معضلة تتابُع المُلك في الرياض

يختصر البعض ما يعانيه نظام الحكم السعودي من أزمة بنيوية مستعصية ويحصرها ابتذالاً بمأزق التوريث الافقي او العمودي لأبناء عبد العزيز آل سعود، بعد انقراض الجيل الأول لأبناء مؤسس المملكة. ولكن لو كان الامر كذلك فحسب، لأمكن تجاوز هذا المأزق ولو بشيء من العناء، من خلال اجراءات وترتيبات استباقية، تختلط فيها ثقافة صلة الارحام بالتحالفات القبلية والمناطقية، بالاعتصام بالعروة المذهبية التي كرستها
2013-11-06

جمال محمد تقي

باحث من العراق مختصّ بشؤون الخليج العربي


شارك
كارلوس لطوف

يختصر البعض ما يعانيه نظام الحكم السعودي من أزمة بنيوية مستعصية ويحصرها ابتذالاً بمأزق التوريث الافقي او العمودي لأبناء عبد العزيز آل سعود، بعد انقراض الجيل الأول لأبناء مؤسس المملكة. ولكن لو كان الامر كذلك فحسب، لأمكن تجاوز هذا المأزق ولو بشيء من العناء، من خلال اجراءات وترتيبات استباقية، تختلط فيها ثقافة صلة الارحام بالتحالفات القبلية والمناطقية، بالاعتصام بالعروة المذهبية التي كرستها سوسيولوجيا البداوة المغيرة على كل ما حولها من حضر لابتزازه، سواء كان هذا الحضر مركزاً دينياً كالكعبة، يدر ريعاً مادياً ومعنوياً، او مركزاً تجارياً كموانئ السواحل، او مركزاً لانتاج النفط، حيث الريع الذي لا يفوقه ريع. توسعت الاغارات السعودية لتشمل الحرمين الشريفين وموانئ البحر الاحمر والخليج، ثم قفزت قفزة هائلة الى الامام مع اكتشاف النفط وفروضه التي تقدمت كل الفروض. وحينها فقط اكتسبت الإغارات بعداً آخر لا يتطلب سوى الرضوخ لشروط المستثمر ـ المستعمرـ النفطي الذي تحول الى راع. المأزق قابل للتجاوز من خلال التوافق على اختيار الملك من مؤسسة الأحفاد، او حصرها عمودياً بآخر ابناء عبد العزيز، حتى وان كان مفعول الاغارة ساريا بين الابناء والاحفاد. وليس الامر هنا بدعة، لان تاريخ المملكة كله عبارة عن سلسلة من الاغارات الافقية والعمودية على الداخل والخارج.
تتميز تركيبة الاغارات السعودية بتوسل سلاح الايديولوجيا الوهابية الذي اعطاها مدىً اوسع للحركة والطموح ببناء امبراطورية لا دستور لها غير التعاليم المعصومة التي لا تقبل النقض للامام محمد بن عبد الوهاب، والتي لا انفكاك بينها وبين الحق الالهي المملوك لنسل آل سعود. وعلى هذه العقيدة بنيت مؤسسة الحكم التي تعطي لنفسها الحق الشرعي بالإغارة على الآخرين على اعتبار ان الآخرين خارجون، وأنهم في جحيم من البدع. لم يستثن طبع الاغارة عند آل سعود حتى التسمية، فهم من بين أقرانهم الوحيدون الذين يتمسكون بتسمية الدولة باسم الجد. ولم تنجُ إمارة من امارات الخليج من الاغارات السعودية، وحتى الاردن والعراق لم يسلما منها، اما اليمن فحدث ولا حرج، ويكفي ان نشير هنا الى ان السعودية قد قضمت من اليمن وحدها اراضي تقدر مساحتها بمساحة دولة اليمن الشمالي، عسير وجيزان ونجران، وذلك بعد اعلان قيام المملكة العام 1932، قبل ان يتدخل المستثمر بترسيم حدود الاغارات الممكنة وما هو غير ممكن منها..
هذه المقاربة تختزل ازمة نظام الحكم السعودي بمأزق التوريث، من دون تبيان حقيقة كونه هو نفسه اصبح عبئاً على تطور واقع الحياة الحضرية في السعودية. الشعب السعودي هو المالك الحقيقي لاكبر ريع نفطي في العالم ، 10 ملايين برميل يوميا. النظام السعودي يملك احتياطياً نقدياً فلكياً يلعب دوراً في تسكين اوجاع الازمات النقدية الاميركية ذاتها، حتى اصبح الدولار الاميركي مغطى بكفالة البترو دولار السعودي، وبرغم ذلك يعجز هذا النظام عن توفير الحد الادنى من شروط العدالة الاجتماعية وتقليص نسبة الفساد فيه، والذي يمكن تقدير حجمه وهوله بذكر رقم جزئي يحكي حجم تركة امير واحد من امراء آل سعود، ولي العهد الاسبق سلطان بن عبد العزيز والذي ترك 277 مليار دولار فقط لتوزع على أبنائه!
