موريتانيا: الشكوى المتجددة من تلوث البيئة

شرّعت الحكومة لشركة التنقيب عن الذهب استخدامَ المياه الجوفية لمدينة الشامي في تصفية الذهب المستخرج. التصفية تتم عن طريق مادة "السيانير" المحرمة دولياً والكهرباء، على حساب صحة المواطن. فلماذا لا تقوم الشركة بالتصفية في أماكن التنقيب البعيدة.. المكان الذي يأخذون منه الحجارة ويطحنونها هناك ويصفونها هناك؟ إنها حسابات مالية.
2020-05-19

أحمد ولد جدو

كاتب ومدون من موريتانيا


شارك
مواطنون موريتانيون يحتجون ضد السياسات الملوثة للبيئة في مدينة الشامي.

يشهد شمال موريتانيا منذ فترة حراكاً مناهضاً للتلوث البيئي الذي يتسبب فيه استخراج الذهب بشقيه التقليدي والصناعي. الحراك يخفت زمناً ويصعد أزماناً أخرى، وقد تزايدت مؤخراً وتيرته لمناهضة قيام الحكومة الموريتانية بمنح الحق لشركة تعدين محلية في تصفية ما تستخرج من الذهب بقرب المدينة والناس، ولدقّ ناقوس الخطر حول ما يتسبب به التنقيب التقليدي عن الذهب من تدمير للبيئة.

لما يحتج الناس؟

يعتبر السكان ونشطاء هذا الحراك أن الحكومة الموريتانية تسهل للشركات الخدمات، ولو على حساب صحة المواطن. وذلك هو أهم أسباب الحراك.. وفي حديث مع منصور بيده نائب رئيس تجمع حماة البيئة، قال: "نحن مجموعة من المواطنين من مشارب متعددة ولنا اهتمامات مختلفة، ومهن متنوعة، منّا المتحزب والتكنوقراطي.. اجتمعنا ونحن قرابة السبعين، وخرجنا بخلاصة وهي أن حصيلة التنقيب عن الذهب بشقيه الصناعي والتقليدي أصبحت تهدد سلامة السكان والمواطنين العاملين فيه، وأنه تفاقم كثيراً بينما المردودية المحصلة منه ضئيلة مقارنة بحجم الاستثمار. الجزء المتعلق بحماية البيئة في الاتفاقية مع الشركات الأجنبية لا يطبق ولا حتى الجانب المتعلق بدعم السكان، وكذلك العمال في شركة تازيازت يتضررون. وحين يصاب عامل في الشركة يُرمى في الشارع دون مساعدة. باختصار لا يلتزمون بدفتر الالتزامات"، ويشير أيضاً إلى أن "التنقيب التقليدي فيه أضرار بيئية كبيرة، حيث أتى الآلاف من البشر فعاثوا في الأرض فساداً، يقطعون الشجر ويتركون نفايات ضخمة. يحفرون الأرض بشكل عشوائي، الطبيعة تأثرت كثيراً". فهنا يشيع استخدام أشجار المنطقة وحرقها لاستخدامها كفحم في عملية التنقيب، وهو ما أضر بالغطاء النباتي الضئيل أصلاً.

وقال بيده أيضاً أنه: "حدثت فوضى في استخدام الزئبق.. فأصبح السكان مهددين والبحر مهدد، ونحن لدينا تجارب سيئة في دول أمريكا اللاتينية ودول إفريقية مع التنقيب التقليدي". كل ذلك أدى بالناس إلى الاحتجاج وأُدخلوا السجن. وينتقد هؤلاء قيام السلطات بمنح صفقة للتنقيب عن الذهب لإحدى الشركات الموريتانية، نتج عنها أن الشركة المستفيدة تنقل الحجارة التي تم أخذها من مناطق بعيدة ( 145 كلم ) وهي مشبعة بالزئبق، ويتم جلبها إلى منطقة قريبة جداً من مدينة الشامي في سياج قريباً من المدينة.

وقد مُنحت هذه المناقصة لشركة موريتانية محلية لا خبرة لها في هذا المجال، وهي شركة كينز ماينينغ، ورخصوا معها لثماني شركات أخرى لا خبرة لها. لم يفكروا أن هذا سيلوث البيئة! وطبعاً نحن لسنا ضد الاستثمار لكن على ألا يعود بالسلب على المواطن وحياته، وهو أمر يحتم التحرك، فالمنطقة التي وضع فيها السياج هي ملتقًى للمياه الجوفية، وهو المكان الذي نشرب منه وسنتضررمن ذلك، ولن نقبل أن تتكاثر هذه الشركات حتى لا يحدث لنا ما حدث في مدينة نواذيبو مع مصانع موكا التي نغصت حياة الناس وانتشرت بشكل خطير".

مدينة نواذيبو تحتوي على خمسين في المئة من مصانع دقيق السمك في العالم، وهي معروفة محلياً ب"مصانع موكا". تلك المصانع تفرغ نفاياتها في البحر وتلوثه. وها الممارسة نفسها تنطلق في مدينة الشامي، بعدما دمرت البيئة في المكان الأول.

