تسريب في "سنة التعليم" في موريتانيا

هناك أحداث موسمية تفرض نفسها على اهتمام الموريتانيين، منها البكالوريا، لما تمثله تلك الشهادة الوطنية للطلاب وللشباب الطامح للولوج للعالم الجامعي. وهذه السنة بلغ عدد المرشحين للشهادة 41982 طالباً، تمثل الفتيات نسبة 45.35 في المئة منهم. وقد تميزت السنوات الأخيرة بتدني نسب النجاح في الامتحان، التي بلغت في العام الماضي 10 في المئة فقط من الممتحنين في الدورة الأولى. الجدل
2015-06-29

أحمد ولد جدو

كاتب ومدون من موريتانيا


شارك

هناك أحداث موسمية تفرض نفسها على اهتمام الموريتانيين، منها البكالوريا، لما تمثله تلك الشهادة الوطنية للطلاب وللشباب الطامح للولوج للعالم الجامعي. وهذه السنة بلغ عدد المرشحين للشهادة 41982 طالباً، تمثل الفتيات نسبة 45.35 في المئة منهم. وقد تميزت السنوات الأخيرة بتدني نسب النجاح في الامتحان، التي بلغت في العام الماضي 10 في المئة فقط من الممتحنين في الدورة الأولى.

الجدل هذه السنة: التسريب والغش

لم يغب الجدل عن بكالوريا هذه السنة، فقد صاحبتها الانتقادات منذ يومها الاول، وطغت على النقاشات في شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلية، حيث كثر الحديث عن تسريب المواضيع، وعن الغش من خلال تطبيقات الهواتف الذكية، فكانت المواضيع تتداول بين مستخدمي هذه التطبيقات فور تقديمها للطلاب، حتى أنها تظهر على شبكات التواصل الاجتماعي مثل فايسبوك وغيره. لكن الأدهى هو تسريب مادة الفيزياء لشعبة العلوم قبل ساعات من توزيعها على الطلاب، وهو ما أكد وجود التسريب، وخلق حالة من الحنق لدى الطلاب المشاركين، والى انسحاب بعضهم من قاعة الامتحان حين تأكد له أن ما كان يتداول هو فعلا موضوع الامتحان بحذافيره. التسريب خلق أيضاً حالة من الغضب والشجب في الوسط التعليمي، فأصدرت النقابة المستقلة لأساتذة التعليم الثانوي بياناً دعت فيه الحكومة الموريتانية إلي فتح تحقيق عاجل في الصور والأخبار المتداولة، ومعاقبة المتورطين. الطيف السياسي بدوره تناول الحدث، فقد أصدر حزب "تواصل" المحسوب على الإخوان المسلمين بيان تنديد، وضجت شبكات التواصل الاجتماعي بالانتقادات حول سير العملية التربوية.. بعد ذلك، حدث اعتراف من طرف الجهات المعنية عن وجود تسريب لمادة الفيزياء، وأعلنت وزارة التهذيب الوطني عن موعد إعادة الامتحان بها. لكن ذلك لم يهدئ الانتقادات، فالمطالبات ما زالت مستمرة بالتحقيق الجدي في العملية ومعاقبة المتورطين، والإطاحة بوزير التهذيب وتحميله المسؤولية.
البكالوريا هذه السنة صاحبها جدل آخر وهو قيام بعض الأحزاب، من ضمنها حزب تواصل، بحملة "سقاية" للطلاب المشاركين، وهو ما أثار انتقادات على اعتبار هذا لا يدخل في نطاق عمل الأحزاب السياسية، ولا يعدو كونه نوعاً من استغلال الامتحان لكسب الولاءات. وفي هذا السياق اعتقلت السلطات بعض النشطاء من ذاك الحزب لقيامهم بذلك.. وهو ما انتقد أيضاً.

التاريخ يعيد نفسه

تسريب البكالوريا ليس بالأمر الجديد في موريتانيا، ففي سنة 2000 حدث تسريب أكبر، ووجهت أصابع الاتهام لوزيرالتهذيب الوطني آنذاك، حيث اتهم من طرف الكثيرين بأنه هو من يقف وراءه والسبب أن ابنته كانت مشاركة في المسابقة، وقيل إنه سربه لها. ساعتها عوقب بعض الأساتذة والعاملين في قطاع التعليم لكن أغلبهم رجع الى وظائف أفضل، وأقيل الوزير لكن من دون ملاحقة قضائية. والمفزع في الأمر أن وزير التعليم اَنذلك يشغل حالياً أرفع منصب دستوري في موريتانيا، حيث يرأس المجلس الدستوري، وهو ما يذكي التندر حول مصير الوزير الحالي. فالبعض يرى أن منظومة الفساد واحدة، ومن سيدفع الثمن لن يكون سوى كبش فداء جديد والرؤوس الكبيرة لن يطالها أي حساب بل تُكافأ على الإخفاق.

مفارقة

سبق للسلطات الموريتانية أن أعلنت أن سنة 2015 هي سنة التعليم، وأن الهدف هو تحسين أوضاع هذا القطاع، فتكون هذه السنة نقطة فارقة. وقد رافق ذلك حملة كبيرة من التهليل من قبل الحكومة ومن يدور في فلكها، لتأتي قضية التسريب كنهاية مخيبة لهذه السنة، بل، وحسب مهتمين بقطاع التعليم، فالسنة المخصصة للتعليم لم تشهد أي تحسن فيه، وإنما على العكس ازدادت اوضاعه تدهورا. فقد شهدت هذه السنة شحاً ونقصاً في الكتاب المدرسي والطباشير، بالإضافة إلى غياب أي تشجيع للمدرسين والأساتذة، فلم تُصرف لهم علاوات مثلا، بالإضافة إلى استمرار اكتظاظ الفصول والنقص في عدد المدارس. ومن الانتقادات التي توجه لقطاع التعليم هي أن نسبة 40 في المئة من أساتذة التعليم الثانويين، متعاقدون ينقصهم التكوين الكافي ومن بينهم من لا يملك الشهادات المطلوبة، وتتفشى المحسوبية في التعيين ولا يحدث أي اهتمام بالوضع الاقتصادي للمدرسين... فالشعارات الرنانة لا تصلح وحدها، ويبدو أن مصير شعار "سنة التعليم" سيكون مشابهاً لبقية الشعارات التي أطلقها النظام.

 

 


وسوم: العدد 149

للكاتب نفسه