الزعـــتـــــــري: جمهورية اللجوء

أحقاً هم لاجئون للمرة الأولى؟ هل مضى عليهم الوقت الكافي حتى استوعبوا درس اللجوء واحترفوه؟عجيب ما حدث في مخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن. ففي زمن قياسي، تعايش اللاجئون مع المكان وفرضوا عليه مزاجهم ونمطهم الاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي، فتحول المخيم الى ما يشبه الدولة أو ما يمكن وصفه بـ«جمهورية اللجوء». تجاوز عدد مجمل اللاجئين السوريين الى الاردن في كانون الثاني
2013-01-16

رنا زعرور

صحافية من الأردن


شارك
مخيم الزعتري - تصوير محمد أبو غوش خاص "السفير العربي"

أحقاً هم لاجئون للمرة الأولى؟ هل مضى عليهم الوقت الكافي حتى استوعبوا درس اللجوء واحترفوه؟
عجيب ما حدث في مخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن. ففي زمن قياسي، تعايش اللاجئون مع المكان وفرضوا عليه مزاجهم ونمطهم الاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي، فتحول المخيم الى ما يشبه الدولة أو ما يمكن وصفه بـ«جمهورية اللجوء». تجاوز عدد مجمل اللاجئين السوريين الى الاردن في كانون الثاني 2013، الثلاثمئة ألف انسان، وهم رسمياً 62 ألفاً في مخيم الزعتري وحده.

الثورة الفاشلة

المكان: سبعة كيلومترات مربعة في مدينة المفرق (68 كيلومتراً شمال شرق العاصمة عمّان).
الزمان: التاسع والعشرون من تموز/ يوليو 2012.
يومها نقلت السلطات الاردنية اللاجئين السوريين من مراكز الاستقبال التي أقيمت لهم في محافظات الشمال، الى مخيم الزعتري المفتتح لهذه الغاية. وبعد ذلك صار ينقل الواصلون عبر الحدود مباشرة الى المخيم. يومها، لم تنفع احتجاجاتهم العنيفة في الحيلولة دون ذلك.
حدث، وهم المشبعون بروح الثورة التي انطلقت على نظامهم في آذار/ مارس 2011، أن ثاروا على المخيم الذي أقيم على واحدة من أكثر مناطق الأردن قسوة، فأطلقوا عليه خلال ثورتهم «مخيم الموت»، «الموت الأصفر»، نسبة الى الرمال التي صبغت خيامهم ووجوههم.
لم تنجح ثورة اللاجئين. أكثر من ذلك، انطفأت سريعاً بعدما أدرك قادتها عجزها عن تحقيق الهدف المعلن بإغلاق المخيم بعد أن قالت السلطات الأردنية كلمتها الفصل المدعومة بالقوة «أنتم باقون في الزعتري، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا».

