أخيراً! الاتفاق حول سدِّ النهضة

انطلقت يوم الأحد الفائت في 12 نيسان/ابريل الجاري، فعاليات المنتدى العالمي السابع للمياه بمدينة دايغو في كوريا الجنوبية، ويستمر المنتدى لخمسة أيام، بحضور رفيع المستوى من 170 دولة، لمناقشة تحديات المياه في العالم. وتشارك مصر بوفد كبير لعرض رؤيتها في إنهاء أزمة سد النهضة الإثيوبي، وما حُقق من نجاحات في المفاوضات الثلاثية، كنموذج يحتذى في إدارة الأزمات المائية. كما تشارك إثيوبيا
2015-04-16

سلمان محمد أحمد سلمان

استاذ وخبير مختص بمسألة المياه من السودان


شارك
سد النهضة

انطلقت يوم الأحد الفائت في 12 نيسان/ابريل الجاري، فعاليات المنتدى العالمي السابع للمياه بمدينة دايغو في كوريا الجنوبية، ويستمر المنتدى لخمسة أيام، بحضور رفيع المستوى من 170 دولة، لمناقشة تحديات المياه في العالم. وتشارك مصر بوفد كبير لعرض رؤيتها في إنهاء أزمة سد النهضة الإثيوبي، وما حُقق من نجاحات في المفاوضات الثلاثية، كنموذج يحتذى في إدارة الأزمات المائية. كما تشارك إثيوبيا والسودان ودول حوض النيل بوفود كبيرة.

بعد أربعة أعوام من النزاع والتصريحات النارية والاجتماعات المتكرّرة، توصّلت البلدان الثلاثة، إثيوبيا ومصر والسّودان، إلى "اتفاق إعلان مبادئ حول مشروع سد النهضة الإثيوبي". وقد وقّع على الاتفاق الرؤساء الثلاثة بأنفسهم في 23 آذار / مارس في الخرطوم. يتكون الاتفاق من ديباجة وعشرة مبادئ، ستة منها تتعلّق بالقانون الدولي للمياه، بينما تختصُّ الأربعة الأخرى بسد النهضة وسلامته، وملء البحيرة، وكهرباء السد.
المسألة الأساسية التي أكدها اتفاق إعلان المبادئ أن سد النهضة قد أصبح حقيقة واقعة، قبلت بها مصر والسودان دون أدنى مواربة. أسدل الاتفاق الستار نهائياً على الحديث عن استخدام القوة العسكرية لوقف بناء السد، كما أشارت إلى ذلك الكثير من التصريحات التي صدرت من القاهرة، مثلما حدث بعد اجتماع الحكومة والمعارضة المصرية المشترك في شهر حزيران/ يونيو 2013 إبان فترة حكم محمد مرسي. وقد كان ذلك الاجتماع مذاعاً ومنقولاً على الهواء دون علم المشاركين فيه، فأدلى كلٌ بدلوه في خيار العمل العسكري وضرب موقع السد.
كما أسدل الاتفاق الستار على طلب مصر المتكرّر والمتشدّد بوقف بناء سد النهضة حتى تكتمل الدراسات التي أوصت بها لجنة الخبراء الدولية بشأنه. وكانت مصر قد تقدّمت بذلك الطلب بعد صدور تقرير لجنة الخبراء في أيار/مايو 2013. ثم أثارته في الاجتماعات الثلاثية الوزارية المتتالية التي توقّفت بسبب إصرارِ مصر على وقف بناء السد حتى تكتمل الدراسات، ورفضِ إثيوبيا لذلك الطلب.
وقد شاهد الرؤساء الثلاثة عرضاً وثائقياً لعملية بناء السد قبل التوقيع على الاتفاق. وكان وزير الري والموارد المائية المصرية قد قام مع نظيره السوداني بزيارة موقع السد بعد عقد الاجتماع الوزاري الخامس في أديس أبابا في أيلول/سبتمبر 2014. وقد فسّرت تلك الزيارة بأنها بداية القبول المصري لسد النهضة.
 

