مصر: "الشتيمة" مقاومة؟

سبقت هتافات مثل "والله زمان وبعودة... ليلة أبوكو ليلة سوده" أو "يا حكومة وسخة... يا ولاد الوسخة" الثورة بسنوات. والدليل على ذلك هو استخدامها من قبل جماهير كرة القدم في المدرجات بين الأندية المتنافسة أو لمهاجمة وزارة الداخلية. لم يكن الثأر لشهداء مجموعات الألتراس الذين قتلوا أثناء المظاهرات والاشتباكات، المحرك الرئيسي لمشاركتها في الثورة، بل كان بمثابة الإعلان عن المشاركة بشكل رسمي. إلا أن
2014-08-01

هدير المهدوي

صحافية وباحثة من مصر


شارك
(من الانترنت)

سبقت هتافات مثل "والله زمان وبعودة... ليلة أبوكو ليلة سوده" أو "يا حكومة وسخة... يا ولاد الوسخة" الثورة بسنوات. والدليل على ذلك هو استخدامها من قبل جماهير كرة القدم في المدرجات بين الأندية المتنافسة أو لمهاجمة وزارة الداخلية. لم يكن الثأر لشهداء مجموعات الألتراس الذين قتلوا أثناء المظاهرات والاشتباكات، المحرك الرئيسي لمشاركتها في الثورة، بل كان بمثابة الإعلان عن المشاركة بشكل رسمي. إلا أن تواجدهم في الميدان تزامن مع بداية الثورة، وكان ذلك واضحاً في المدرجات التي اشتعلت بهتافات أكثر ثورية من ذي قبل، فور اندلاع الثورة. وكانت أغنية فريق الزمالك (ألتراس وايت نايتس) الموجهة للداخلية "مش ناسيين التحرير يا ولاد الوسخة، الثورة كانت بالنسبة لكم نكسة... هنروح ونقول لمين ظباطنا معرّ*ين. خدتوا علقه مخدتوهاش في سنين" من أشهرها، كما انطلقت فيما بعد من مدرجات مشجعي فريق الأهلي (ألتراس أهلاوي) أغنية موجهة أيضا لضباط الداخلية "كان دايماً فاشل، في الثانوية، يادوب جاب 50 في المية، بالرشوة خلاص الباشا اتعلم، وخد شهاده بـ100 كلية، يا غراب ومعشش، جوّه بيتنا، بتدمر ليه متعه حياتنا، مش هنمشي على مزاجك، ارحمنا من طلة جنابك" .
انتقلت هذه الهتافات والأغاني سريعاً من المدرجات إلى الميدان، خاصة أثناء الاشتباكات مع قوات الأمن. لغة المشجعين اللاذعة والساخرة تلك رأى فيها الكثيرون من المنخرطين في الحركات السياسية مؤشراً على رفع سقف انتقاد النظام، فبدأت بعض هذه الحركات استخدام لغة مماثلة. صحيح أن الهجوم على السلطة باستخدام السباب ظهر في الميادين، وعلى جدران الشوارع واللافتات، وعلى الفضاء الالكتروني... قبل الثورة بسنوات، إلا أن الانتشار الأوسع كان خلالها.
هناك خلاف على تقييم هذه اللغة بين من يراها وسيلة للتعبير عن الرأي والمقاومة وكسر التابوهات والهالة حول السلطة، بينما يرى آخرون أنها بلا جدوى بل تضعف الموقف المعارض.

لا تفاوض مع الشتّامين؟

أثناء مشاركته في الثورة، لم يستخدم أحمد غازي (طالب كلية الخدمة الاجتماعية) "الشتيمة" مطلقا. يقول "دي حاجة تربينا عليها، وأنا مش استفيد حاجة من الشتيمة"، ويضيف أن الاحترام هو الأساس، كما أن القوي هو من يتحكم بغضبه. لكن استخدام السباب عند غازي في بعض الحالات مبرر، كلحظة استشهاد صديق في مظاهرة، على ألا يتحول ذلك إلى تصرف دائم. وبالنسبة له، النزول إلى الشارع للمطالبة بحل مشكلات معينة يجب أن يرافقه تقديم حلول وبدائل، وأن السخرية أو شتم السلطة من دون هدف تغلق الباب أمام أي تفاوض فيما بعد بين المعارضين والسلطة.

الاحتجاج أولاً

تختلف بيسان كساب (عضو في حركة الاشتراكيين الثوريين) قليلا مع غازي، فهي ترى أن إهانة السلطة السياسية والهجوم عليها باستخدام السباب والسخرية والنقد اللاذع مفيد من حيث المبدأ، ولكنها ضد استخدام ألفاظ نابية ذات طابع ذكوري جنسي، إذ ترى في ذلك رجعية تعكس رجعية النظام الذي تعارضه، كما ترى أنها لا تعبر عن أي حالة ثورية. فالسخرية والنقد اللاذع مفيدان لكسر الهالة حول السلطة "المركزية الفرعونية" في مصر. لكن يبقى الأساس والأكثر ثورية، هو فعل التظاهر نفسه أو الاعتصام والإضراب. وحتى إن كان للسباب أي نتيجة إيجابية في بداية الثورة، فالانجازات الحقيقة جاءت نتيجة تأثير الاحتجاجات المختلفة، فلا يمكن لأي فصيل سياسي أن يبني شعبيته على استخدام السباب، بل على برامج وتحركات سياسية واضحة.
لكن كساب ترى أيضاً انه من الطبيعي انتقال لغة الشارع إلى الثورة والسياسة، خاصة وأنها لغة الشباب وهم بطبيعة الحال عماد الثورة. أما انتقاد الفلول و"حزب الكنبة" للثورة انطلاقاً من اللغة المستخدمة فيها، فترى كساب أن ذلك "زي المثل اللي بقول، مالقوش في الورد عيب قالوا أحمر الخدين".