من الثورة الى البناء

انصرف الثوار الى ترتيب شؤون حياتهم. وبعد أن كان مطلبهم الرحيل عن المكان أصبحت مطالبهم تتمحور حول توفير شروط البقاء: امتلأ الفراغ بالخيام اولاً، التي زادت مع ازدياد أعداد الوافدين الى «الجمهورية»، تبعتها الحمامات العامة، مستودعات الأغذية، المطابخ، الطرق المعبدة، شبكة الكهرباء، المستشفيات، المدارس... وأيضاً نقاط الأمن ورجال الدرك. ليس كافياً، هذا ما قاله اللاجئون، فكل ما حصل غابت عنه بصمتهم ومزاجهم.
ـ سياسياً، تكتل اللاجئون مناطقياَ وعشائرياَ، وتوزعت حارات المخيم/ «الجمهورية»، وفقا لتلك المعادلة. فكانت حارات حوران والبصراوية وطفس والزعبية والحماصنة وغيرها. وانسجاما مع الفعل الديموقراطي الذي قامت الثورة في بلادهم للمطالبة به، شهدت الحارات انتخابات «حرة ونزيهة» غابت عنها صناديق الاقتراع، وحل مكانها التصويت الفردي، بالمناداة بصوت مرتفع على اسم المرشح، ليناط بالفائز بعد فرز الأصوات مهمة التواصل مع الجهات الرسمية ونقل مطالب الناخبين.
نقلوا معاناة ناخبيهم مع الطعام الذي جاء على مزاج منظمات الإغاثة، وفرضوا على الجهات الرسمية إنشاء مطابخ عامة تتيح للاجئين إعداد الطعام على مزاجهم، فأصبحت رائحة الكبة السورية تنتشر في المكان، وعاد طبق التبولة الى الموائد بعدما أصبحوا يحصلون على مستلزمات إعدادها.
أداروا مفاوضات طويلة مع المسؤولين، بالديبلوماسية أحيانا وبالضغط من خلال الاحتجاجات والإضرابات في أحيان أخرى، حققوا من خلالها العديد من المكتسبات، وما لم يتحقق برضى المسؤولين حققوه بطرقهم الخاصة.
ـ اقتصادياً، لم ينتظر اللاجئون طويلا ليستنهضوا إرثهم التجاري. بدأ مع إقبال الأطفال الذين تسربوا من مقاعد الدرس على العمل، فامتهنوا غسيل السيارات عارضين خدماتهم على زوار المخيم الكثر مقابل القليل من المال. ومنهم من امتهن البيع المتجول، يطوفون في المخيم لبيع السجائر والسكاكر، وأحيانا بعض ما فاض لديهم من مساعدات، وأحيانا أخرى مقتنيات جلبوها معهم.
أما الكبار، ممن وصلوا وفي جيوبهم القليل من المال، فافتتحوا في خيامهم الأسواق، محال البقالة والمخابز، فيها تجد كل ما يحتاج إليه المرء: بطاقات الشحن والملابس والخضروات والفواكه والدواجن والأسماك والحلويات وأدوات التنظيف وحتى مواد التجميل. كلها أشياء تخضع أسعارها لقوانين العرض والطلب. وهناك أيضاً الاغلى ثمناً، ما يدخل عبر التهريب من تحت أسوار المخيم أوما يحمله الزوار خفية كأجهزة الحاسوب والهواتف النقالة والتلفزيونات واللواقط ...
ـ اجتماعياً، عند النشأة، تساوى سكان المخيم/ «الجمهورية» بحالة البؤس. الخيام سيدة الموقف، طوابير الحصول على المساعدات تضبط إيقاع الحركة، التجمهر لسماع آخر الأخبار من زائر سيغادرهم سريعا. غير أن التغيير الذي طرأ على المكان أنتج فرزاً طبقياً واضحاَ. بداية انتشرت البيوت الجاهزة (الكرفانات)، فنُقل اليها لاجئون شعروا بالزهو ورفاهية العيش بعد أشهر قضوها في الخيام، فيما بقيت غالبية عظمى في الخيام تشعر بالغبن وفقدان العدالة حتى في اللجوء. ومع انتشار الروابط المناطقية والعشائرية، عانت الاقليات من صعوبات في التمثيل والتعبير عن مطالبها.
التمايز الأكبر، نتج بفعل الحركة الاقتصادية وانتشار المحال وتجارة التهريب والتي أتاحت أمام الأغنياء فرصة الحصول على كل ما يحتاجونه وفقا لرغباتهم ومتى يشاؤون، فاشتروا الطعام والكهربائيات، فيما واصل الفقراء الوقوف في طوابير للحصول على المساعدات، ناقمين على فقدان العدالة في بلادهم التي انتهت بهم لاجئين، وناقمين أيضاَ على فقدان العدالة في لجوئهم الذي انتهى بهم الادنى طبقياً.
في المشهد العام للجوء مذاق واحد، وفي التفاصيل مذاقات مختلفة.

مقالات من الأردن