موريتانيات يطالبن بحمايتهن بالقانون

هناك ضرورة لموافقة البرلمان على قانون مكافحة العنف ضد النساء والفتيات، الذي سبق عرضه على البرلمان مرتين عام 2018، وسُحب بعد الجدل الذي أثاره، وكان وقتها يحمل اسم "قانون النوع". وبسبب مصطلح النوع اتُهم القانون بأنه مشروع تغريبي لتفكيك المجتمع الموريتاني، وأنه مناف لشرع الله!
2020-09-21

أحمد ولد جدو

كاتب ومدون من موريتانيا


شارك
راشد دياب - السودان

تظاهرت في يوم 9 أيلول / سبتمبر 2020، مجموعة من النساء الموريتانيات أمام مقرّ وزارة الداخلية في نواكشوط، للمطالبة بحمايتهن بالقانون من العنف الممارس عليهن. هن ناشطات في المجتمع المدني ومدونات وصحافيات، وقد أتى احتجاجهن بعد غضب وأسًى، بسبب جريمة اغتصاب وقتل حدثت في العاصمة الموريتانية نواكشوط، كانت ضحيتها الشابة أميمة، وتلتها حادثة اغتصاب أخرى ضحيتها قاصر.

جريمة الاغتصاب والقتل تلك، أعادت للمشهد نقاش ضرورة وجود قانون يحمي المرأة من العنف، قانون يعرّف الاغتصاب بوضوح، ويضع له عقوبات رادعة، ويقرّ استخدام تقنيات علمية لإثبات الجريمة. وإن هناك ضرورة لموافقة البرلمان على قانون مكافحة العنف ضد النساء والفتيات، الذي سبق عرضه على البرلمان مرتين عام 2018، وسُحب بعد الجدل الذي أثاره، وكان وقتها يحمل اسم "قانون النوع". وبسبب مصطلح النوع، اتُهم القانون بأنه مشروع تغريبي لتفكيك المجتمع الموريتاني، وأنه مناف لشرع الله! عُدّل قانون النوع وغُيّر اسمه وأصبح مشروع قانون يتعلق بمكافحة العنف ضد النساء والفتيات، وعُدّلت مواده وعرض على هيئة الفتوى والمظالم وأجازته.

لكن الجدل حوله لم ينته واتهاماته بالتغريب لا تزال متواصلة، حيث أصدرت مجموعة من العلماء بياناً طالبوا فيه بوقف هذا القانون، حيث قالوا: "لئن كان الهدف من هذا القانون حماية المرأة، فإن في شريعتنا الإسلامية ومنظومتنا القانونية المستندة إليها ـ بحمد الله ـ ما هو كفيل بحماية كل أحد، ورفع الظلم عن كل مظلوم، وإيصال الحق لكل صاحب حق، إن أحسنا التطبيق، وكنا جادين في التنفيذ"...

لكن مناصريه يعتبرون أن من يروجون أنه مخالف لشرع الله، لم يطّلعوا عليه، ولم يحددوا ما الذي فيه يخالف شرع الله. وقد عملت على القانون وزارة العدل مع منظمات مجتمع مدني، منها جمعية الأم والطفل، ومنظمة النساء معيلات الأسر، عبر محاميهم، وقدمه وزير العدل السابق لمجلس الوزراء وصادقت عليه الحكومة، لكنه لم يعرض بعد على البرلمان.

ماذا ضم قانون حماية المرأة؟

يتكون قانون مكافحة العنف ضد النساء والفتيات من 55 مادة، ويجرم مجموعة من الأفعال، كالاغتصاب والتحرش الجنسي والاحتجاز والابتزاز والضرب وتشويه العضو التناسلي لدى الفتيات وزواج الأطفال والشتم ورفض تقييد الزواج أو الأبناء في الحالة المدنية. ويعرّف القانون العنف ضد النساء، فيقول: هو "أي عنف موجه ضد الإناث يتسبب أو قد يتسبب في إلحاق أذًى أو معاناة بدنية أو جنسية أو نفسية أو أدبية أو اقتصادية أو ثقافية بالنساء والفتيات، بما في ذلك التهديد بمثل هذه الأعمال، أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء في الحياة العامة أو الخاصة".

جريمة اغتصاب وقتل الشابة أميمة، ثم فتاة قاصر، أعادت للمشهد نقاش ضرورة وجود قانون يحمي المرأة من العنف، ويعرّف الاغتصاب بوضوح، ويضع له عقوبات رادعة، ويقرّ استخدام تقنيات علمية لإثبات الجريمة.

ويعرّف الاغتصاب فيقول: "أي عمل من أعمال الإدخال الجنسي من أي نوع خارج إطار الزواج، يرتكب ضد امرأة أو فتاة، عن طريق العنف أو الإكراه أو التهديد أو المفاجأة".

ويعرّف التحرش الجنسي بأنه: "فرض أقوال أو حركات بصفة متكررة أو أفعال ذات صبغة جنسية، على امرأة أو فتاة تمس بكرامتها بسبب طابعها المهين أو المذل، أو تخلق لها حالة ترويع أو عدوانية".

