الطلاق... أين يقف من يحكي الحكاية؟

عاشت لطيفة قصير في الجحيم. حاولت الخروج منه فارتقت للدرجة التالية في سلّمه. وفي كل محاولة خلاص ترتقي درجة. وبعد الدرجة السابعة في السلم سقطت نائمة في بهو البيت. دخل ولداها الصغيران، حاولا إيقاظها. فشلا. استعانا بالجارة. بعد لحظة صمت شرحت لهما: ماتت... سألا بلهفة: ومتى تستيقظ؟ ما الذي جرى؟كلكم تعرفونه، وقع قرب باب بيتكم. وقع في الشارع الذي تسكنونه. لم تروه؟ لا مشكلة. دققوا جيدا.هذه
2012-08-29

شارك
أياد القاضي - العراق aalkadhi.com "مونا..."

عاشت لطيفة قصير في الجحيم. حاولت الخروج منه فارتقت للدرجة التالية في سلّمه. وفي كل محاولة خلاص ترتقي درجة. وبعد الدرجة السابعة في السلم سقطت نائمة في بهو البيت. دخل ولداها الصغيران، حاولا إيقاظها. فشلا. استعانا بالجارة. بعد لحظة صمت شرحت لهما: ماتت... سألا بلهفة: ومتى تستيقظ؟ ما الذي جرى؟
كلكم تعرفونه، وقع قرب باب بيتكم. وقع في الشارع الذي تسكنونه. لم تروه؟ لا مشكلة. دققوا جيدا.
هذه مقطع مما جرى:
ضاقت لطيفة (46 عاماً) ذرعاً من زوجها العاطل العنيف والمدمن على المخدّرات والذي كان يسطو على مُرتبها. يعنّفها ويمد يده لوجهها عند كلّ صغيرة وكبيرة، فقرّرت طلب الطلاق. رفضت عائلتها والمجتمع. صبرت المرأة، فابنتها تحتاج للعيش في كنف عائلة، والزوج وعد بالإقلاع عن عاداته السـلبية. وهو يقوم بنقد ذاتي في كل مرة يصير الطلاق قريبا. في عام 2004 جاء الابن الثاني إلى الحياة، ولكن الزوج لم يتُب. عــاودت «لطيفـة» إعْلاء الصوت. كلّ ما لا تتقاسمه مع هذا الرجل هو خير لأطفالها ولها.
من يحكي الحكاية هنا؟
تحكيها وجهة نظر نسوية تنتصر للنساء. ولذا جاءت النهاية هكذا:
اقتنعت عائلة لطيفة على مضض. تمّ الطلاق.
هذه نهاية سعيدة في مجتمع يؤمن بالمساواة. لكن وبما أن وقائع الحكاية تجري في الشّرق الأوسط، فالعدو ليس الزوج السابق فقط. بل يوجد عدو أقرب. نتابع تتمة وقائع القصة مع تغيير موقع الراوي، بدل وجهة نظر نسوية، نتبنى وجهة نظر ذكورية، حتى لو نطقت بها نساء، وهذا كثيراً ما يحصل:
لطيفة ارتكبت خطأ طلب الطلاق. ماذا بعد الطلاق؟ خُيرت من طرف أشقائها. إما أن تتخلى عن أولادها وتعود وحدها لتحصل على مظلة العائلة لتحميها. وإما أن تحتفظ بأولادها وتبقى تحت تهديد زوجها السابق العنيف والمدمن. يريد أخوال الأولاد خسارة مضاعفة للطيفة. بعد أن خسرت الزوج عليها أن تخسر الأولاد. بقي أن يشترطوا عليها أن تعود عزباء حرصا على شرف العائلة والقبيلة. مطلوب سحق حقوق الفرد لإرضاء الجماعة.
خياران أحلاهما مر. اختارت: الاستقلالية. ضحت بحقوق القبيلة لصالح حرية الفرد. كان هذا هو الخطأ الثاني للطيفة. ولهذا الخيار ثمن مكلف: سكنت لطيفة وحيدة. تردّد عليها طليقها مرتين. حجّته أنه غير موافق على الطلاق ولديه «حقوق زوجيّة». حقه في جسد لطيفة ليس مكتـسبا بالقــانون بل طبيـــعي كما في الغابة. لذا فإن قرار القاضي بالتطليق لم يغير شيئا.
دخلنا هنا قانون الذراع الأقوى. جاء إخوة لطيفة الأشداء وهددوا الزوج السابق. خاف وانسحب. بعد أيام جاء يطلب حقه في الجسد. تدخل الجيران. فجأة تذكر الناس القانون. وقّع الزوج السابق على تعهّد بعدم التعرّض لزوجته السابقة. لكن ما جدوى التوقيع؟ ألم يوقع على الطلاق؟
لجحيم لطيفة تتمة:
جاء زوجها السابق، لا يحركه الشوق والحب. تُحركه «الإهانة». فكون لطيفة هجرته، يمس رجولته. هو الذي رغب بها وتزوجها، وحده له الحق ليهجرها... هذا وضع يجب دفع ثمنه. غاب الزوج زمنا لتبرد الأجواء ثم عاد «بفعاليّة» أكبر. دخل منزل لطيفة، اغتصبها ثم خنقها ثم اغتصبها مجدداً.
أنهى مهمته فتناول جرعة غير قاتلة من الديمول. بَخل على نفسه بالموت. فروحه غالية بينما أرواح النساء أرخص. دخل السجن. أكيد أنه يحكي لزملائه هناك أنه لقن لطيفة درسا. كما لقن الأخوال درسا، فهم سيتسلمون الأولاد دون لطيفة.
هناك ولا شك «لطيفات» كثر بين المحيط والخليج. فالطــلاق خـطّ أحمــر، و«الزوج سترة وحصانة»، «ظل رجل ولا ظـل حيــطة»...
الخطير أنه حتى بعد مقتل لطيفة تكاثرت الأصوات: «لو أنها صبرت وبقيت معه»، «كان عليها، كرمى لأولادها، أن تتحمل بعض الصفعات» (هي اضطرت مرات إلى الذهاب إلى المستشفى من اللكم) «لماذا قطنت وحيدة؟»، «أصرّت على الطلاق حتّى ماتت». ثمة هنا قهر تحميه عقليات وعادات ومفاهيم، وخصوصاً خصوصاً، تلك القسوة.
عدنا هنا للراوية النسوية. إنها البيئة الحاضنة. هناك جريمة محددة وخاصة، وجريمة عامة ومتمادية. تلك الأخيرة هي ما يهمنا. هناك قانون، وهو يلاحق ويحاسب القتلة، ولكن العقلية السائدة، وهي جارفة وضاغطة، كما بعض البنود والتفسيرات القانونية الاستثنائية، يخففان من اشتغال العدالة أو يلتفان عليها.
ولكن هل حقاً يجـب توزيع الرواية إلى نســوية وذكورية؟ متى تتطابق الروايتان في رؤية إنسانية، ليس بمعنى الشــفـقة والرحمة، بل بمعنى الكلمة العميق، الأصيل، الشامل...
القضيّة مطروحة لنتشارك الرأي. ماذا لو كنتَ أو كنتِ مكان «لطيفة» أو عائلتها؟ أي «لطيفة» أخرى مرت من أمامكم، وماذا قيل عنها وفيها؟ ...وما الحلول؟