الصراعات بين اجنحة العائلة السعودية المالكة تشتد كلما جاء الدور على اختيار ولي عهد جديد، وهي اليوم تنحصر بأربعة افرع رئيسية متصارعة، فرع ابناء نايف بن عبد العزيز، فرع ابناء سلطان بن عبدالعزيز، فرع ابناء سلمان بن عبدالعزيز، وهؤلاء جميعاً يتوافقون برابطة مازال لها ثقل في صراع مركز القوى داخل عائلة آل سعود فهم جميعاً سديريون اي ينحدرون من نسل ام واحدة هي حفصة السديري احدى زوجات عبد العزيز، اما ام الملك الحالي عبدالله بن عبد العزيز فهي فهدة بنت العاصي آل رشيد وهو الآخر يحاول ان يترك لابنائه مراكز مهمة في السلطة تجعلهم بمراكز قوة بعد رحيله، وهناك اجنحة ثانوية اغلبها مهمش ومنهم الامير طلال الذي لاقى وابنه الامير الوليد بعضاً من الدعم المالي والمعنوي من الملك عبدلله نتيجة لتعاطفهم معه في صراعه مع الاجنحة السديرية الثلاثة، وبحسب كل الاشارات والتسريبات والخبرات فإن أياً من هذه الاجنحة لا يقدم على خطوة باتجاه الحسم الا اذا وجد دفعاً ما او تبنياً محدداً من المرشد الاميركي الاعلى!
وفاة الامير نايف ولي العهد عززت من قدرة الملك عبد الله على سحب ولو جزئي للبساط من تحت اقدام السديريين. صحيح انه عيّن محمد بن نايف وزيراً للداخلية لاحتواء الحنق، وعين بندر بن سلطان وزيراً للمخابرات، لكنه كان قد عين ابنه متعب وزيراً للحرس الوطني ووزيراً للدولة كي لا يختل التوازن لاسيما ان ولي العهد الجديد، السديري سلمان بن عبد العزيز والبالغ من العمر 77 عاماً، هو في الوقت نفسه رئيساً للوزراء وزيراً للدفاع.
الثابت في اعادة انتاج السلطة السعودية لنفسها، هو الاستقتال على عدم خروجها من ايادي ابناء واحفاد آل سعود. اما المتحول فهو امكانية تشذيب السلطة وتقنينها بما يضمن استقرارها. ويبدو ان هذا التشذيب لو حصل فلا يأتي طوعياً، اي بمبادرة ذاتية، وانما نتيجة لتهديد شعبي او نتيجة لتدخل أميركي خفي، يخشى من فقدان الجمل بما حمل. لا يستغرب إذاً ظهور تسريبات عن نصائح اميركية بريطانية تريد جعل النظام السعودي ملكياً دستورياً بعيداً عن التشدد الثيوقراطي الحالي.
الحكم المطلق المتلحف بعباءة الدين المطلق في ازمة متتابعة لتناقضه مع طبيعة الاشياء، النسبية في المكان والزمان. والاحكام المطلقة ذاتها لم يعد لها قبول معرفي او تاريخي، فالتمدن الانساني يرفض بطبعه التسليم من دون مراجعة وتمحيص، وإن على قواعد معرفية وفقهية منبعها الاسلام قبل غيره، ومنها: انتم ادرى بشؤون دنياكم، والضرورات تبيح المحظورات، ودوام الحال من المحال... وعليه فإن الحكم السعودي يعاني من اثنين معاً: تحجر التأويل في العقيدة الوهابية، وتحجر في طبيعة وبنى النظام نفسه!

مقالات من السعودية

خيبة م ب س الاقتصادية

كان النزاع المدمر على سوق النفط، ودور السعودية - وبخاصة محمد بن سلمان- في تأجيجه، مقامرة وحماقة في آن. فإن كانت السعودية تخسر 12 مليون دولار يومياً مقابل كل دولار...

للكاتب نفسه

التعليم الديني في السعودية

تيّاران متصارعان في السعودية: واحد  متمسك بطغيان التعليم الديني على حساب كل المواد الأخرى، وثان يلتف على الأول بافتتاح مدارس وجامعات أهلية، التعليم فيها عادي. والنتيجة فشل نوعي وكمي.