المبدأ الأساسي: التعاون
 

أكد الاتفاق في فقرته الأولى المبدأ الأساسي الذي تبنى عليه إدارة الموارد المائية الدولية، وهو مبدأ التعاون الذي ظل غائباً عن حوض النيل حتى لحظة توقيع الاتفاق. وتناولت الفقرة الثانية ما أسمته "مبدأ التنمية، التكامل الإقليمي والاستدامة"، وهو الاصطلاح الذي استخدمه الاتفاق كمدخلٍ لقبول مصر والسودان لسد النهضة. إذ أشارت هذه الفقرة إلى أن الغرض من سد النهضة هو توليد الكهرباء، ما سوف يساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والترويج للتعاون عبر الحدود والتكامل الإقليمي من خلال توليد طاقة نظيفة ومستدامة يعتمد عليها.
انتقل الاتفاق بعد ذلك إلى مبادئ القانون الدولي للمياه، وأوضح التزام كل من الدول الثلاث بعدم التسبّب في ضررٍ ذي شأن لأية دولة أخرى من خلال استخداماتها لمياه النيل الأزرق أو نهر النيل. لم تلزم هذه الفقرة الدولة التي قد تتسبّب برامجها في ضررٍ ذي شأن باتخاذ الإجراءات المناسبة لمنع ذلك الضرر أو تخفيفه، ومناقشة تعويض الدولة المتضررة. ثم اعتمدت الأطراف الثلاثة في الفقرة الرابعة مبدأ الاستخدام المنصف والمناسب لمياه النيل بين دول الحوض، وأشارت إلى العناصر الاسترشادية كعوامل لتحديد الانتفاع المنصف والمناسب، وهي:
أ - العناصر الجغرافية، والجغرافية المائية، والمائية، والمناخية، والبيئية وباقي العناصر ذات الصفة الطبيعية،
ب- الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية لدول الحوض المعنية،
ج - السكان الذين يعتمدون على الموارد المائية في كل دولة من دول الحوض،
د- تأثيرات استخدام الموارد المائية في إحدى دول الحوض على دول الحوض الأخرى،
هـ - الاستخدامات الحالية والمحتملة للموارد المائية،
و- عوامل الحفاظ والحماية والتنمية واقتصاديات استخدام الموارد المائية، وتكلفة الإجراءات المتخذة في هذا الشأن،
ز- مدى توفر البدائل ذات القيمة المقارنة، لاستخدام مخطط أو محدد،
ح - مدى مساهمة كل دولة من دول الحوض في نظام نهر النيل،
طـ - امتداد ونسبة مساحة الحوض داخل إقليم كل دولة من دول الحوض.

وأقرّت الفقرة الخامسة مرةً ثانية مبدأ التعاون، وتناولته في مسألة ملء بحيرة السد، وفي إدارة السد نفسه. كما تضمّنت نصاً يقضي بإخطار دولتي المصب بأية ظروف غير منظورة أو طارئة تستدعي إعادة الضبط لعملية تشغيل السد. كما نصت على إنشاء آلية تنسيقية بين الدول الثلاث.
وانتقلت الفقرة السادسة من الاتفاق إلى مبدأ "بناء الثقة بين الأطراف الثلاثة". وأشارت إلى أن إثيوبيا ستعطي السودان ومصر الأولوية في شراء الكهرباء التي سيولّدها السد. وسوف تبلغ كمية هذه الكهرباء ستة آلاف ميغاواط عند اكتمال مراحل السد المختلفة عام 2017. ومن المؤكد أن مصر والسودان متلهفتان لوصول هذه الكهرباء لسد العجز الكبير في البلدين. وشدّدت الفقرة السابعة على أهمية تبادل المعلومات والبيانات اللازمة للقيام بدراسات مشتركة متى تطلّب الأمر ذلك، وبحسن نية وتعاون. وتطرقت الفقرة الثامنة إلى مسألة سلامة السد، وأمّنت مصر والسودان في البداية على الجهد الذي قامت وتقوم به إثيوبيا لضمان ذلك، وإلى موافقة إثيوبيا اتباع مخرجات دراسة اللجنة الدولية حول سلامة السد. وعادت الفقرة التاسعة وقبل الأخيرة مرةً ثانية إلى موضوع التعاون. فقد اتفق الأطراف الثلاثة بمقتضى تلك الفقرة على السيادة المتساوية، والمنفعة المشتركة وحسن النيات، بهدف تحقيق الاستخدام الأمثل والحماية المناسبة للنهر.
واختتمت الفقرة العاشرة المبادئ بتأكيد الأطراف الثلاثة على مبدأ حل النزاعات التي قد تنشب بينهم بالوسائل السلمية، وبتسوية المنازعات الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقاً لمبدأ حسن النيات. فإذا لم تنجح الأطراف في حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات، يمكنهم مجتمعين طلب التوفيق أو الوساطة، أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول/رئيس الحكومة.
 

