أوضاع "مجهولي النسب" في سوريا

سُنَّ القانون السوري لمجهولي النسب عام 1970، ولم يخضع لأي تعديل جوهري منذ ذلك الوقت، سوى بصدور بعض المراسيم، مثل تغير كلمة "لقيط" إلى "مجهول النسب". وفي عام 2018، طُرح مشروع قانون جديد لمجهولي النسب تحت قبة مجلس الشعب لمناقشته. وعلى الرغم من أنه ليس جديداً بمضمونه، ومصاغ فحسب وفق صياغة تشريعية جديدة، فلم يتم إقراره.
2020-10-11

حسانة سقباني

صحافية سورية


شارك
هبة العقاد - سوريا

أدت الحرب السورية إلى ازدياد أعداد الأطفال المشردين، واللقطاء، والمفصولين عن أهلهم بسبب النزوح والهجرة والحرب، وكذلك بسبب زيادة في ولادة أطفال خارج مؤسسة الزواج. في ظل الإحصائيات القليلة والمبهمة، وفي ظل الضياع الذي تعيشه الأسر التي أنهكها الدمار والتهجير والقتل والتشريد، يلحظ القصور القانوني في ما يتعلق بحقوق "الأطفال مجهولي النسب"، وقلة وجود دُور رعاية لهم.

تشير الأرقام الرسمية إلى أن أعدادهم وصلت إلى 500 طفل خلال سنوات الحرب. ولكن لعل الواقع يتجاوز كثيراً هذا العدد الرسمي. سُنَّ القانون السوري لمجهولي النسب عام 1970، ولم يخضع لأي تعديل جوهري منذ ذلك الوقت، سوى بصدور بعض المراسيم، مثل تغير كلمة "لقيط" إلى "مجهول النسب". وفي عام 2018، طُرح مشروع قانون جديد لمجهولي النسب تحت قبة مجلس الشعب لمناقشته. وعلى الرغم من أنه ليس جديداً بمضمونه، ومصاغ فحسب وفق صياغة تشريعية جديدة، فلم يتم إقراره.

لا توجد سوى دار رعاية حكومية واحدة لمجهولي النسب، وهي في دمشق. وفي مدينة حلب، تمّ السماح مؤخراً لجمعية "كفالة الطفولة" الأهلية - بتكليف من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل - بإنشاء دار لهم تملك صلاحيات الدار الحكومية نفسها، وتطبق عليها حذف القوانين نفسها تحت إشراف الوزارة. أما الأطفال الذين يتم العثور عليهم في باقي المحافظات، فيتم تحويلهم إلى دمشق.

تأسست "دار زيد بن حارثة" في دمشق في السبعينات الفائتة، وتشير الأحاديث المتناقلة بين العاملين إلى أن الدار كانت تعاني من وضع مزرٍ، وانتهاكات لكافة معايير حماية الطفولة، ابتداءً من تأمين الحاجيات الأساسية كالطعام والشراب، الى سوء الأوضاع السكنية والتعليمية بسبب ضآلة الميزانية المخصصة لها من قبل الوزارة، وفساد القائمين عليها. ومورست فيها على نطاق واسع الرشوة مقابل إعطاء الطفل للأسرة البديلة، أو ما يعرف بملف "الإلحاق"، حيث يُمنح الطفل لمن يدفع أكثر.

في عام 2014 تم الاتفاق مع جمعية "صندوق الرجاء" الأهلية لاستلام المجمع بموجب عقد شراكة مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، على أن تتكفل الجمعية بكل مصاريف المجمع والأطفال، وحتى رواتب الموظفين. قُدمت الأرض التي بني عليها المجمع من قبل الدولة، وكان البناء حينها على الهيكل الأساسي، تكفلت الجمعية بإكماله، ونُقل الأطفال إلى البناء الجديد. في العام نفسه صدر قرار باستبدال اسم الدار من "زيد بن حارثة" إلى "مجمع لحن الحياة" مع نقله إلى البناء الجديد في منطقة قدسيا في ريف دمشق.

تأسست "دار زيد بن حارثة" في دمشق في السبعينات الفائتة، وكانت تعاني من وضع مزرٍ، وانتهاكات لكافة معايير حماية الطفولة، ابتداءً من تأمين الحاجيات الأساسية كالطعام والشراب، الى سوء الأوضاع السكنية والتعليمية بسبب ضآلة الميزانية المخصصة لها من قبل الوزارة، وفساد القائمين عليها. ومورست فيها على نطاق واسع الرشوة مقابل إعطاء الطفل للأسرة البديلة.

