الشعب السوري واحد

عندما خرج الشباب السوري في مختلف مناطق الدولة بثورتهم السلمية إلى الشارع كاسرين حاجز الخوف ضد سلطة أمنية متشددة قائمة منذ عشرات السنين، مرددين في إحدى الجُمع الشهيرة هذه العبارة الجميلة " الشعب السوري واحد"  لم يكن في الحسبان آنذاك أن المعنى الحقيقي لهذه العبارة هو أننا شعب واحد ولكن في العبودية لآل الأسد وملحقاتهم الأمنية والسلطوية. هذا المُنطلق يجعلنا أقدر استيعابا وتفهماً لعبارات
2013-10-20

شارك

عندما خرج الشباب السوري في مختلف مناطق الدولة بثورتهم السلمية إلى الشارع كاسرين حاجز الخوف ضد سلطة أمنية متشددة قائمة منذ عشرات السنين، مرددين في إحدى الجُمع الشهيرة هذه العبارة الجميلة " الشعب السوري واحد"  لم يكن في الحسبان آنذاك أن المعنى الحقيقي لهذه العبارة هو أننا شعب واحد ولكن في العبودية لآل الأسد وملحقاتهم الأمنية والسلطوية. هذا المُنطلق يجعلنا أقدر استيعابا وتفهماً لعبارات ينادي بها الطرف الآخر كتلك التي اشتهرت منذ البداية " الأسد أو لا أحد" أو " الأسد أو نحرق البلد" وما تنطوي عليه هذه العبارات رغم بساطتها من معنى عميق بأن من يسعى للخروج عن هذه المنظومة الحاكمة عليه التفكير ملياً بذلك لأن مصيره قد يكون التصفية الجسدية أو تدمير كل مقومات و سبل عيشه وتحويلها إلى جحيم لا يُطاق. كما أنه المُنطلق ذاته الذي يجعل كل صاحب ضمير إنساني حي يشعر بالذهول لوجود عدد ليس بالقليل من الأشخاص والمجموعات وهي تشعر بالفرح لضرب مناطق في ريف دمشق فقط لأنها مناوئة لهذا الحكم بالأسلحة الكيماوية و بأياد سورية وقيامهم بتوزيع الحلوى وتسيير المواكب في شوارع دمشق مطلقين الأغاني والأهازيج حتى رغم معرفتهم أن معظم الضحايا هم من النساء والأطفال. على خلاف ذلك نجد في الولايات المتحدة الأميركية أو في ألمانيا عندما قام أحد طلاب المدارس في قتل بعض زملائه بالأسلحة الأوتوماتيكية أن الحكومات المركزية لتلك البلاد قد قامت بتنكيس الأعلام حداداً على الضحايا وإقامة عزاء مركزي تكريماً لهم حضرته شخصيات اعتبارية بالمجتمعين أما شعوبهم وعلى اختلاف قومياتهم و انتماءاتهم الدينيه  فقد شعرت بالإحباط و النكسة الشخصية والحزن العميق لمقتل الطلاب. تنسجم الصور التي تم تناقلها على مواقع الإنترنت وهي تُظهر مجاميع من الشابات والشباب في دمشق وهي تتراقص بنوع من اللامبالاة في أحد ملاهي دمشق على وقع الموسيقى المواكبة للقصف اليومي مع هذا الانفصام المجتمعي العميق وكأن ما يحدث من تدمير وقتل وتخريب للبُنى التحتية والاجتماعية يدور في بلد مختلف إن لم يكن في فناء كوكب آخر. أيضاً الصور اليومية التي تُظهر شاحنات الجيش السوري مُحملة بالأدوات المنزلية بينما أفراد هذا الجيش والعناصر المواكبة له يجلسون على هذه "الغنائم " التي تم الاستيلاء عليها من المنازل المُقتحمة رافعين شعارات النصر وكأن نصرهم هذا كان نتيجة صراع قام بين بلدين متناحرين وليس بين مكونات المجتمع والشعب الواحد وهذه الأدوات وجدت لها سوقها وتاجرها وشاريها دون أدنى أحساس بعذاب ضمير بحكم أنها أملاك تُباع الآن في الأسواق بعد سرقتها من عائلات ربما احتاجت لسنين طويلة و أنفقت كل مدخراتها للحصول عليها.  