المُزارِع في موريتانيا يحتاج إلى الدعم

قبل سنوات، استجلبت السلطات في موريتانيا حصّادات كانت مضخّمة التكلفة بسبب فساد الصفقات الحكومية. وبعد ذلك، قالت إنها حسمت 25 في المئة من ثمنها، ولكن ما حسمته لم يغطِ تكلفة الفساد في الفاتورة المضخّمة. ثم قالت إن الحصّادة لا تباع إلا لمن يدفع ثمنها عداً ونقداً، وهو ما اعتبر عائقاً أمام امتلاك المزارعين لها.
2020-07-28

أحمد ولد جدو

كاتب ومدون من موريتانيا


شارك
ضفاف نهر السنغال، موريتانيا. تصوير: محمد الأمين ولد الراجل.

دخل منذ أيام المزارعون في جنوب موريتانيا، وخاصة في منطقة شمامة، في موجة احتجاجات جديدة.. كان آخرها منذ أسبوع، وقفة في مدينة "رصو" عاصمة محافظة "الترارزة"، لمطالبة الحكومة الموريتانية بإنقاذ محاصيلهم المهددة بسبب تقلبات الجو وضعف وسائلهم، مبيّنين خطر ضياع موسمهم الزراعي.

المزارع يرنو ليد العون الحكومي

احتجاجات المزارعين والعاملين في قطاع الزراعة ليست بالأمر الجديد، فهو من أكثر القطاعات تعقيداً، وهذه المرة تسلّط المطالبة الضوء على نقطة واحدة، وهي نقص الحصّادات.

وفي حديث مع رئيس رابطة التطوير والتنويع الزراعي شرح لنا أسباب الأزمة وأهمية الحاصدات: "نبتة الأرز حينما يكتمل نضجها، تبدأ يومياً في فقدان جزء منها من خلال التساقط. فكلما تأخر الحصاد، تخسر النبتة حبوبها وهي واقفة، وأحياناً ترقد النبتة إذا تأخر الحصاد كثيراً، فلا تعود الحصّادات قادرة على التقاطها من الأرض، لدرجة أن الحصاد إذا تأخر عدة أسابيع فيمكن أن يُفقد المحصول بالكامل تقريباً، بالإضافة إلى أن الطيور تلتهم الأرز. فإذا أردنا أن ننجح في زراعته فلا بد أن يُحصد فور نضوجه، فلا يمكن أن يتأخر الحصاد أكثر من أسبوع.. لكن مع عدم وجود سياسة زراعية حكومية حكيمة ومتماسكة، أصبح عدد الحصّادات لدينا قليلاً، والموجود متهالك وكثير الأعطال وفعاليته ضعيفة، وهذه من المشاكل الكبرى في القطاع الزراعي".

موريتانيا بلد يضم أراضٍ كثيرة صالحة للزراعة مقارنة بعدد السكان، ومصادر جيدة للمياه، خاصة في جنوبها المستفيد من نهر السنغال.

السنغال، وهو بلد مجاور لموريتانيا، وفي حالة تماس وتكامل معه، حل مشكلة الحصّادات مع مزارعيه، وذلك عبر منح قروض بفوائد ميسرة (5 في المئة) مع فترات سماح رحبة. وتدفع الدولة جزءاً كبيراً من تكلفة الحصّادة. ويطالب المزارعون الموريتانيون كذلك بأن تعتمد الحكومة سياسة دعم زراعي فتحمل بعضاً من تكاليف عملية الإنتاج، وتدفع جزءاً من ثمن الحصّادات والباقي يدفعه المزارع.

وهم يرَوْنَ أن الحكومة الموريتانية تطبق سياسة معاكسة لذلك. فمثلاً قبل سنوات، استجلبت الدولة حصّادات، مضخّمة التكلفة بسبب فساد الصفقات الحكومية. وبعد ذلك، قالت الدولة أنها حسمت 25 في المئة، ولكن ما حسمته لم يغطِ تكلفة الفساد في الفاتورة المضخمة، ثم قالت السلطات أن الحصّادة لا تباع إلا لمن يدفع ثمنها عداً ونقداً، وهو ما اعتبر عائقاً أمام امتلاك المزارعين لها. فقلة منهم تستطيع دفع خمسين مليون أوقية (حوالي 135 ألف دولار) من دون تمويل أو قرض أو تقسيط. وحسب رئيس الرابطة "قضت الحصّادات زمناً طويلاً في المخازن، وبعد ذلك، أصبح بعض التجار يشترونها عن طريق البنوك التجارية العادية وبفوائد مرتفعة. التجار لديهم عقارات وبإمكانهم أن يضمنوا بها قروضهم، أما المزارع العادي فهو خارج هذه الدائرة".

حينما يكتمل نضوج نبتة الأرز تبدأ يومياً بفقدان جزء من حبوبها من خلال التساقط. فكلما تأخر الحصاد، تخسر النبتة حبوبها وهي واقفة، وأحياناً ترقد النبتة إذا تأخر الحصاد كثيراً، فلا تعود الحّصادات قادرة على التقاطها من الأرض، لدرجة أن الحصاد إذا تأخر عدة أسابيع فيمكن أن يُفقد المحصول بالكامل تقريباً.