يضم "مجمع لحن الحياة" اليوم نحو مئة وثلاثين طفلاً، وهو عبارة عن بنائين، واحد للفتيات وآخر للفتيان، وقسم للأطفال الرضع. يعتمد البناء على نظام الشقق، فيتوزع كل ستة أو سبعة أطفال في بيت داخل أسوار المجمع، ويتم توفير الخدمات التعليمية والأنشطة لهم، بالإضافة إلى الغذاء والرعاية. وثمة سيدة مسؤولة عن كل بيت تُدعى "الأم"، ومعها مساعدة لها تدعى "الخالة"، تكون أدنى منها في الترتيب الوظيفي. يبلغ عدد الموظفين في المجمع 60 موظفاً وموظفة بين مشرفات وأمهات وخالات وطباخات، ويوجد طبيبة تتابع الوضع الصحي، كما تتوزع كاميرات المراقبة في كامل البناء.

من هو مجهول النسب وفق القانون السوري؟

يُعرّف القانون السوري مجهول النسب بأنه "الوليد الذي يُعثر عليه، ولم يثبت نسبه أو لم يُعرف والده، بالإضافة إلى الأطفال الذين لم يثبت نسبهم ولا يوجد معيل لهم، والذين يضلّون الطريق، ولا يملكون القدرة للسؤال عن ذويهم لصغر سنهم، والمولود من علاقة غير شرعية وإن كانت والدته معروفة". وهنا أشارت مديرة المجمع أنه في حال عُرفت والدته، يسجل في السجل المدني اسم الأم ونسبها الحقيقي، ويسجل مجهول الوالد، وتستطيع تربيته والاحتفاظ به إذا أرادت ذلك، وتكون بذلك أمّاً عزباءَ، ويظهر اسمها في جميع الأوراق الثبوتية، ويعامل معاملة مجهول الأب، مشيرة إلى أن بعض الحالات ترد من المشافي. وهنا يكون قد تم تسجيل بيانات الأم الشخصية، "فهي قد تلد وتهرب، ويصلنا أحياناً خبرٌ فيما بعد أنّها قتلت من قِبل أهلها. ولكن هذه حالات نادرة". وأضافت: "كما يُعتبر مجهول النسب عربياً سورياً مسلماً، ومولوداً في سوريا، في المكان الذي عُثر عليه فيه، ما لم يثبت خلاف ذلك".

النظام الداخلي لدار الرعاية

يستقبل المجمع الأطفال ويقدم لهم الرعاية، شريطة أن يكونوا مجهولي النسب، وشريطة أن يتراوح عمر الطفل عند قبوله بين يوم واحد وثلاث سنوات، ثم يبقى في المجمع حتى إتمام الثامنة عشرة.

المجمع يُعتبر مسكناً للأطفال فقط، وعندما يصل الطفل لعمر (6 -7) سنوات يسجل مع أقرانه في مدرسة حكومية نظامية خارج المجمع، وبما أن الجمعية تتكفل بمصاريف الدراسة، فالمتفوق يحظى باهتمام أكبر، ويتم وضعه في مدارس خاصة.

وفق القانون القائم، يعامل الطفل الذي يلحق بأسرة ويتربّى في كنفها، معاملة الوحيد في سجلات الدولة، ولا يلتحق بخدمة الجيش. أما الطفل الذي يتربى في الدار فيتوجّب عليه الالتحاق بالخدمة الإلزامية.

وحسب تلك المديرة، فحينما يسجّل الطفل في المدرسة تكون إدارتها على علم بوضع الطالب، وأنه "ابن المجمع"، لذلك يكون التواصل بين المدرسة والمجمع في حال التقصير في الدراسة أو حتى التفوق، فالأمهات البديلات هن من يراجعن المدرسة عند الضرورة.

مستقبل مجهول

يقف أحمد (اسم مستعار) على مدخل سوق لبيع الخضار، أمام عربة صغيرة وضع عليها أكياساً لكي يساعد المتسوقين على نقل حاجياتهم مقابل أجر يعيل به نفسه، ويلقبونه هناك بابن "زيد بن حارثة".

لم يتبقَ في ذاكرة أحمد، الذي غادر الدار حين بلغ الثامنة عشرة من عمره، سوى بعض الذكريات التي جمعته مع زملائه، وليس لديه شيء آخر يملكه، لا أقرباء يستند عليهم، ولا شهادة استطاع الحصول عليها.

