مزاح الذكور في السعودية

المزحة كانت ثقيلة هذه المرّة، لم يستسغْها المشاهدون. ربما وضعوا نساءهم مكان الفتاة التي رُميت أرضاً. قالت الفتاة إنّ عدم تغطية وجْهها هو الذي دفع رجال الهيئة إلى ملاحقتها بطريقة عنيفة. سُحلت أمام أعين المارة وأنقذها حارس أمن شهد أمام عدسة الكاميرا أنّ رجال الهيئة كشفوا سترها وعاملوها بطريقةٍ تفتقر إلى وجود الرب الذي يعبدونه. حارس الأمن التزم بيته خوفاً من تهديد أو ملاحقة. الفتاة التّي عرفت
2016-02-25

نورة بنت عفش

باحثة اجتماعية من السعودية


شارك
نجاة مطهر - السعودية

المزحة كانت ثقيلة هذه المرّة، لم يستسغْها المشاهدون. ربما وضعوا نساءهم مكان الفتاة التي رُميت أرضاً. قالت الفتاة إنّ عدم تغطية وجْهها هو الذي دفع رجال الهيئة إلى ملاحقتها بطريقة عنيفة. سُحلت أمام أعين المارة وأنقذها حارس أمن شهد أمام عدسة الكاميرا أنّ رجال الهيئة كشفوا سترها وعاملوها بطريقةٍ تفتقر إلى وجود الرب الذي يعبدونه. حارس الأمن التزم بيته خوفاً من تهديد أو ملاحقة. الفتاة التّي عرفت لاحقاً بـ "فتاة النخيل مول" سُجّلت على أنّها مذنبة، ورجال الهيئة قيل إنّ إجراءات اتّخذت بحقهم ربمّا ستردعهم مدة من الزمن.
ارتفعت الأصوات عالياً هذه المرّة بعد الفيديو الذي انتشر على وسائط التواصل الاجتماعي في المملكة. قيل إن الهيئة الموكلة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنتشل فتاة من براثن رجل هو أخوها بعد أن ضبطها برفقة رجل غريب، ليتبين لاحقاً أن لا قرابة حقاً بين الرجل المعتدي والمعتدى عليها، وأن القصة عبارة عن ملاحقة بين رجال الهيئة وفتاتين، نجت واحدة منهن بعد أن هربت إلى داخل المول والفتاة الثانية هي التي التقط لها الفيديو.
هنا، يستطيع كل مَن يلبس لباس الدين أن يحكي ويفعل ما يشاء. لن يؤاخذه أحد. ربما سيُطالب باعتذار، لكنه سيلقى كمّاً من التأييد سيعطيه زخماً ليكمل مشوار الهداية الذي وكّل نفسه به. سيقولون أخطاء فردية أو زلّة لسان. لا يقصد الموكلون بحماية المعروف والنهي عن المنكر الكثير من أفعالهم. هم يعرّفون عن أنفسهم على أنهم بشر، وهو ما نعرفه بالطبع: بشري يخطئ ويصيب. لكنه إن أخطأ فلا يقع عليه ما يقع على البشري، ففي الحالتين هو المأجور.
ليست المرة الأولى التي يطال فيها النقد هذا الجهاز الذي يراه بعض السعوديين سبباً في تكريس التطرف في المجتمع. فقد سبق منذ أعوام أن ارتفع الصوت في المملكة بعد حوادث الملاحقة التي كان يقوم بها رجال الهيئة وتودي بالناس إلى الموت. ملاحقة ودَهم وتعامل بغلاظة، دفعت إلى إصدار قوانين تدعو المحتسبين إلى الرفق بالعباد ومنع المطاردة وتفتيش الهواتف. لكن خرقاً من الأعضاء ما زال يُسجَّل بين الحين والآخر. وقد استغلّ الناس طفرة الحياة الافتراضية في المملكة ليصوّروا وينشروا مواقفهم، فقد استطاعت فتاة "الحياة مول" أن تصور محتسبين وهم يوجهون لها ملاحظات حول طلاء أظافرها واتهمتهم بالتحرش بها والتدقيق بمظهرها.
ويبدو أن رأس الهيئة لا يرتبط بقاعدة المحتسبين المنتشرين على طول المناطق في المملكة. يمارسون ما يرونه حقّهم في الأمر بالمعروف وإزالة الخطأ المتمثل بالمظهر، من وجه أنثوي مكشوف إلى تلكؤ عن صلاة أو اختلاط. هؤلاء حاولت رئاستهم تطويرهم وتأهيلهم لمهامهم بإخضاعهم لدورات تدريبية كلفت ما يزيد عن مليوني ريال. لكن نسبة إخفاقهم بلغت 70 في المئة من أصل 200 منتسب، ما اضطر الهيئة إلى فتح تحقيق لمعرفة الأسباب.
