في سوريا: الشتاء الثالث بلا دعم؟

انقضى شهر أيلول/سبتمبر من هذا العام، من دون أن تَجُبْ «الصهاريج» الصغيرة، أو سيارات «الكيا» المزودة بخزانات معدنية، والتي يتقدمها عادةً موظفون تنتدبهم فرق حزب البعث، أو ينبثقون من وسط اللجان الشعبية.. الأحياءَ الواقعة تحت سيطرة السلطة، لتوزيعِ أوّل مئة ليترٍ من مادة المازوت، التي كانت توزّعها اعتباراً من شهر آب / أغسطس، كما اعتادت خلال العامين الماضيين. وعلى
2014-10-29

أيمن الشوفي

صحافي من سوريا


شارك

انقضى شهر أيلول/سبتمبر من هذا العام، من دون أن تَجُبْ «الصهاريج» الصغيرة، أو سيارات «الكيا» المزودة بخزانات معدنية، والتي يتقدمها عادةً موظفون تنتدبهم فرق حزب البعث، أو ينبثقون من وسط اللجان الشعبية.. الأحياءَ الواقعة تحت سيطرة السلطة، لتوزيعِ أوّل مئة ليترٍ من مادة المازوت، التي كانت توزّعها اعتباراً من شهر آب / أغسطس، كما اعتادت خلال العامين الماضيين. وعلى تخوم محطات الوقود التي تصلها هذه المادة، يمكن تبين حجم المشكلة إن عُدت سيارات النقل ونصف النقل التي تعمل على المازوت، والتي تنتظر بضعة ليترات من هذه المادة. المشهد يبدو كارثياً، إذ تصطفُّ العشراتُ منها لساعات. وهي كانت آنذاك تقفُ على تخومِ رفع دعم إضافيّ سيطال سعر هذه المادة!

غلاء ما بعد العيد؟

يوم 3 تشرين الأول / أكتوبر، جاهرت السلطة أخيراً بقرارها رفع سعر المازوت بنسبة 33.3 في المئة، ليصبح ثمن ليتر واحد منه 80 ليرة سورية، مختبئةً وراءَ عطلة عيد الأضحى الطويلة التي استمرت في سوريا حتى 11 تشرين الأول / أكتوبر. ثمانُ أيامٍ لإنباتِ موجةِ غلاءٍ جديدة تداهم جيوب السوريين وتقتصُّ من بقائهم. فالسلع التي لا يدخل «المازوت» في حساب كلفة إنتاجها، لا يمكن تفادي حسابهِ في كلفة نقلها إلى أسواق التجزئة. كل الأسعار ترتفع تقريباً بنسبة ارتفاع سعر المازوت.لم تبعِ السلطة «مازوت» التدفئة إلى المنازل، ولو من خلال وصفة طبية تصرفها من صيدلية خطّ الائتمان الإيراني المفتوح. وهذا أجدى من السلع الكمالية الإيرانية التي تستوردها، والتي أتخمت بها السوق السورية في مناطق سيطرتها. بل اهتدت إلى رفع سعره. أرادت أن تقطف الموسم من أوله وعن بكرة أبيه، فلم تبرر سبب رصدها مبلغاً يعادل 45 في المئة من إجمالي موازنة السنة المالية الحالية 2014، والبالغة 1390 مليار ليرة، لدعم السلع الأساسية بما فيها مادة «المازوت». ولم تقترح أي صيغ تعويضية لتصحيح هذا التشوّه السعري الذي تطال تبعاته القاسية أصحاب الدخول المحدودة، على غرار ما فعلته عام 2008 حين حرّرت لأول مرّة سعر هذه المادة، فرفعت الليتر منها إلى 20 ليرة سورية بعدما كان سعره 7.5 ليرات سورية، لكنها قدّمت في آن تعويضاً مباشراً قيمته نصف قيمة رفعها للسعر، وسمحت من خلاله لكلّ أسرة سورية بشراءَ ألف ليترٍ من المادة وفق نظام القسائم. وفي عام 2009، استفادت 4.5 ملايين أسرة سورية من نظام القسائم بالرغم من تصريح لوزير النفط والثروة المعدنية وقتذاك بأن 77 في المئة من العائلات السوريّة تستهلك أقل من ألف ليترٍ من مادة المازوت سنوياً. وفي شتاء عام 2010 / 2011 وزّعت السلطات السورية مبلغ 10 آلاف ليرة على دفعتين وبموجب شيكيّن اسميين غير قابلين للتجيير، إلى معيلي الأسر ذات الدخول المتآكلة من رفع الدعم الحكومي على مادة «المازوت». سبق ذلك إقرار الحكومة السورية بقلّة بصيرتها في تجربة توزيعِ قسائم التدفئة المنزلية، وغياب جدواها. لذا تم تجريب البديل النقدي المباشر. حدث هذا في شتاءٍ واحد، ولمرّة واحدة فقط. بعد ذلك تلاشى الدعم الحكومي المباشر، سواء بطريقة القسائم، أو بطريقة الشيكات الإسميّة، أو بغيرهما.