في القانون السوري تتكفل الدار بالطفل حتى عمر الثامنة عشر. وتؤكد إحدى المشرفات أن القانون السوري غير ملزم برعاية مجهول النسب بعد سن الثامنة عشر، ومن يبقى الآن بعد ذلك فبمكرمة من الجمعية المشرفة على "مجمع لحن الحياة" وليس الوزارة. كما أن الطفل الذي يلحق بأسرة ويتربّى في كنفها، يُعامل معاملة الوحيد في سجلات الدولة، ولا يلتحق بخدمة الجيش، أما الطفل الذي يتربى في الدار فيتوجّب عليه الالتحاق بالخدمة الإلزامية.

رشوة في دار مجهولي النسب

تقول مديرة "مجمع لحن الحياة": "بعد تجربةِ عشر سنوات مضت على وجودي في الدار، لم يتبقّ لدي ولا طفل من الأطفال الرضع في المجمع، جميعهم تمّ إلحاقهم بأسر بديلة، إلا مَن كان يُعاني من مشكلة جسدية أو إعاقة ذهنية". وأضافت: "كنت دائماً أتساءل أنه ما دام هناك طلبٌ على الأطفال بهذه الكثافة - تشير بيدها إلى الورقة على مكتبها - فلماذا لم يتم إلحاق الأطفال بالأسر البديلة"؟ و أردفت: "الرجال أو السّيدات الذين يعانون من عقم، يفعلون المستحيل كي يحصلوا على طفل، كثيراً ما أسمع جملة من نوع جاهز لدفع أي مبلغ مقابل إعطائي طفلاً". كان يوجد في الدار حوالي 130 طفلاً بأعمار مختلفة. "عندما استلمت الدار كان لدينا 15 طفلاً رضيعاً، والباقي في أعمار متفاوتة، فسألت: لماذا كبر الأطفال في المجمع؟ ليتضح من العاملين في الدّار أنّ الموضوع خاضع لنظام الرشوة! فعندما يحضر أحدهم، وغالباً ما يكون عقيماً ومتلهّفاً للحصول على طفل، يتمّ استغلاله، ويُمنح الطفل في نهاية المطاف لمن يدفع أكثر"..

تجدر الإشارة هنا أن الطلب يكون على الأطفال "الرضع"، أما من تبقى من الأطفال في الدار فتتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وتحمّل مديرة الدار المسؤولية في بقائهم في الدار إلى فساد الإدارة السابقة، التي كانت لا تمنح الطفل دون حصولها على أجر مادي. وفي حال عدم الدفع يبقى الطفل في الدار.

الإجراءات عند العثور على الطفل

ما إن وصلتُ إلى البوّابة الرئيسيّة للمجمع حتى دخل عنصران من الشرطة يحملان طفلة ملفوفة بقطعة قماشٍ صغيرة. لم يتجاوز عمر الطفلة الشهر الواحد، كانت نائمة باطمئنان، وقال عنصر الشرطة إن الطفلة عثر عليها على باب أحد الأبنية.

تشرح لنا موظفة في المجمع أنه ما إن يصل الطفل إلى المجمع يُعطى الاسم الأول، ثم يًرسل كتاب وملف مع ضبط الشرطة للسجل المدني، لكي يختار الموظف اسم الأم والأب واسم الجد. يُسجل الطفل مجهول النسب بسجل خاص لمجهولي النسب في دائرة السجل المدني في النفوس. بعدها ترسل دائرة السجل المدني الى الدار قيد النفوس الخاص بالطفل دون أن يُذكر أنّه مجهول النسب في الوثائق التي تُمنح له.

الطلب يكون على الأطفال "الرضع"، أما من تبقى من الأطفال في الدار فتتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً. وتحمّل مديرة الدار المسؤولية في بقائهم في الدار إلى فساد الإدارة السابقة، التي كانت لا تمنح الطفل دون حصولها على أجر مادي. وفي حال عدم الدفع يبقى الطفل في الدار!

ووفق القانون، يجب على من يعثر على طفل تبليغ الشرطة أو المختار فوراً، بغية تنظيم المحضر اللازم بذلك، وتسليمه إلى إحدى المؤسسات أو الأشخاص الذين تعتمدهم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.