معالجة المخاوف

عالج الاتفاق مخاوف السودان الخاصة بسلامة السد بالإشادة بما قامت به إثيوبيا، وبموافقة إثيوبيا تطبيق توصيات اللجنة الدولية بخصوص سلامة السد. كما عالج مخاوف مصر والسودان بخصوص فترة ملء البحيرة والتي تبلغ سعتها 74 مليار متر مكعب، حيث أشار إلى أن ملء البحيرة وتشغيل السد سوف يتم بناءً على توصيات اللجنة الدولية. كما نوّه الاتفاق بأن إثيوبيا سوف تعطي مصر والسودان الأولوية في بيع كهرباء سد النهضة. وهذه نقلةٌ نوعيةٌ كبيرة في مسألة التعاون وتفعيله، ومرحلةٌ جديدة للعبور من محاصصة مياه النيل إلى المنافع وتشاركها بين دول الحوض.
ولا بد أن السؤال عن مصير اتفاقيات الأعوام 1902 و1929 و1959، وتأثير هذا الاتفاق الجديد عليها ثار في القاهرة قبل أربعة أيام من التوقيع على اتفاق إعلان المبادئ. فقد أوردت وكالات الأنباء أن مشروع إعلان المبادئ "لم يلبِ بعض الشواغل المصرية"، وأن هذه الشواغل تُعالج بعيداً من الإعلام قبل الزيارة الرئاسية إلى إثيوبيا والسودان. غير أن اتفاق إعلان المبادئ خلا من أية إشارة إلى هذه الاتفاقيات.
سجل التاريخ أن يوم 23 آذار/مارس 2015 فتح صفحةً جديدةً في حوض النيل، تختلف كل الاختلاف عن العهود الماضية. فقد قبلت مصر والسودان التفاوض مع إثيوبيا، وكان هذا ما رفضاه بشدة في الماضي، كما قبلا أن يوقّعا على اتفاق يؤكد الندّية والمساواة بين الأطراف الثلاثة. ولكن أهم من كل هذا، فقد بُني الاتفاق على مبدأ التعاون، ووضع الأسس اللازمة لذلك، وصار الاتفاق في هذا المنحى متناسقاً مع القانون الدولي، كما عكسته اتفاقية الأمم المتحدة للمجاري المائية الدولية التي دخلت حيز التنفيذ في آب/ أغسطس 2014 بعدما صادقت عليها 35 دولة، منها تسع دول أفريقية وتسع دول عربية.
وإذا كانت مصر والسودان قد قبلتا مبدأ التعاون لإدارة وحماية المياه المشتركة والانتفاع منها، وقبلتا كذلك مبدأ الانتفاع المنصف والمعقول وسيادته على الالتزام بعدم التسبب في ضرر، ومبدأ تبادل المعلومات، وحل النزاعات بالوسائل السلمية، فإن الخطوة المنطقية القادمة هي الانضمام لاتفاقية عنتبي لحوض النيل. فهذه المبادئ الستة هي الركائز الأساسية لاتفاقية عنتبي التي بنيت على اتفاقية الأمم المتحدة للمجاري المائية الدولية.


وسوم: العدد 140

للكاتب نفسه

في أهمية المياه!

احتفل العالم في 22 آذار/ مارس باليوم العالمي للمياه. حدد هذا اليوم بناء على القرار الذي أصدرته الجمعيّة العامة للأمم المتحدة بالإجماع في كانون الأول/ديسمبر 1992. وطالب القرار الدول الأعضاء...

سدُّ النهضة بعد التوقيع على وثيقة الخرطوم

بنهاية العام 2015، التأم بالخرطوم الاجتماع الرابع لوزراء الخارجية ووزراء المياه في كلٍ من إثيوبيا ومصر والسودان، لمناقشة المسائل العالقة بين الأطراف الثلاثة حول سدِّ النهضة. الاجتماع مواصلةً لاجتماع الوزراء...

وأخيرًا! اتفاقية أممية للمجاري المائية الدولية

بعد انتظارٍ دامَ أكثر من أربعين عاماً، منذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في هذا المجال، أصبحتْ للمجاري المائية الدولية أخيراً اتفاقية تحكم استخداماتها وحمايتها وإدارتها، فانتفتْ عنها صفة أنها...