موريتانيا حررت الانسان وبقيت الأراضي

فجّر ناشطون حقوقيون في جنوب موريتانيا مشكل الأزمة التي يعيشها المزارعون من العبيد السابقين. فجنوب موريتانيا يمتاز بخصوبة الأراضي الزراعية الممتدة على طول مئات الكيلومترات بمحاذاة النهر الذي يفصل البلاد عن السنغال، حيث يعيش عشرات الآلاف من ابناء العبيد السابقين. والمشكل يتعلق بملكية الأراضي الزراعية هناك. وهو يتعقد يوماً بعد يوم، كلما منحت السلطات مساحات زراعية لبعض الخواص ولمستثمرين أجانب.
2014-11-20

المختار ولد محمد

صحافي من موريتانيا


شارك
من الانترنت

فجّر ناشطون حقوقيون في جنوب موريتانيا مشكل الأزمة التي يعيشها المزارعون من العبيد السابقين. فجنوب موريتانيا يمتاز بخصوبة الأراضي الزراعية الممتدة على طول مئات الكيلومترات بمحاذاة النهر الذي يفصل البلاد عن السنغال، حيث يعيش عشرات الآلاف من ابناء العبيد السابقين. والمشكل يتعلق بملكية الأراضي الزراعية هناك. وهو يتعقد يوماً بعد يوم، كلما منحت السلطات مساحات زراعية لبعض الخواص ولمستثمرين أجانب. ورغم الجهود التي بذلتها السلطات في مجال محاربة الرق، إلا أن الأراضي الزراعية لا تزال في مجملها بيد الأسياد السابقين الذين يرفضون التنازل عنها لمن اشتغلها ويعيش عليها منذ قرون.

«الحقوقيون»

وتشهد مدينة روصو (او القوارب) هي عاصمة ولاية الترارزة الزراعية في أقصى جنوب موريتانيا (وهي أيضاً أقصى مدينة من مدن الوطن العربي في تلك الجهة الأطلسية والإفريقية، وتبعد 203 كيلومترات عن نواكشوط) نزاعات بين أبناء الأرقاء السابقين وبعض الإقطاعيين الذين يقولون إنهم ورثوا الأراضي عن أسلافهم ومعها الأرقاء السابقون أنفسهم. وقد توتر الموقف حين تراجعت السلطات عن الترخيص بإقامة مهرجان أو تجمع شعبي سبق ومنحته لبعض المنظمات، فما كان من «مبادرة المقاومة من أجل الانعتاق» التي يرأسها بيرام ولد إعبيدي (وهو داعية ومدافع عن حقوق الإنسان في موريتانيا، ينتمي إلى طبقة العرب السمر أو الحرّاطين التي ينحدر منها معظم الأرقاء السابقين في البلاد)، إلاّ ان نظمت تظاهرة غير مرخصة ما أدى الى توقيف بيرام وبعض رفاقه. وفور الإعلان عن اعتقال ولد أعبيدي، سارع أنصار الحركة للتظاهر في العاصمة نواكشوط، لترد السلطات باعتقال نائب رئيس الحركة السعد ولد لوليد ومجموعة من رفاقه.

الاعتباط في استخدام القانون

يتهم المطالبون بحقوق العبيد السابقين السلطات في موريتانيا بالاعتباط في تطبيق القانون، من خلال توظيفه لأغراض آنية، والتساهل مع الخارجين عليه في أمور أخرى. ويعتبرون أن الحل الأمني لن ينهي المشاكل المتراكمة والموروثة، وهم يتهمون السلطات باتباع سياسة الهروب إلى الأمام وتلفيق اتهامات غير حقيقية من خلال بث شائعات حول سعي من يسمونهم بالحقوقيين إلى «حرب أهلية بين طوائف المجتمع»! ففور اعتقال النشطاء الحقوقيين، سارع الحزب الموريتاني الحاكم إلى شن حرب إعلامية ضدهم، وظف لها بعض أبناء شريحة الأرقاء السابقين من الذين يتقلدون مناصب كبيرة في الحزب والمجالس البرلمانية والبلدية المنتخبة. كما جهد الإعلام الموريتاني الخاص، الذي يملكه أو يسيطر عليه النافذون في السلطة، في نعت «الحقوقيين» بالخارجين على القانون، وأشاع عن وجود مخطط لإضرام النيران في سوق العاصمة المركزي بغاية إحداث حالة من البلبلة والهلع.
وقد اقترح مفكرون موريتانيون الاستفادة من التجربة الجنوب افريقية في المجال، ويرون ان ضعف التقنين يشكل اليوم اكبر عائق في وجه حلول منصفة للجانبين، ذلك أن الأرقاء السابقون يعتمدون في دعاويهم على مبدأ أن «الأرض لمن أحياها»، وانه لا يمكن أن يكون للأسياد حق في أراض لا يسكنون فيها ولا يزرعونها، بينما يعتد الإقطاعيون بحق الملكية المطلق.
وكانت الأزمة قد تفاقمت حين صادق مجلس الوزراء الموريتاني في منتصف شهر كانون الثاني / يناير الماضي على إبرام الحكومة صفقة مع مجموعة الراجحي السعودية، تقضي بتأجيرها قطعتي أرض في ولايتي الترارزة والبراكنة. وستستثمر المجموعة السعودية بموجب هذه الصفقة مليار دولار في القطاع الزراعي والرعوي في موريتانيا. لكن بعض سكان الجنوب الموريتاني، وخاصة الزنوج منهم، وبعض ملاك الأراضي أنفسهم لم يكونوا راضين، وثار جدل جديد حول سياسات الدولة الإقصائية تجاه الزنوج، وكذلك حول واقع الزراعة والتنمية الحيوانية في البلاد.
(انظر في السفير العربي «غضب في الجنوب الموريتاني» لأحمد ولد جدو بتاريخ 16-04- 2014)

للكاتب نفسه