عقد الإلحاق بالأسرة البديلة

الأمر محسوم شرعاً بتحريم التبني، ويوافق القانون السوري الشرع في منع التبني وتغيير الأنساب، ولكن يُسمح بما يسمى "الإلحاق"، أو ما يعرف بالأسرة البديلة أو الحاضنة. والأسرة التي ترغب برعاية طفل من المجمع تأخذه بموجب عقد يسمى "عقد الإلحاق" لكن بشروط وبنود محددة وواضحة، من أهمها ألا يقل عمر الزوجين عن 30 سنة، ولا يزيد على 55 سنة، وأن يكون وضعهم المادي جيداً، وتكون الأسرة قادرة على تربيته، وتزويد الدار بتقارير طبية تثبت أن أحد الزوجين لا ينجب، وأنه قد مضى على زواجهم خمس سنوات، وفي حال كانت أنثى عازبة يحق لها الحصول على طفل، ولكن يجب أن تثبت أنها غير قادرة على الإنجاب، وأيضاً ألا يقل عمرها عن الثلاثين، ولا يزيد عن 55 سنة.

من ضمن الشروط أيضاً، أن تُحضِر العائلة الطفل إلى الدار كل أربعة أشهر للاطمئنان عليه. لكن بسبب الحرب أصبح هناك بعض التجاوزات، حيث سُمح للأسرة المربية في حال سافرت خارج البلاد، أن تأخذ الطفل معها لكن بعد موافقة وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، بشرط أن تبقى الأسرة على تواصل مع المعهد لمعرفة أخباره والاطمئنان عليه.

يمكن للأسرة البديلة منح نسبها لطفل مجهول النسب، وذلك حسب قانون الأحوال المدنية السوري في المادة (29) التي تنصّ على أنه "يجوز منح مجهول النسب نسبة الأسرة الحاضنة، بناءً على طلب خطّي من ربّ الأسرة، وموافقة مجهول النسب الذي تجاوز الخامسة عشرة من عمره، وتصحيح نسبته في المسكن الخاص به تبعاً لذلك". وفي السيّاق ذاته، وبالمقابل، فـ"لا يجوز تصحيح اسم والد مجهول النسب إلى اسم رب الأسرة الحاضنة باعتبار أن التبني محرم شرعاً".

ترى أخصائية اجتماعية أن هذا القانون غطاء اجتماعي لحماية الطفل من تنمّر محيطه وليس أكثر، وبذلك يستطيع الطفل أن يحصل على لقب الأسرة البديلة، لكن دون أن يأخذ اسم الأب والأم، أو أن يدرج اسمه في دفتر العائلة، ولا يجوز أن يُورّث. فقط تضاف الكنية على سجله الأساسي، "وهو مجرد غطاء اجتماعي ليحصل الطفل على لقب العائلة، ولا يتعرّض للإحراج بين زملائه أو في محيطه".

الأمر محسوم شرعاً بتحريم التبني، ويوافق القانون السوري الشرع في منع التبني وتغيير الأنساب، ولكن يُسمح بما يسمى "الإلحاق"، أو ما يعرف بالأسرة البديلة أو الحاضنة.

من جهتها تقول محامية مختصة أن منع الميراث مجحف بحق الطفل: لماذا يعطى الحق للأسرة البديلة بإعطاء نسبها للطفل مجهول النسب دون أن يكون له الحق بالإرث، فالأسرة الموافق لها بطلب الإلحاق ليس لديها أبناءٌ، وهو شرط أساسي للقبول، ولا شيء يمنع من أن يرث أبويه بالرعاية، وهنا نعود إلى أنّ كلّ ما لم يرد به نصٌ في هذا القانون يرجع إلى تحكم قانون الأحوال الشخصية به. وكذلك في حال ثبتت بنوة الطفل إلى أمه وكانت على قيد الحياة، لا يستفيد الطفل من أي امتياز سوى تسهيل إجراءات التسجيل وتصحيح اسم الأم.

الكثير من الطلبات

توجد أعدادٌ كبيرة من الأسر البديلة في الانتظار، على الرغم من وصول ثلاثة أو أربعة أطفال للدار شهرياً، يكون الطلب أكثر بكثير من الوافدين. هناك أشخاص ينتظرون عدّة أشهر للحصول على طفل. الطفل الرضيع الذي يصل الدار ولا يتجاوز عمره أياماً، ويكون سليماً صحياً، لا يبقى مدّة طويلة دون الإلحاق بأسرة بديلة، فالكثير من الأسر لا تنجذب للأعمار الأكبر، أو للأطفال ذوي الإعاقة.

