الغضب في موريتانيا بسبب القمع والفساد وسوء الواقع

قوات مكافحة الشغب اقتحمت حرم كلية الطب في نواكشوط، وضربت الطلاب والطالبات، وأوقعت إصابات عديدة بينهم، واعتقلت بعضهم. لكن المجلس التربوي العلمي صادق على مطالبهم، فاعتبروا أن ذلك حوّل مطالبهم من الشرعية الميدانية إلى الشرعية القانونية. وسبق اضراب الطلاب حراك "بيئتي في خطر" في شمال البلاد.
2020-12-23

أحمد ولد جدو

كاتب ومدون من موريتانيا


شارك
اضراب طلاب كلية الطب في موريتانيا.

أعلن طلاب كلية الطب في نواكشوط، في 13 كانون الأول/ ديسمبر، انتصار إرادتهم وفرض مطالب إضرابهم، حيث صادق المجلس التربوي العلمي على مطالبهم. وقد اعتبر الطلاب أن انتصار مطالبهم المشروعة، حوّلها من الشرعية الميدانية إلى الشرعية القانونية، وأعلنوا إنهاء الإضراب، مع شكر من وقف معهم من الأساتذة والفاعلين من الميادين المختلفة.

بدأ طلاب كلية الطب في العاصمة الموريتانية نواكشوط مرحلةً جديدة من الاحتجاج لتغيير واقعهم وواقع كليتهم، حيث رفعوا مطالبَ أغلبها أكاديمي وبعضها خدمي. وحدث تفاعل كبير مع مطالبهم تلك، زاد بعد قمعهم بشدة من طرف السلطات الموريتانية، حيث تعرضوا للضرب والتنكيل والتوقيف لبعضهم (الذين أطلق سراحهم لاحقاً). وكانت قوات مكافحة الشغب اقتحمت حرم الكلية، وضربت الطلاب والطالبات، وأوقعت إصابات عديدة بينهم، وطاردتهم لإخراجهم من محيط الكلية. حدث ذلك يوم السبت 5 كانون الأول/ ديسمبر الجاري. وقد لاقت هذه الواقعة امتعاضاً شديداً على شبكات التواصل الاجتماعي، وبين الفاعلين في المشهد السياسي والمجتمع المدني.

"مما لا تصحّ كليّة إلاّ به"

يرفع الطلاب، أو أطباء المستقبل كما يسمون أنفسهم، ومن يناصرهم مطالبَ بعضها أكاديمي، مثل: طرح الامتحان بشكل توافقي عن طريق الأقسام، وإشراف لجنة تربوية على منهجية محددة للتصحيح، والنظر بشكل جدي للتظلّمات، وفتح الباب أمام إعادة تصحيح ورقة الامتحان، والمراقبة الصارمة على الامتحانات، وعقوبة الفصل لعامٍ على الأقل لكل من ثبت عليه الغش، والتراجع عن قرار إعادة السنة بسبب حصص المحاكاة، والتراجع عن عدم إعادة التربصات (stage) في العطلة الصيفية، ثم إنشاء مستشفًى جامعي، وهو يعتبر أهم عنصر للاعتراف بالكلية. هذا بالإضافة لمطالبَ خدمية، مثل: إشراك الطلاب في صنع القرار، وتمكين الممثلين المنتخبين من القيام بدورهم في الإدارة، وتفعيل مكتب الإدارة، وتوفير نقل لائق ومحترم، وتحسين وضعية المطعم وتمديد وقت دوامه، وغيرها...

مع استمرار الإضراب، وُجّه استدعاء من قبل عمادة الكلية لمجموعة من الطلاب للحضور لمجلس تأديبي، وهو ما فاقم الغضب بين الطلاب، وأطلقوا وسماً احتجاجياً يقول #كلنا_مدعوون_للمجلس_التأديبي، وذلك للتضامن مع زملائهم

وتفاعلاً مع مطالب الطلاب، قال الكاتب والباحث الموريتاني، عباس أبراهام: " نظرتُ في العريضة المطلبية لطلاب كليّة الطّب بنواكشوط فوجدت أغلبها - وهذا مجالي - مما لا تصحّ كليّةٌ إلا به، ألا وهو توضيح معايير التصحيح، وتسهيل التظلّمات وإعادة التصحيح، وعدم فرض الرسوب على حامِل مادة واحدة في السنة السابعة، والسماح بإعادة التربّصات في الصيف، وتنظيم سير التكوين في المستشفيات. هذا إضافةً إلى تحسين خدمات المطعم والسكن، وعدم معاقبة المناضلين من أجل هذه الحقوق الأساسية. كلّ هذه المطالبِ هي مما عُلِم من الجامعات الحقيقيّة بالضرورة. ما كان أصلاً من المحترمِ فتح كلية بدون هذا". مؤكداً على أن: "ضرْب الطلاب، الذي تستسهله، بل وتستهِلّه السلطات الأمنية وحتّى الأكاديمية في هذا البلد، هو فضيحة يتعيّن وقفُها نهائياً ومحاسبة المتورّطين فيها. إنّ من شأن هذه الإصلاحات تحسين التعليم والخبرة الطبيّة، كما تمهين المؤسسات الأكاديمية بهذا البلد. وفي ظلّ انهيار الاحتراف العام فإنّ هذه الإصلاحات تكون بلسماً لما هو بدونها تدهور وانحطاط". وكذلك، أصدرت أحزاب معارضة بيانات تندد بقمع الطلاب.