لغة حرة وليست بذاءة

يقول المدون والصحفي وائل عباس أن "السباب والسخرية اللاذعة لطالما كانت موجودة في الثقافة العربية، بدءاً من قصائد الذم في الأدب الجاهلي وذم الخلفاء، وفي مصر الحديثة قصائد مثل ك*ميات لنجيب سرور أو قصائد أحمد فؤاد نجم وأغاني الشيخ إمام. كما أن الانتقادات السياسية للملك فاروق وعبد الناصر والسادات بصفة عامة احتوت على سباب وعلى نكات جنسية وسخرية لاذعة. فالشعب المصري لم يؤله السلطة يوماً"، ويضيف أنه مع ظهور الانترنت والمدونات انتقلت اللغة نفسها التي كانت تستخدم في الشارع إلى ذلك الفضاء، حيث استخدم المدونون الشباب بشكل طبيعي لغتهم كما هي، وهذه اللغة هي ما حققت شعبية للمدونات حينها. عباس لا يعتبرها بذاءة بل يسميها "لغة حرة"، وأن السباب هو جزء من اللغة الشعبية والتي تستخدمها كل الطبقات الاجتماعية في مصر، وهي اللغة العادية المستخدمة في الشارع.
يضيف عباس أن السلطة السياسية في مصر موجودة للحفاظ على مصالح رجال الأعمال وصفقاتها ولا تقدم شيئا للشعب المصري. لا خدمات ولا حقوق. لذا لكي تضمن ولاء المواطنين تقوم بوضع هالة حول نفسها بتخويف الشعب وإرهابه، بذلك يكسر استخدام النقد اللاذع واللغة المتحررة هذه الهيبة الكاذبة ويهدد وجودهم ومصالحهم، بل من المفترض ألا تكون هناك هيبة في الأساس. فالهيبة مفتاح الفساد، ومن في السلطة هو موظف لدى الشعب، وليس أب أو زعيم أو مخلّص، ويجب انتقاده. أما الاحترام المفرط والطاعة المفرطة التي تعلمها السلطة للأجيال عبر نظامها التعليمي، فتنتج ديكتاتورا بطبيعة الحال.
يستكمل عباس أن السباب والنقد اللاذع يحدثان في كل الدول الديموقراطية، وهو ليس بأمر غريب أو جديد. من ناحية أخرى تعريف السب مبهم وغير محدد في القوانين المصرية، خاصة أنها قوانين مطاطة وتُستغل للتنكيل بالمعارضين تحت دعوى الأخلاق العامة أو روابط الأسرة وغيرها. لكن ما هو مؤكد برأيه، أن كل من له منصب وبيده مصالح الناس، انتقاده واجب حتى وإن كان الانتقاد بذيئا. واستخدام هذه اللغة الحرة هو جزء من المطالبة بالحرية بشكل عام ورفع سقفها، وهو حرية تعبير بحد ذاتها.
وفي النهاية من ينتقدون استخدام السباب ضد السلطة ولكنهم لا ينتقدون قتل الناس في الشوارع أو سحلهم أو اعتقالهم، يعبرون عن الثقافة "المعيوبة" للمجتمع الذي يستخدم السب في السر، أما في العلن فيقف مع القاتل لأنه "شيك وقوي وشكله كويس" ضد المقتول إذا كان "يسب الدين" على سبيل المثال.
            
 

مقالات من مصر

عيش.. حرية.. إلغاء الاتفاقية!

منى سليم 2024-03-29

هل يستقيم ألا تغيِّر الحرب على غزة موازين الأرض؟ أو لا يصير الى صياغة برنامج سياسي مصري ينطلق من إلغاء هذه معاهدة كامب ديفيد، وأن يكون ذلك ركيزة للتغيير الجذري...

كيف جرى تكبيل مصر واستعبادها؟

رباب عزام 2024-03-21

يبدو أن السلطة المصرية لن تتوقف نيتها في بيع الأصول والأراضي، ولن تكتفي فقط بما حُسم من صفقات منذ العام 2021، بل ستسعى إلى مزيد من عمليات البيع، تنفيذاً لاشتراطات...

للكاتب نفسه

خوف الطغاة من الأغنيات

ممنوع التغنّي بالحرية في مصر. هناك حقد من السلطات على مشجعي أندية كرة القدم (الالتراس) كما على الصحافيين والمحامين.. علاوة على السياسيين الذين يمارسون المعارضة أو النقد. ممنوع!