ويؤكد على كون المغتصَبة ضحية، وهو ما أسعد مناصري القانون، بسبب أن هذا الاعتراف للمرأة المعنفة بصفة الضحية له أهمية كبيرة، حيث تجعل بعض الثقافات السائدة المرأة ضحية العنف، تشعر بالذنب وتعتبر نفسها متسببة فيه. وبالتالي فالاعتراف للمرأة بصفة الضحية يساهم في رفع الشعور بالذنب عنها.

ومن أهم مواد القانون المادة 47، التي تشرع استخدام DNA لإثبات الاغتصاب بعد أن كان لا بد من اعتراف الجاني أو شهادة أربعة شهود، وهو ما يشبه المستحيل، فتقول: "تشكل الاستنتاجات الطبية التي يخلص إليها مهنيو الصحة الذين فحصوا الضحية، والتي يتم تضمينها رسمياً في شكل شهادة طبية، وسيلة لإثبات العنف الممارس على الضحية، ويمكن أن تشكل أساساً لتقييم الضرر الذي يلحق بها. يجب أن يتم إصدار الشهادة في غضون سبعة أيام كحد أقصى، وأن تتضمن تفاصيل كافية عن الضرر البدني والنفسي الناجم عن العنف وعن العجز الناجم عن ذلك. تشكل نتيجة تحاليل البصمة الوراثية DNA دليلاً على الاغتصاب ضد النساء والفتيات".

يؤكد مشروع القانون على كون المغتصَبة ضحية، وهو ما أسعد مناصريه لأن هذا الاعتراف للمرأة المعنّفة بصفة الضحية له أهمية كبيرة، حيث تجعل بعض الثقافات السائدة المرأة ضحية العنف، تشعر بالذنب وتعتبر نفسها متسببة فيه.

وجاءت عقوبة الاغتصاب في المادة 24 كالتالي: "دون مساس بالعقوبة المنصوص عليها في المادة 309 من القانون الجنائي عند توفر الشروط، يعاقب كل من يرتكب جناية اغتصاب بالحبس من عشر سنوات إلى عشرين سنة، وبغرامة خمسين ألف إلى مائة ألف أوقية (العملة المحلية)، دون المساس بالتعويض للضحية، والذي لا يمكن أن يكون أقل من ثمن ديّة كاملة. تعاقب محاولة الاغتصاب، والتواطؤ بنصف عقوبة الحبس المنصوص عليها في الفقرة السابقة"، ويؤكد على حماية الشهود والمعطيات الشخصية للضحايا.

الحاجة للقانون ولتطبيقه أيضاً

الواقع يخبرنا أن نساء موريتانيا في أمس الحاجة لحمايتهن من العنف بالقانون، واتخاذ إجراءات وقائية وردعية على ذلك النحو. فحسب منظمة المعيلات، هناك نحو 1273 حالة اغتصاب حدثت سنة 2014، ونحو 1269 حالة زواج مبكر، و2723 حالة عنف أسري.

وهذه أرقام لمن أعلن عما تعرضن له من عنف، وهن النسبة الأقل. فالكثير من الضحايا يفضلن الصمت خوفاً من الوصم المجتمعي، ولعدم ثقتهن بأن تحظى قضاياهن باهتمام ويأخذن حقوقهن، ولصعوبة إثبات الاغتصاب أصلاً في القانون المعمول به حالياً، ولتواطؤ الشرطة كثيراً مع المغتصبين، وهو ما جعل نسبة 1 في المائة من الضحايا هُن من يبلغن عن قصصهن ويحاولن أخذ حقوقهن، وذلك حسب منظمات معنية بالعنف ضد المرأة.

وهذا الواقع يجعل أي خطوة في اتجاه حماية المرأة بالقانون مهمة، حتى ولو كان القانون الجديد لا يرقى للطموح الحقوقي عند بعض النشطاء. لكن الأهم هو أن تطبق القوانين على الجميع، وألا تظل حبراً على ورق أو انتقائية، أو يكون الغرض منها هو وضعها كمساحيق تجميل عند مقابلة النظام للمجتمع الدولي والجهات المانحة، ومحاولة خداعهم بالظهور بمظهر حامي حقوق الإنسان ومُطبَّق العدل بين الناس وصائغ القوانين التقدمية.

حسب منظمة "النساء معيلات الأسر"، هناك نحو 1273 حالة اغتصاب حدثت سنة 2014، ونحو 1269 حالة زواج مبكر، و2723 حالة عنف أسري. وهذه أرقام تخص من أعلن عما تعرضن له من عنف، وهن لا يتجاوزن الـ 1 في المئة.

وفي النهاية، فوجود قانون خير من عدمه، لأنه يمكن البناء عليه حين يحدث الإصلاح الحقيقي للقضاء وجهاز الأمن، ويمكن لمن يعمل في ظل هذا الظرف السيئ، ولديه رغبة في العدل، أن يجد في القانون فرصة لتطبيق رغبته والنضال في ظل غطائه. فغياب قانون يحمي المرأة معضلة حقيقية أمام من يرنو لإنصاف الضحايا. ويبقى التساؤل الملح: كم من أميمة ستسقط حتى يتحسن الوضع، وتجد النساء حماية حقيقية من العنف الممارس ضدهن، وتحصل الضحايا على الاعتراف وعلى حقهن؟

مقالات من موريتانيا

للكاتب نفسه