تقول المسؤولة عن الدار "نعتمد في إلحاق الطفل بأسرة على نظام الأسبقية في التسجيل أولاً، ويراعى من كانت ظروفه أفضل، ليتمكن الطفل من الحصول على حياة كريمة". وتروي إحدى القصص: في إحدى المرات زارتني سيدة، وبقيت أشهراً تنتظر حتى جاء دورها، عندما رأت الطفلة ذات البشرة السمراء سألتني "ألا يوجد أجمل؟". تكمل: في المقابل زارني مُزارعٌ لم يُرزق بطفل، والواضح أنّه ذو أخلاقٍ عالية. وحسب ما روى، بقي سنواتٍ يبحث عن طفل، ومستعدٌّ لأن يدفع مبالغ كبيرة مقابل حصوله عليه دون جدوى. اعتذرت حينها لعدم توافر أطفال في المجمّع، وبسبب إصراره أخبرته أنّه لديّ طفل لكن لديه إعاقة في قدميه، وربما لن يستطيع المشي في المستقبل. عندما رأى الطفل ذا ثلاثة الأشهر ورأى الجبس مثبتاً على رجليه، ما كان منه إلا أن احتضنه، وقال :"الله رزقني بطفل ذي إعاقة جسدية، فهل سأقوم برميه؟". وبعد عام تواصل معي الرجل نفسه، وأخبرني أنّه حين غادر المجمع، ذهب مباشرة إلى المستشفى وعالج الطفل، والآن هو سليمٌ وقادرٌ على المشي. وأردَفت: "الفرق بين الحالتين هو اللهفة، الحنان".

تقول محامية مختصة أن منع الميراث مجحف بحق الطفل: لماذا يعطى الحق للأسرة البديلة بإعطاء نسبها للطفل مجهول النسب دون أن يكون له الحق بالإرث، فالأسرة الموافق لها بطلب الإلحاق ليس لديها أبناءٌ، وهو شرط أساسي للقبول، ولا شيء يمنع من أن يرث أبويه بالرعاية.

هناك مَن يزور المجمّع بقصد الخطبة. وفي المقابل نجد إلى الآن مَن يرفض الزواج من مجهولي النسب، ظنّاً منه أن الزواج من فردٍ منهم محرّم شرعاً. كذلك الأمر بالنسبة للتبرعات، فبعضهم يرفض التبرع لصالح مجهولي النسب، لأنهم أطفالٌ غير شرعيين.

الاعتبارات الإنسانية مهمة في العمل الذي يشمل الفئات الضعيفة في المجتمع، وتحتاج إلى دعم. وحسب تصريح مديرة الدار، فإن عملها يتم بموافقة ومتابعة وزير الشؤون الاجتماعية. فحسب القانون السوري يجب أن يبلغ الطفل السادسة من عمره في حين أن الإلحاق يتم مباشرة بعد وصول الطفل إلى الدار.

فقد نصت الفقرة /1/ من المادة /10/ من المرسوم التشريعي: يجوز وضع اللقيط الذي بلغ السادسة من عمره لدى أسرة بديلة إذا طلبت ذلك، وكان في مصلحة اللقيط، وتحدد شروط الوضع لدى الأسرة البديلة بقرار من وزير الشؤون الاجتماعية والعمل.

هناك أطفال عندما يصلون لعمر 15 عاماً، يطلبون معرفة أهلهم أو رؤية ملفّهم، ويطلبون طرف خيطٍ يُمكن أن يحصلون عليه من خلال قراءة الإضبارة، ليبحثوا عن أهلهم كما يقولون.تقول المديرة: "لا يمكنني السّماح لأيّ أحدٍ بقراءة الإضبارة، حتى صاحبها، فهذه المعلومات تعتبر سريّة، حفاظاً على مشاعره أولاً. فالإضبارة يُكتب فيها مكان العثور عليه بالتفصيل مع الحالة التي وجد فيها وبأي منطقة". وبالعودة للقانون السوري عندما يصل الطفل لسن الثامنة عشرة من حقه الاطلاع على إضبارته ومعرفة الحقيقة كاملة.

الزواج ومواجهة المجتمع

في معظم الأحيان، يتمّ الزواج بين مجهولي النسب، حسب ما أخبرتنا موظفة في المجمع. وأوضحت أنه في الدار مبنيان منفصلان أحدهما للذكور وآخر للإناث، ولكنّهم فعلياً يعيشون معاً، وهناك مَن يزور المجمّع بقصد الخطبة. وفي المقابل نجد إلى الآن مَن يرفض الزواج من مجهولي النسب، ظنّاً منهم أن الزواج من فردٍ منهم محرّم شرعاً، كذلك الأمر بالنسبة للتبرعات، فبعضهم يرفض التبرع لصالح مجهولي النسب، لأنهم أطفالٌ غير شرعيين.

مقالات من سوريا