ومع استمرار الإضراب، وُجّه استدعاء من قبل عمادة الكلية لمجموعة من الطلاب للحضور لمجلس تأديبي، وهو ما فاقم الغضب بين الطلاب، وأطلقوا وسماً احتجاجياً يقول #كلنا_مدعوون_للمجلس_التأديبي، وذلك للتضامن مع زملائهم. وبعد مفاوضات عُلّق الإضراب يوم الأربعاء 9 كانون الأول/ ديسمبر، حتى خروج نتائج المجلس التربوي. واعتبر الطلاب أن تعرض أي طالب للطرد، تتحمل الإدارة مسؤوليته الكاملة وما يترتب عليه.. مع تأكيدهم على الاستعداد التام ورص الصفوف للعودة للميدان إذا لم يأت اجتماع المجلس التربوي أُكله.

قمع في الشمال

استخدام العنف مع طلاب كلية الطب، سبقه التعامل العنيف الذي تعرض له نشطاءُ مناهضون لتلويث البيئة في مدينة الزويرات المنجمية الواقعة في شمال موريتانيا، حيث تعرض مناضلون من حراك "بيئتي في خطر" للاعتقال وللتعذيب على يد عناصر الأمن، ونقل بعضهم إلى المستشفى من فرط التعذيب. وقد أصدر الحراك بياناً يوثق ما حدث، جاء فيه: " تمّ اعتقال 9 أشخاص آخرين واقتيادهم إلى داخل مباني الولاية، حيث بدأ فصل جديد من التعذيب وتلويثهم بقارورات مليئة بالبول، بالإضافة للإساءات اللفظية والكلام البذيء، حتى وصل الأمر بهم إلى أن أمر أحدهم أحد الشباب بتلويط زميله قائلا له: "افعل بفلان كذا ليدرك أنه ليس رجلاً، أو سأوسعك ضرباً" وهم في حالة هيسترية من الضحك والتهكم.

حراك "بيئتي في خطر" الذي قمع بعنف، يناهض ترخيص السلطات الموريتانية التنقيب عن الذهب قرب مدينة الزويرات، واستخدام السيانيد المضر بالبيئة، وهو ما يعتبره النشطاء جريمة في حق السكان والأرض

وفي تلك الأثناء أغمي على "أحمد طه لكبار" تحت تأثير الضرب والتعذيب، حيث أغلق عليه أحد العناصر عن قصد البوابة الخلفية للسيارة ليتم نقله إلى المستشفى من طرف الشرطة نفسها. وأضاف البيان: "تم نقل الشباب المصابين إصابات بليغة، ويعانون آلاماً حادة إلى المستشفى لتلقي العلاج وكانت حالاتهم الصحية متفاوتة، وأصعبها حالة الزميل "أمم بوزومه". ويقول "بو زومة: "رقيب الشرطة أمر أحد العناصر التابعين له بصب البول على رأسي، وأنا كنت وقتها أتألم من كليتي اليسرى وظهري وكتفي الأيسر نتيجةً لما تعرضت له من ركل بالأرجل وضرب بالهروات".

بيان حراك "بيئتي في خطر" وشهادات النشطاء بعد الإفراج عنهم، أجج مشاعر الغضب بين المواطنين، وهز شبكات التواصل الاجتماعي، وزاد الحنق على السلطة مع قمع طلاب كلية الطب. وحراك "بيئتي في خطر" يناهض ترخيص السلطات الموريتانية التنقيب عن الذهب قرب مدينة الزويرات، واستخدام السيانيد المضر بالبيئة، وهو ما اعتبروه جريمة في حق السكان والأرض.

النظام يخسر الهدوء

قمع طلاب كلية الطب الذين يحتاجهم المواطن بشدة هذه الأيام في ظل الموجة الثانية من كورونا الشديدة في البلاد، والتنكيل بالنشطاء في الشمال، والطلاب الناجحين في البكالوريا، والذين حرموا من دخول الجامعة بسبب سنهم، يأتي في ظل تصاعد النقاش حول تعامل النظام الحالي مع ملف فساد عقد محمد ولد عبد العزيز، والاتهامات الموجهة للسلطة الحالية حول إدارة هذا الملف، وكونه تحول لمجرد تصفية حسابات سياسية، تتخذ الفساد كمجرد شعار، بل هي تعيّنُ مشمولين في ملف فساد ذلك العقد، وتضعهم في مناصبَ مسؤولة في الدولة. وقبل أيام قام بعض نواب البرلمان بالانسحاب من جلسات برلمانية بسبب حضور بعض من ذُكروا في قضايا فساد تضمنها تقرير لجنة التحقيق البرلمانية المحال للقضاء. وقد حضر هؤلاء الأشخاص بصفتهم ممثلين عن الحكومة، حيث اعتبر النواب أن هذا لا يستقيم، فمن اتهمه البرلمان يجب أن لا يدخله تحت قبته، حتى يدان أو يبرأ.

الاتجاه الى القمع يأتي في ظل تصاعد النقاش حول تعامل النظام الحالي مع ملف فساد عقد محمد ولد عبد العزيز، والاتهامات الموجهة للسلطة الحالية حول إدارة هذا الملف، وكونه تحول لمجرد تصفية حسابات سياسية تتخذ الفساد كمجرد شعار، بل هي تعيّنُ مشمولين في ذلك الملف في مناصبَ مسؤولة في الدولة.

تظهر أحاديث عن فساد حدث في ظل السلطة الجديدة، وجدل حول وجود زبائنية في عمليات توظيف واكتتابات قامت بها الحكومة، وهو ما جعل أصواتاً كانت مهادنة للسلطة تخرج عن صمتها، وتعلن رفضها لممارساتها وتشكيكها في عملها.. وهكذا تقع خسارة لحالة من الهدوء التي عرفها الحكام الجدد لموريتانيا، حدثت بعد وصولهم للسلطة، وهو هدوء يبدو أن هناك عواملَ ترفض بقاءه، كسوء الخدمات واستمرار نهج الفساد والقمع والإدارة المهتزة.

مقالات من موريتانيا