يطالب الناس في المملكة بإلغاء هذا الجهاز القائم بذاته، مستمِدّاً قوته من التحالف التاريخي الذي ربط الدين بالحكم، أو حتى بحصر نشاطه داخل السلطة، فلا يكون منشقاً عنها، بل يتبع لوزارة الداخلية ويأتمر بأوامرها.. فلا ينفذ ملاحقات بوليسية، وليس من حقّه تفتيش هواتف الناس أو فرض مظهر معين بالقوة على من يرونه مخالفاً للزي الرسمي في البلاد.
يصدر عن رجال الهيئة مواقف أشبه بالكوميديا. فقد أوقفوا دمية بعد اتهام من يرتدي الزي بالتشبه بالنساء، ومخالفته الشرع بتجسيم خلق الله. الدمية التي كانت ترحب بالمتسوقين وضعت بالحجز ووقعت تعهداً بعدم الظهور جهاراً مرةً ثانية.. وذلك على الرغم من تأكيد رئاسة الهيئة لضرورة تجنب أعضائها الدخول في سجالات والتعرض للناس في الأسواق و "المولات"، وتركيز الجهد على هداية المتطرفين المنغمسين في أعمال الإرهاب. يتساءل الجميع من أين يأتي الإرهاب؟ وكيف نخلق انتحارياً يفجّر نفسه بالمصلين العزل في مساجد المملكة، أو كيف يخون جندي رفاقه ويخطط لتفجيرهم، أو أن يفجع أب بابنه الذي يراه مطيعاً يلتزم بأمر الشيوخ؟
نسأل أنفسنا من أين يأتي كل هذا الإرهاب، وهذه الوحشية في التعامل مع مَن يخالفنا. لم تستطع المحكمة إصدار حكم أقسى من سنوات معدودة على الرجل المتّهم الوحيد في شنق امرأته القاصر في مروحة معلّقة بالسقف. مع أن جسدها كان يحوي آثار ضرب مبرّح: حكم على الرجل بعشر سنوات يقضيها في السجن مع 700 جلدة. كذلك الأمر بالنسبة لرجل ضرب زوجته الحامل وعنّفها: حكمت عليه المحكمة بتسعة أشهر في السجن. أو الرجل الآخر الذي رفض أن تقلع الطائرة قبل أن تتحجَّب المضيفة. أو مزحة الشيخ علي المالكي: "مَن يتزوَّج ابنتك أو أختك هو صاحب الفضل، لأنّه شال عنك العار والهم"، رغم أنّه ألحقها باعتذار. لكن ما يتجاهله السعوديون هو صيغة المجتمع في المملكة: الرجل الحاكم والمرأة العار. الرجل المؤدِّب والكائن الذي يحتاج إلى تأديب.
التأديب يتجلى عبر الشرطة الدينية التي تلعلع بضرورة التزام الطريق القويم ولو بالعصا. يتجلى عبر الزوج أو الأخ الذي لا يُسأل عن تصرفاته ولا يحاسبه المجتمع فهو معذور بالتأكيد.. بشاب قرّر أن الآخر ضالٌ يستوجب فناءه فارتدى حزاماً علّه يعيد الطريق إلى استقامتها التي يعرفها من مقاعد المدرسة، وكلمات الكتب، وحديث الشيخ في المسجد.
قالت المملكة إنّ أفضل حل لمحاربة الإرهاب والتطرف يكون بتزويج المتَّهمين. فإدخالهم القفص الذهبي سيحبسهم في هموم العائلة وتدبير الأولاد. لكن السعودية لم تنتبه إلى أنّ أصل الإرهاب يأتي من خطب الشيوخ أو "مزاحهم" الذي دأبوا على تمريره للمستمعين، ولم ينتبهوا إلى أن الرجل هنا يرى في امرأته وسيلة أخرى لتمرير ما لديه من خطط إرهابية مما تكرَّر أيضاً. فهي مجرد غطاء متى أراد رفعه.

مقالات من السعودية

خيبة م ب س الاقتصادية

كان النزاع المدمر على سوق النفط، ودور السعودية - وبخاصة محمد بن سلمان- في تأجيجه، مقامرة وحماقة في آن. فإن كانت السعودية تخسر 12 مليون دولار يومياً مقابل كل دولار...

للكاتب نفسه

ما الذي يهم السعوديين؟

قالت المملكة إن الأمر إنجاز، أن تنتخب النساء وتترشحن، أن تفوز سعوديات في مكة والإحساء والقطيف، ويدخلن العمل البلدي. يتحدث الجميع عن الإنجاز السعودي الذي دخل التاريخ، لكن الإنجاز في...