موريتانيا: قانون الدولة بدل دولة القانون

وسط حديث عن استشراء الفساد في القضاء الموريتاني، يستعد المحامون الموريتانيون لانتخاب نقيب جديد خلفا للنقيب المنتهية ولايته. يبدأ المرشحون حملاتهم الدعائية في وقت يعاني جلهم من ضعف الموارد المالية بسبب الحرمان الذي يقولون انهم يعانون منه جراء توجهاتهم السياسية. وقبل انتهاء مأموريته، حذر النقيب من تفشي ظاهرة الفساد التي تنخر العدالة الموريتانية، معتبراً أن موريتانيا لا تزال بعيدة
2014-05-07

المختار ولد محمد

صحافي من موريتانيا


شارك
من الانترنت

وسط حديث عن استشراء الفساد في القضاء الموريتاني، يستعد المحامون الموريتانيون لانتخاب نقيب جديد خلفا للنقيب المنتهية ولايته. يبدأ المرشحون حملاتهم الدعائية في وقت يعاني جلهم من ضعف الموارد المالية بسبب الحرمان الذي يقولون انهم يعانون منه جراء توجهاتهم السياسية.
 وقبل انتهاء مأموريته، حذر النقيب من تفشي ظاهرة الفساد التي تنخر العدالة الموريتانية، معتبراً أن موريتانيا لا تزال بعيدة كل البعد عن إقامة دولة القانون. بل هو يرى أن البلاد اليوم تعيش بغياب تام لاحترام القوانين، وفي ظل وضع أشبه ما يكون بالتعسف الذي ترعاه السلطات. وقال إن قرارات قاضي التحقيق تسمو على قرارات المحكمة العليا بينما هذه تلغي الأولى، كما وقع مع قضية الكفالة في ملف الخطوط الجوية الموريتانية، الأمر الذي لا يحدث في دولة قانون.
 وأردف أنه يستحيل في هذه البلاد تنفيذ حكم قضائي على مصلحة حكومية أو شخص محمي. أما السجون فوضعها مزرٍ ويسود فيها التعذيب، فكان لا بد من أن يموت نزلاء كي تفهم السلطة أننا لم نكن نمزح عندما قلنا مرارا بأن هناك ممارسة للتعذيب الذي تحرمه كل القوانين والمواثيق الدولية. وإن وجود سجون مجهولة المكان، لا يزورها المحامون، ولا ذوو المعتقلين (كما هو حال السلفيين منهم) يناقض نص القانون، ولا يحدث إطلاقا في دولة قانون.
 واعتبر النقيب أن موريتانيا متخلفة عن ركب الدول التي تتقدم في احترام قواعدها القانونية بينما البلد يمتلك كل محفزات ووسائل النجاح: شواطئُ غنية، أرضٌ يعج باطنــُــها بكل أنواع المعادن الثمينة، وكوادرُ أكفاءٌ مُتفننون في شتى المجالات. لم يبق إذاً إلاّ أن يسود القانون وأن يفهم الحاكمون أن الشعب والثروة ليسا ملكا لهم، وأن عليهم أن يتوددوا للشعب بدل أن يتطاولوا عليه، وأن يُبرِّروا له بدل أن يحتقروه، وأن يأخذوا رأيه بدل أن يُـقصوه، وأن يحموهُ بدل أن يتسلــَّــطوا عليه.
 إن عليهم أن يفهموا أن عهد الدوس على كرامة الناس، وخرق حقوق الإنسان، وسوء التسيير، والإفراط في القمع، وتكميم الأفواه، واستخدام القوة العمومية من أجل تصفية الحسابات، قد ولى لغير رجعة، وإن على القضاء، تحاشيا للانزلاق نحو المجهول، أن يتوقف عن الاستخفاف بتظلمات المواطنين، وأن يتعامل بجدية وصدق مع كل الملفات الحساسة بما فيها الشكاوى التي تتقدم بها المنظمات المناهضة للرق. ورأى النقيب أنه من واجبنا التنبيه إلى ذلك بما يتطلبه الأمر من صرامة وجدية ومصارحة. فنحن اليوم في أمس الحاجة إلى أن يكون قضاؤنا مستقلا فعليا، وأن تكون أملاك المواطن آمنة من جور الاستفزازات، وأن تكون كرامة الأشخاص فوق كل اعتبار، وأن تكون حقوقُ الإنسان جزءًا من ثوابتنا القانونية.
 ويتندر الموريتانيون باستفحال الفساد في بلد يزعم رئيسه أنه يحارب الفساد والمفسدين بالرغم من أنه لا يوجد في سجون موريتانيا أي من أكلة المال العام. وفيما يؤكد الرئيس الموريتاني ان خزينة الدولة ممتلئة بالمليارات بسبب التسيير المحكم، يشكك زعيم المعارضة، احمد ولد داداه في ذلك، ويقول إن تلك المبالغ ترجع لارتفاع أسعار الحديد والذهب في السوق الدولي، ويرى أن موريتانيا على كف عفريت وتشهد نهبا غير مسبوق.
 ورغم الثراء الفاحش لبعض سدنة النظام، يتحدى الرئيس أن يثبَت وجود حماية رسمية للمفسدين، وهو بدا عليه التشنج خلال برنامج تلفزيوني مباشر منذ شهر، أثار خلاله احد الصحافيين موضوع الفساد متهما الرئيس بحماية المفسدين، وقال الصحافي مخاطبا الرئيس: "خلال مأموريتكم التي أوشكت على نهايتها، ظهرت طبقة جديدة من رجال الأعمال سُخِّرت لها الموارد، ومع ذلك تتحدثون عن محاربة الفساد والمفسدين"، ورد الرئيس محاولا تقديم أرقام تؤكد أن المال العام مصان، لكن الموريتانيين الذين يدفعون أكثر من دولار وثلث لشراء ليتر واحد من وقود السيارات يدركون أن الفساد يحطم الأرقام القياسية وإن الوضع لم يعد يحتمل.
سارع بعض المستثمرين إلى موريتانيا منذ الاكتشافات النفطية التي جرت خلال الأعوام الأخيرة، غير انه سريعا ما بدأت هجرة مضادة، أرجعها البعض لغياب القانون. فمثلا انسحب بنك فرنسي (BNP ) وباع ممثليته في موريتانيا لمصرف مغربي بسبب غياب القانون، كما هاجر مستثمرون آخرون لأن البعض أقوى من القانون. وضعف القضاء في موريتانيا يعود الى عوامل قد يكون ابرزها ضعف الاهتمام بالقضاة وغياب التكوين وضعف الرواتب. وهناك جملة مشهورة تلخص الموقف وتقول: فشلنا في اقامة دولة القانون لكننا أقمنا قانون الدولة، مبرزا أن السلطة التنفيذية تعتبر نفسها الخصم والحكم وأنها تتحكم بالقانون كيفما شاءت.

مقالات من موريتانيا

للكاتب نفسه