سوابق من العصف الذهني

مع أول حكومة جاءت بها السلطة بعد حراك آذار/مارس عام 2011، سمعنا من وزير الاقتصاد فيها عن مقترح لإطلاقِ بطاقة الكترونية تتكفل بتوجيه الدعم الحكومي لمن يستحقه، ولمن قد تضررت قوّته الشرائية على إِثر حفلات رفع الدعم المتعاقبة. غير أنّه بقي مجرّدَ اقتراح أجهز عليه النسيان في أروقة وزارات النفط والاقتصاد والداخلية والاتصالات. ولكن ومنذ شهر نيسان / أبريل من عام 2013 بدا واضحاً ميل الحكومة السورية جديّاً في اجتماعات متتالية إلى إكمال مسيرة رفع الدعم، وبلوغ آخرها بتطابق أسعار المشتقات النفطية في السوق السورية مع أسعارها العالمية.هذا الميل صار أمراً نافذاً على الأرض. وبموازاته غيّبت السلطةُ أي تعويضٍ مباشر يمسُّ الدخول المتضررة، فبقي محضّ اقتراحات ذهنية رافقَ أدبيات اجتماعاتِ حكوماتها. لذا لم يجد رئيس الحكومة السورية ضيراً من الإفصاح عن ذلك، وهو يتحدث أمام مجلس الشعب غيرَ مرّة عن دراسة حكومته لمقترح رفع أسعار البنزين والمازوت والغاز، على أن تضمّد ما قد ينزف عن ذلك برفعها للرواتب والأجور في سوريا. وخلال هذا الشتاء رُزقت الأسر السورية ببنود إنفاقيّةٍ جديدة لم تكن في حسبانها، فإذا كان الحدُّ الأدنى لاستهلاكها من مادةِ المازوت سنوياً يقرب من 600 ليتر لغرض التدفئة، فهذا يعني أنها سترصد مبلغ 12 ألف ليرة إضافية يقتضيها السعر الجديد، عدا عن كلفة تحمّلها لارتفاع أسعار باقي السلع.كما لم يعد مطمئناً لأحد أن يكون احتياطي النفط في سوريا بحسب تقرير سابقٍ صادر عن «المركز الوطني السوري للتنافسية»، نحو 5.2 مليارات برميل، وهذا يسدُّ معادلات الاستهلاك لنحو 18 سنة. وصار حضور النفط كقيمة حسابية غير مستقرة، وغير نهائية، في تركيب مدخلات إيرادات الموازنة العامة للدولة السورية على خلفية نمو «داعش» واحتلالها، حيث هي جغرافياً، لآبار النفط السورية المتاح لها احتلالها. فصارَ التشكيكُ وارداً بدقّة أن تكون مساهمة إنتاج النفط تعادل ربع الناتج المحلّي الإجمالي في البلاد، ونحو ربع إيرادات الموازنة العامة، وقرابةَ 40 في المئة من إيرادات الصادرات السورية. بالمقابل صار التشكيك وارداً بنجاة كل السوريين من محنة الشتاء الثالث الذي سيحيونه بلا دعم.

مقالات من سوريا

للكاتب نفسه

في سوريا: العمل بالأمل؟

ما بعد الانتخابات هو ما قبلها حرفيّاً، إن لم يكن أسوأ. فها نحن نسير من شبه إفلاس إلى إفلاس، من شبه حصار إلى حصار، من شبه جوع إلى جوع، ترفدنا...

ما بعد الخمسة آلاف ليرة سورية...

سوّغ حاكم المصرف المركزي طرح تلك الفئة النقدية الجديدة، بربطها باستبدال العملة التالفة، ونفى أن تكون كتلةً نقدية تضخمية. غير أن المزيد من العملات شبه المهترئة من فئتي الألف، والخمس...

راس السنة، أصابع ملوثة بالحبر

خلال العام الماضي، ظهر العراق والصومال كوجهتين استمالتا السوريين الراغبين بالسفر، والقادرين عليه. فالراغبون بأعمال هامشية في المطاعم والفنادق استحصلوا على "فيزٍا" إلى أربيل، أما الأطباءُ متوسطو الدخل، والقادرون على...