تفشي الأمراض النفسية والعقلية لدى الصوماليين

تعيد منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة دقَّ ناقوس الخطر حول السلامة النفسية والعقلية للإنسان في بلاد الصومال. وهي كانت قد بينت في تقرير لها صادر عام 2011 أن نحو ثلث السكان (كانوا حينها 8 ملايين نسمة) يعانون أمراضاً نفسية أو عقلية. ولقد كان متوقعاً حدوث تبعات كارثية لمرور الصومال بأوضاع بائسة وتجارب مروّعة لمدة تزيد عن ربع قرن. أسباب تدهور الصحة النفسية
2015-02-12

محمود عبدي

كاتب من الصومال


شارك
| en
سمير رافي-مصر

تعيد منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة دقَّ ناقوس الخطر حول السلامة النفسية والعقلية للإنسان في بلاد الصومال. وهي كانت قد بينت في تقرير لها صادر عام 2011 أن نحو ثلث السكان (كانوا حينها 8 ملايين نسمة) يعانون أمراضاً نفسية أو عقلية. ولقد كان متوقعاً حدوث تبعات كارثية لمرور الصومال بأوضاع بائسة وتجارب مروّعة لمدة تزيد عن ربع قرن.

أسباب تدهور الصحة النفسية والعقلية 

ثلاثة أقسام رئيسية تلخص تلك الأسباب، أولها الفظائع التي حدثت أثناء الحرب الأهلية وكذلك بين جبهات التمرّد والقوات الحكومية، والصراعات القبلية التي تلتها، منذ نهايات الثمانينيات وحتى منتصف التسعينيات من القرن الماضي، مع ما يعنيه ذلك من أعمال قتال وقتل وتشريد، وما ترافق مع ذلك من ممارسات السلب والنهب والتدمير والاغتصاب والإذلال، ناهيك عن تعرّض مئات الآلاف إلى إصابات جسدية جلبت تشوهات وعاهات وإعاقات لم يكن بالمقدور علاجها.
أما ثاني تلك الاسباب فهو عجز شرائح واسعة عن استيعاب ما فرضته المرحلة التالية للصراع والاقتتال من الشعور بفقدان الأعزاء والممتلكات ومصادر الرزق، ناهيك عن التشرّد والنزوح واللجوء، والوقوع تحت ضغط الرغبة في الانتقام والثأر وردّ الكرامة ـــ بالدم ـــ مع التلاشي التام للشعور بالأمان، والغرق في حالة مهينة من الفقر مع انغلاق الأفق أمام أي فرصة لتحسّن الأوضاع، وتداعيات الصدمة الحضارية لمن نجح في الانتقال لبلدان جديدة مختلفة تماماً عن البيئة المعتادة في أرض الوطن المدمّر.
يلي ذلك القسم الثالث من الاسباب والذي يمس الأفراد القاطنين خارج الوطن، ممن تعرّضوا لضغوط نفسية كبيرة لم يسبق لهم امتلاك أي خبرة في التعامل معها، بدئاً بالشعور بالذنب حيال عجزهم عن المشاركة في حماية المجتمعات التي ينتمون إليها، ويقينهم بعدم كفاية الدعم المالي الذي وجدوا أنفسهم ملزمين بتقديمه، رغم تأثيره المدمر على نوعية حياتهم في بلدان المغتربات، وتخلّفهم عن سد احتياجات أسرهم المتنامية بما يتوازى مع المجتمعات الرغيدة التي يعيشون ضمنها، ناهيك عن التعرض المستمر لحالات من الانهيار العصبي نتيحة للأخبار السيئة التي تصل متتالية ومضخمّة ومكرورة، وحالة الترقّب المستنزفة للأعصاب التي يعيشونها في حال تأخر وصول المستجدات حول الصراعات التي بدت غير قابلة للتوقف والانتهاء لفترة طويلة. كما يُضاف إلى ذلك تعرّض المهاجرين غير الشرعيين لانتهاكات وسوء معاملة واستغلال خلال رحلتهم الطويلة، فينهارون أثناء الرحلة أو فور الوصول، أو يصبحون قابلين للانهيار العقلي، القادم إليهم لا محالة فور تبدد كامل أحلامهم بالحياة الرغيدة في أوروبا، تلك الأحلام التي ضحوا لأجلها بالكثير.

نتائج الضغوط 

تباين تعامل الفئات المتنوعة التي مرّت بشكل متوازٍ بما يجري في الصومال تبعاً لدرجة الضرر المحسوس والمباشر الواقع عليها، ورغم أن الأوضاع قادت لحالة متجذّرة من الضغينة والأحقاد بين الفئات المختلفة في المجتمع الصومالي الكبير، متجلية بعدم الثقة بين الأفراد بدئًا من الانتماءات القبلية الكبرى وصولًا إلى الأسر في العائلة الواحدة. إلّا أن أشدّ الفئات تضرراً من واقع الصراع كانت الفئتان الأولى والثانية، فازدادت بشكل حاد أعداد المصابين بالاكتئاب البالغ حدّ الانتحار، ليتصدّر الصوماليون قائمة البلدان المسلمة في أعداده سنويا. إضافة إلى ذلك، تصاعدت حدّة تعاطي نبات "القات" المخدر، وما يترافق مع إدمانه من نوبات الوساوس، مع الأرق المستمر نتيجة لطبيعة المركبات المنبّهة التي يحويها، ناهيك عن إصابة المدمن باضطرابات هضمية تقود إلى الإمساك المزمن، المؤدي لنوبات صداع لا تطاق، وتعلّق المدمن بالتعاطي لحدّ العجز عن العمل والإنتاج والإعالة، بحيث يصبح منبوذًا من أسرته والمجتمع، وسرعان ما تتدهور حالته بلجوئه للّاحتيال والسرقة فالتسوّل والعيش متشرداً على قارعة الطرق!

 

للكاتب نفسه