمحاربة الإيدز في موريتانيا، وهو رقم مرتفع في بلد لا يتجاوز عدد سكانه الثلاثة ملايين نسمة.     وصمة وجهل بالمرض تعد الإصابة بالإيدز مبعثا كافيا للوصم في المجتمع الموريتاني، لما تحمله من شحنات وتفسيرات سلبية، تختزل انتقال
2015-08-20

أحمد ولد جدو

كاتب ومدون من موريتانيا


شارك

أربعة عشر ألف مصاب بمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز أو السيدا) في موريتانيا، نسبة النساء منهم 7 في المئة. هذا ما أعلن عنه منسق الأمم المتحدة لمحاربة الإيدز في موريتانيا، وهو رقم مرتفع في بلد لا يتجاوز عدد سكانه الثلاثة ملايين نسمة.    
وصمة وجهل بالمرض
تعد الإصابة بالإيدز مبعثا كافيا للوصم في المجتمع الموريتاني، لما تحمله من شحنات وتفسيرات سلبية، تختزل انتقال المرض في  ممارسة الجنس خارج نطاق الزواج، وهو ما يعتبر من المحرمات الدينية والاجتماعية في هذا المجتمع المحافظ.  ولذلك، فالكثيرون يفضلون عيش معاناتهم في عزلة من دون الإفصاح عما ألم بهم، وحتى من دون التقدم للعلاج خوفا من الفضيحة. يحدث ذلك في ظل تفشي الجهل بالمرض وطرق انتقاله الأخرى، مثل الأخطاء الطبية، كتلقي دم ملوث بالمرض، وحتى تلقيه من الشريك"الشرعي" وممن يولد حاملا للفيروس. ومن مظاهر الجهل بالمرض عدم انتشار ثقافة الجنس الاَمن ووسائل الوقاية. وقد ذكرت دراسة أعدت قبل فترة أن  24 في المئة من الموريتانيين لا علم لهم بهذا المرض، وأن 80 في المئة  من النساء الموريتانيات لم تغيّرن سلوكهن الجنسي بعد سماعهن بوجوده، وأن 6 في المئة من الرجال فحسب بدأوا باستعمال الواقي الذكري بعد السماع بالمرض.
 وحسب بعض التقارير، فإن وجود موريتانيا في تماس مع الدول الإفريقية له تأثير بالغ في انتقال المرض إليها لكونها مقصد ولو مرحلي للمهاجرين من دول الجوار. هذا بالإضافة إلى  هجرات الموريتانيين إلى بعض الدول الإفريقية التي ترتفع نسب الإصابة فيها. هذه النّسب تكون أعلى لدى الفئات الأكثر جهلا وتنخفض في الشرائح الغنية والمتوسطة والمتعلمة. وقد أجري عام 2001 فحص سري على  عينة من المرضى  في مركزين طبيين هما عيادة "الشفاء الخاصة" والمستشفى الوطني (عام). ووجد مصابون في عيادة الشفاء بنسبة 3.1 في المئة من الذين خضعوا للفحص، أما بين مرتادي المستشفي الوطني فقد كانت النسبة 22 في المئة.

تحدي وتوعية

لم يمنع هذا الوضع بروز أصوات تعلن إصابتها بالمرض، وتسعى إلى مساعدة المصابين به، ومن أبرزهم عميد المصابين به في موريتانيا، محمد ولد مولود، وقد بدأت قصته بصدفة حيث تفطن 2002 لإصابته بالمرض بعد إجرائه لفحوصات روتينة، لتدخل حياته منعطفا جديداً، حيث خشي أقاربه وأصدقائه من نقله العدوى لهم، ولم يقف إلى جانبه سوى أخته، لكنه قرر النضال ومواصلة الحياة رغم الألم ليتحول إلى أبرز المدافعين عن حقوق من يتقاسمون معه ويلات هذا المرض، ثم شرع في تأسيس أول جمعية للمصابين بالسيدا في موريتانيا، وبدأ رحلة جديدة تهدف إلى الدفاع عن المصابين المنبوذين في المجتمع وتعرف بالمرض وطرق انتقاله وتؤكد أن المرضى ليسوا كلهم "مذنبين"، وهو الاَن متزوج من سيدة مصابة بالمرض ويواصل نضاله.
نضال ولد مولود والمنخرطين في المنظمات المتضامنة مع المرضى كان له داعم ديني. فقد ساندهم بعض الأئمة والعلماء للتعريف به ومؤازرة المرضى والتأكيد أنهم بشر ويجب دعمهم في محنتهم، حتى أن أحد العلماء الموريتانيين، حمدا ولد التاه، رأس جمعية تهدف للتوعية بالمرض ومساعدة المصابين، هي جمعية .Stop Sida لكن ذلك لم يمنع الجدل الديني. فهناك مثلا تباين بين أراء علماء الدين حوله وحول وسائل الوقاية منه، مثل ضرورة توزيع الواقي الذكري على المواطنين، إذ يعتبر بعض الأئمة والفقهاء أن ذلك يحث على ممارسة الجنس المحرم شرعاً وأنه نوع من تشريع الفاحشة بين المواطنين، في ما يرى المناصرون لتلك الخطوة أنها وسيلة عملية للتقليل من خطر الإصابة به.

الفساد حاضر بقوة

لا تقتصر معاناة المرضى على نظرة المجتمع، ولا هم يصارعون فيروس HIV  فقط، بل طالتهم يد الفساد التي تنخر في الجسم الموريتاني وتتحكم في مفاصل الدولة، حيث كُشف عن فضيحة فساد في "البرنامج الوطني لمكافحة السيدا"، وذلك بعد تفتيش قامت به بعثة تابعة لصندوق الأمم المتحدة لمكافحة السيدا والسل، فظهر إختفاء مليون دولار من تمويلات المشروع. صدر سنة 2012 أحكاما على المتورطين في الملف، وجعلت هذه القضية الصندوق التابع للأمم المتحدة يوقف تمويله لبرامج مكافحة السيدا في موريتانيا لحين استرداد المبلغ المفقود. ولكنه استأنف نشاطه بعد شهور من الحادثة. 

 


وسوم: العدد 156

للكاتب نفسه