مدينة نواذيبو تحتوي على خمسين في المئة من مصانع دقيق السمك في العالم المعروفة محلياً ب"مصانع موكا"، وصارت تلك المصانع تفرغ نفاياتها في البحر، بالتالي لن نقبل أن يحدث ذلك في مقاطعة الشامي، وتتحول لمكان لاستخدام "السيانير" المحرم دولياً، لما يشكل من خطر على المواطن والبيئة، وقد تأكدنا أن جلب الحجارة والأتربة للمدينة مبرمج لمساعدة هذه الشركة، وتقريب الخدمات لها، حيث المياه الجوفية التي شُرّع للشركة استخدامها في تصفية الذهب عن طريق السيانير واستخدام الكهرباء في المدينة، ويتم ذلك على حساب صحة المواطن، فلماذا لا تذهب الشركة وتقوم بالتصفية في أماكن التنقيب البعيدة.. حتى لا يتضرر المواطن الساكن في المدينة، المكان الذي يأخذون منه الحجارة ويطحنونها هناك ويصفونها هناك؟.. قد يقولون أنها حسابات مالية. وذلك صحيح فالفوسفات المكتشف في موريتانيا منذ الاستعمار لم يُستخرج لتكلفته، وهذا التنقيب إن كان مكلفاً يجب أن يترك إن كان لا يمكن أن يتم إلا على حساب المواطن".

حاولت المجموعة الحصول على ترخيص باسم "حماة البيئة" لكنه رُفض. وقال الخبير البيئي محمد المختار هيبة: "ما دامت هذه المواد قد استعملت وتستعمل حالياً، فإن مخاطرها لا تتوقف على المنطقة الحصرية التي تتواجد وتستخدم فيها، فجلّ المواد السامة يتم نقلها عَرَضاً عن طريق التيارات الهوائية، وأيضاً المياه السطحية والجوفية، وهنا يكمن الخطر، فمنطقة الشامي لها خصوصيتها المناخية حيث تتأثر بتيارات هوائية متعددة ومتشعبة، بعضها يأتي من كل الاتجاهات حسب الفصول وعلى مدار السنة". أما الشركة المتهمة من قبل السكان فتنفي عدم تقيدها بإجراءات السلامة، وأن عملها يضر بالمواطنين.

من يقف وراء الحراك وكيف واجهته السلطة؟

تقف وراء الحراك المناهض للتلويث البيئي، هيئات من المجتمع المدني في ولاية داخلت نواذيبو تتمثل في منظمة "منسقية الدفاع عن الشامي" التي بادرت منذ أزيد من سنتين إلى الوقوف في وجه شركات التعدين التي لوثت، وتلوث المنطقة بالمواد الكيميائية السامة من زئبق وسيانير ومثيلاتها من المواد القاتلة للبشر والحيوان والبيئة.

وحسب المختار الهيبة: "قامت هذه المنظمة بطرق الأبواب الرسمية كلها، متسلحة بالدليل القاطع والصورة والوثائق، لإظهار الأمر على حقيقته المأساوية، ودق ناقوس مخاطر السموم وعدم مبالاة من يستخدمها في مراعاة الإجراءات الأمنية اللازمة، وإدانة الفوضوية التي تُستعمل فيها هذه المواد الضارة، من قبل الشركات وما تخلفه من سموم، وأيضاً وضعية المنجمين التقليديين والمخلفات الضارة للمحيط. حيث يستخدمون الزئبق ومشتقاته بين المنازل وفي أسواق مدينة الشامي وعلى قارعة الطريق. وقد قمنا بمظاهرات سلمية، ووجهنا كتابات احتجاجية للمسؤولين ولإنارة الرأي العام". ويؤكد على أنه و بعد عام من النضال السلمي انبثق من رحم "منسقية الدفاع عن الشامي" حراك "حماة داخلت نواذيبو".

تقف وراء الحراك المناهض للتلويث البيئي، هيئات من المجتمع المدني في ولاية "داخلت نواذيبو" تتمثل في منظمة "منسقية الدفاع عن الشامي" التي بادرت منذ أزيد من سنتين إلى الوقوف في وجه شركات التعدين التي لوثت، وتلوث المنطقة بالمواد الكيميائية السامة من زئبق وسيانير ومثيلاتها من المواد القاتلة للبشر والحيوان والبيئة.

وتعرض هذا الحراك للقمع وتم توقيف بعض نشطائه وسُجنوا، ويقول هيبة: "ليس السجن هو أثقل العراقيل، وإن كان يبين ظلم وسطوة السلطات الجهوية. وإنما كان الأمر الأثقل علينا هو إصرار السلطات على مواصلة ظلمنا البيّن والجائر والانحياز للظالم. إذ كيف يفهم المواطن البسيط عدم التنفيذ الحرفي لأوامر وتعهُد ولد الغزواني - رئيس الجمهورية - بتوقيف شركات السموم. أيعقل بعد ذلك أن يقوم أحد وزرائه برفع التوقيف والحظر عن شركات التعدين في سابقة خطيرة، وكأننا في غابة ليست فيها سلطة ولا قانون. وزير يرمي عرض الحائط بأوامر رئيسه. ويظلمنا هو والسلطات الجهوية لولاية داخلت نواذيبو".

قصة هذا الحراك تفرض طرح السؤال المتجدد في موريتانيا حول أيهما أنجع.. الحفاظ على ما في باطن الأرض حتى توجد إرادة وسبل لاستخراجه استخراجاً يضمن مردودية جيدة للدولة، ويحفظ البيئة من التلوث ويأمن الناس فيه على حياتهم. أم العمل بما هو متاح ومحاولة تقليل المخاطر؟

مقالات من موريتانيا