كل هذه المظاهر السابقة تظهر شروخ عميقة متعددة الأسباب بين مواطني البلد الواحد وعلى وجه الخصوص افتقادنا على مدار سنين عدة لحس المواطنة الجامع تحت سقف الوطن وما يدفعنا ذلك الآن للبحث عن هذه الهوية الضائعة بانتماءات مذهبية أو عشائرية أو مناطقية خوفاً من الانحلال في مجتمع لا نشعر بالانتماء إليه. وربما كان ذلك من أحد أهم الأسباب لعدم مقدرة المعارضة على مدار ما يقارب ثلاثة سنين على توحيد عملهم السياسي تحت راية واحدة وهروبهم بالإدعاء أن سبب فشلهم في ذلك هو منع النظام القائم للعمل السياسي خلال فترة حكمه وليس أن هم أنفسهم الفاشلون أيضاً لتصلبهم خلف فكرهم اليساري أو اليميني أو الديني وكأنها قواميس مقدسة لا يعلو عليها حتى صوت الوطن. كما فشلت هذه القوى السياسية في احتواء لغة هذه الشباب الثائرة وترجمتها إلى مطالب سياسية في المحافل الدولية وأنهكت قواها بدلاً من ذلك في صراعات و منافسات داخلية أفقدها الحصول على الشرعية الشعبية من داخل الوطن وما جعلها ذلك أسيرة بيد دول خارجية داعمة أو ممولة أو كلاهما وما رتب عليها ذلك من إفقار للمطالب الوطنية مقابل مصالح هذه الدول الممولة.  أما القوى العسكرية المقاتلة على الأرض فقد تحولت إلى كتائب مختلفة في الفكر كما في الأهداف " فدولة العراق والشام المسمَّاه داعش" تقاتل فقط لإعلان إمارتهم الإسلامية في شمال البلاد متناسية الهدف الأساس لخروج الشعب السوري إلى الشارع كما تتحارب كتائب عربية ضد أُخرى كوردية في مناطق الاحتكاك القومي لتحقيق مكاسب جغرافية تحقق لها أبعاد مستقبلية أفضل للتفاوض. ولذلك أيضاً نجد قسماً لا يُستهان به من شعبنا غير محب للتغيير فقط لأنه تأقلم التعايش في محيط مجتمع طُفيلي يستفيد منه ولو بقشور و أمور تافهة ( كما حال أحد المحبين لاستمرارية هذا النظام فقط لأنه في طريق رحلته من بلد الاغتراب إلى سورية كان يجلس بجانب قائد الطائرة وما يمنحه ذلك من امتياز التدخين طوال الرحلة) وهؤلاء أنفسهم من ضمن السّباقين للهجرة والحصول على الجنسيات الغربية وما يجلب لهم ذلك من امتيازات جديدة بحكم أن مصالحهم الشخصية أهم من المصلحة الوطنية. لوم كبير تتحمله الفئة المثقفة التي كانت على مدار سنين عدة تتغنى كتابياً أو فنياً برفض الاستبداد التي بدورها أنشقت مابين معارض وموالي ، الموالي يرفض الإستبداد فقط بخارج الوطن ويتسلح بشعارات تعود إلى حقبة تاريخية اندثرت منذ سنين طويلة ولم تعد صالحة لزمننا المنفتح والشفاف الذي نعيش به، والمعارض منهم فشل في جعل نفسه ركيزة محورية تستقطب الشباب و قادرة على قيادتهم الفكرية يستطيعون من خلالها توحيد فكر الشباب الثائر والتخلص من حالة التشرذم الفكري التي يمر بها حالياً الذي يجعلهم لقمة سائغة للأفكار المتطرفة الساعية لجذبهم. أما النسبة الأكبر في المعادلة السياسية في المجتمع فهي من صالح ما يُسَّمون بالرماديين فهي تقف موقف الحياد السلبي فقط بسبب خوفهم من التغيير وإنشاء حالة جديدة لذلك نراهم يُحذرون طيلة الوقت ويتمسكون بكل خبر سلبي على شاكلة " شفت شلون؟" واختزال ملايين السوريين "بأبي صقّار " وهم أنفسهم حاربوا في بداية الثورة حتى الدكتور هيثم منّاع ( طبعاً أختلف الوضع حالياً لصالحه) والآن يحذرون من " داعش" وغيرها من الحركات الجهادية العاملة على أرضنا. لقد آن الأوان لهذه الفئة "الرمادية" على وجه الخصوص أن تصبح جزء فعّال في بناء الوطن لأنه بعد نهاية هذه الحرب لن يكون كما عهدناه قبل بدء ثورة استعادة الكرامة وبصمتكم كما بكلامكم الناقد لكل شيء دون تقديم أي حلول ممكنة أو رؤية سياسية قابلة للتطبيق تتحملون المسؤولية الكاملة لدخول هذه الحركات الجهادية إلى أرضنا لأنها ملئت الفراغ الذي كان من واجبكم مِلئه بمشاركتكم الفعّالة في بناء وطن يسود فيه فكر المواطنة فوق أي اعتبار آخر. كم كانت مقولة الثوار " الشعب السوري واحد" مُعبَّرة ولكن ليس كحالة قائمة بحد ذاتها وإنما كأُمنية مستقبلية وجبت علينا كتابة تاريخنا بأيدينا وبأجندتنا الوطنية.


وسوم: العدد 101