الكتابة لنا على:
arabi@assafir.com


توضيح من شقيق الضحيّة لطيفة قصير

اطلعنا على الموضوع المنشور في ملحق السفير العربي الصادر يوم الخميس 30-8-2012 حول قضية شقيقتنا المرحومة المظلومة لطيفة قصير.
ولقد آلمنا كيفية مقاربة الموضوع والمعطيات غير الصحيحة وغير الدقيقة التي تضمنها وخصوصا لجهة اتهامات عائلة المرحومة بعدم التعاطي الصحيح مع قضيتها من موقع ما سماه المقال "ذكورية". ونؤكد أننا وقفنا إلى جانب شقيقتنا في كل الظروف الصعبة التي واجهتها، وحاولنا معالجة المشكلة حرصا على عائلتها وأولادها وعليها، لكن للأسف انتهت الأمور إلى النتيجة التي جرت من قيام مطلقها بارتكاب جريمة القتل بحقها.
وكنا نتمنى على إدارة الملحق وكاتب أو كاتبة التقرير العودة إلى عائلة الفقيدة للحصول على المعلومات الصحيحة، وتقديم مقاربة صحيحة وواقعية لهذه الجريمة الإنسانية بعيدا عن منطق الذكورية والانوثية، أو غير ذلك من مصطلحات.
ولذا نطلب نشر هذا التوضيح والاعتذار من إدارة الملحق من عائلة المغدورة، لأنه لم يتم إتباع القواعد السليمة والصحيحة والمهنية في الحصول على المعلومات ولإطلاق جملة اتهامات ووضع وقائع غير صحيحة حول القضية.
عن عائلة المرحومة لطيفة قصير
شقيقها قاسم قصير

وتوضيح من السفير العربي

نحن بالطبع لم نقصد الإساءة. بل وبعيداً عن ذلك، وبالعكس منه، اعتبرنا أنفسنا نتضامن بقوة مع الضحية "المظلومة"، كما يرد في رسالة شقيقها الأستاذ والصديق قاسم قصير، وهو توصيف دقيق تماماً من زاوية نظرنا. وبداية، فلم نكن لنذكر الاسم الصريح للطيفة لولا أن قضيتها أصبحت عامة، متداولة في الإعلام، بل وتحولت إلى شريط سينمائي وثائقي. بعد ذلك، هناك بالتأكيد، وكما في كل قضية عامة، وجهات نظر، وزوايا في المقاربة. يدل على ذلك عنوان المقال نفسه الذي يشير الى روايات حولها بحسب الموقع الذي يقف فيه الراوي. وإن كان ذلك يصح على العلوم والاقتصاد، فكيف لا يصح على القضايا الاجتماعية، وبخاصة قضايا النساء التي تثير دوماً شحنة انفعالية، فردية وجماعية. ولعله من الضروري التأكيد على لب الموضوع، أي على التباين القائم دوماً في وجهات النظر حول تعريف "معالجة المشكلة"، وذلك مع افتراض أشد النوايا حُسناً، وإلا لما اختلفت المعالجات والآراء. ومن المعروف أن ذلك التباين يمكن أن يظهر بين المعنيين المباشرين بقضايا مماثلة، وكما هو متكرر في هذه الحالات، من دون أن نقصد الإحالة هنا إلى الحدث المخصوص الذي نحن بصدده، بل وبشكل عام. لذا، ومع أسفنا لما رأت فيه العائلة إساءة، ولإثارة الملف ردوداً شخصية وعائلية خارج الصدد والقصد، إلا أننا نعتبر الموضوع يهدف إلى طرح نقاش أكثر من ضروري، تحديداً حول المفاهيم.

من مساهمات القراء:

وحيدة في المحكمة الشرعيّة

أمينة الفلالي وأمها

صكّ ملكية النساء

أما لهذا من نهاية؟