أصبح هناك اليوم نقص حاد في الحصّادات، والدولة لم تعد تستوردها ونسبة كبيرة من المحصول تتلف.. يقدّرها المزارعون بنصف المحصول تقريباً. وفي هذا الموسم بالذات، يطرح تأخر الحصاد مشكلة أخرى علاوة على تساقط الحبوب.. ففي كل مزرعة تأخر حصادها وضربتها الأمطار، يتحول الأرز غير المقشر إلى أرز رديء، نسبة التبييض فيه منخفضة. ونسبة التبييض هي ما يخرج من الأرز غير المقشر بعد تقشيره. ويصبح ثمن الأرز الرديء بخساً، هذا في حال تمكن صاحبه من حصاده. الذي يستحيل أحياناً وبسبب الأمطار وكثافة الطين. وهذه هي المشكلة المطروحة الآن، فقد بدأ موسم الأمطار وهطوله سيزداد مع الأيام. وهناك من يعتبر أن نقص الحصّادات وحده ليس سبب الأزمة، بل للمزارعين دور في ذلك، إذ تأخر بعضهم في زراعة حقوله.

حلول آنية ومطالب مستقبلية

يعتبر المزارعون أن ما تستطيع الدولة فعله حالياً، هو أن تتصل بالسنغاليين ليسمحوا بعبور الحصّادات، فالسنغال كانت تسمح بذلك في السنوات الماضية حيث يؤجرها أصحابها، لكنهم لاحظوا أن ذلك يؤخر الحصاد في بعض مزارعهم، لذلك منعت الحكومة السنغالية عبور هذه الحصّادات لأنها دفعت جزءاً من ثمنها.

____________
من دفاتر السفير العربي
مسألة الأرض
____________

وبإمكان الحكومة الموريتانية أيضاً أن تعرض على أصحاب الحصّادات المحلية المساعدة في تصليحها. وأن تعمل على تعويض المزارعين عن الأضرار التي تلحق بهم والتي لا يمكنهم تحملها لوحدهم. وتبقى هذه حلول آنية، فالحل الفعلي هو توفير خطوط تمويل، أولاً بقروض بفوائد بسيطة ومتوسطة الأجل، وثانياً أن تتحمل الدولة جزءاً من تكاليف الحاصدات، وأن تزيح الفساد عن صفقاتها فتكون أسعارها معقولة. ويعتقد المزارعون الموريتانيون أنهم لا يجدون أي نوع من الحماية، عكس جيرانهم. فالمزارع السنغالي إذا خسر تعوضه حكومته، أما الموريتاني فإذا خسر يسجن أياً كان سبب الخسارة، مثلما حدث حين قدمت الحكومة قروضاً لصالح حملة الشهادات ليزرعوا، وبعضهم لم تنجح مشاريعه فتم سجنه لأنه لم يسدد القرض. وهذه كلها دلائل على عدم اهتمام حكومته بقطاع الزراعة، حيث ميزانيتها مع البيطرة لا تتجاوز نسبة 2.57 في المئة من الميزانية العامة للدولة، بينما في دولة مالي، تمثل ميزانية قطاع الزراعة في السنة الحالية 15 في المئة من الميزانية العامة للدولة. وبالمقابل فهناك من يشير إلى أن أن الحكومة الموريتانية سبق وقدمت بعض الدعم لبعض المزارعين وأعطتهم قروضاً، ولكنهم لم يلتزموا بالسداد ولم يزرعوا.

ومن ضمن المشاكل التي يثيرها المزارعون الموريتانيون، أن الحكومة لا تمتلك خطة لتنويع المنتجات الزراعية. ويعتبرون أنهم يزرعون أراضٍ غير مستصلحة وبدون وسائل متطورة، وما يقومون به بدائي، وأن البذور سيئة والتسميد سيء. وفي سنتين متتاليتين تم فحصه فحصاً محايداً وثبت أنه مغشوش.

تفتح هذه الاحتجاجات النقاش حول واقع الزراعة في موريتانيا، البلد الذي يضم أراضٍ كثيرة صالحة للزراعة مقارنة بعدد سكانها، ومصادر جيدة للمياه، خاصة في جنوبها المستفيد من نهر السنغال. وكذلك هي تثير النقاش حول علاقة الإنسان الموريتاني بالزراعة، فجزءٌ كبير من الشعب الموريتاني ليست له تاريخياً تقاليد زراعية. ويقول يحي بيبه، رئيس الرابطة: "أعتقد أن للموريتانيين عقدة مع الزراعة، فهم بدو ورحل، واعتمادهم على حيواناتهم.. ألبانها غالباً ولحومها نادراً". ويضيف متحدثاً عن تاريخ الموريتانيين مع الزراعة: "ابن حوقل الذي زار المنطقة قال لم يعرفوا البُرَّ أو الشعير إلا في الذكر. وثم البكري الذي زارنا في القرن الخامس للهجرة يقول وطعام ملوكهم البُرّ، أي أن القمح صار موجوداً ولكنه أصبح طعام الملوك".

لا تملك الحكومة خطة لتنويع المنتجات الزراعية. ويعتبر المزارعون أنهم يزرعون أراضٍ غير مستصلحة وبدون وسائل متطورة، وما يقومون به بدائي، وأن البذور سيئة والتسميد سيء. وفي سنتين متتاليتين تمّ فحصه فحصاً محايداً وثبت أنه مغشوش.

هذا عن التاريخ. لكن الحكومة المدنية الأولى التي جاءت بعد الاستقلال حاولت تشجيع الزراعة، وخلق بنى تحتية لها وذلك من خلال "منظمة استثمار نهر السنغال"، وقطع نظام المختار ولد داداه خطوات مهمة في ذلك المجال. ثم بعد ذلك توالت الأنظمة العسكرية، سواء كانت في زيها العسكري، أم في زيها المدني في بعض الأحيان، وهي لم تعط الزراعة القدر الكافي من الاهتمام. وبدأت زراعة الأرز وهي تكاد تكون الزراعة التي تحظى بشبه رعاية من الدولة، أما التنوع الزراعي فلم يعرف إلى سياسات بلدنا الزراعي سبيلاً.

مقالات من موريتانيا