كورونا في غزَّة ليس كما في سواها

كان أساس الخطة هو استباق الفيروس، وإلا فوضع القطاع البائس والذي مضى عليه 14 سنة محاصراً، والانعدام شبه التام في المستلزمات الطبية، واندراج ثلثي السكان تحت خط الفقر، كان لينذر بكارثة يصعب السيطرة عليها.
2020-04-12

عبد الله أبو كميل

صحافي من غزة


شارك
مركز للحجر الصحي الإجباري في قطاع غزة.

بطبيعة الحال، قطاع غزَّة كغيره من الأماكن في زمن كوفيد 19. لكنَّه ليس كمعظمها في ظل الحالة التي يعيشها. توقف المختبر المركزي الخاص بفحص العينات المخبرية للحالات المشتبه بها بسبب نفاذ المواد، وهناك نقص في المستلزمات الطبية، وشُح في الأجهزة الطبية الحديثة، وشبه انعدام لأدوات الوقاية، ونفاذ 44 في المئة من الأدوية الأساسية، و31 في المئة من المستهلكات الطبية، و65 في المئة من اللوازم المخبرية..حصار إسرائيلي مفروض منذ 14 عاماً، وضع اقتصادي مهترئ، توقف آلاف المواطنين عن العمل، ثلثا السكان مندرجون تحت خط الفقر. ولكن، وبفعل التنظيم الإداري الجاد للعمل على مواجهة الأزمة القائمة، استطاع القطاع أن يستبق الأحداث ليحدّ من إمكانية انتشار الفيروس بين المواطنين. اتخذت الحكومة سلسلة من الإجراءات الصارمة لإنقاذ المنطقة من احتمال كارثة ستكون مدمّرة. وعلى الرغم من هذا كله إلَّا أنَّ مؤشرات النجاح في السيطرة على الفيروس باتت إيجابية من خلال شفاء 8 إصابات من أصل 13 حالة.

نقطة الانطلاق

وزارة الصحة الفلسطينية في غزَّة وجدت نفسها أمام اختبار وتحدٍ جديد، فتداركت خطورة الأمر، وشكلت لجنة طوارئ مختصة لمواجهة الفيروس، تتكون من قيادة الصحة والجهات الأمنية والعديد من المستشارين في الطب الوقائي والأوبئة، بالإضافة للمنظمات الدولية العاملة في غزَّة...درست الموقف والإمكانيات المتاحة والسيناريوهات المطلوبة للمواجهة وفق المراحل حسبما أعلنتها منظمة الصحة العالمية.

تمّ تشكيل اللجنة العليا للطوارئ، وتعلوها اللجنة الحكومية للطوارئ برئاسة الوزارة، ولجان الطوارئ الفرعية في كافة المحافظات.. واللجنة تمثّل مظلة اللجان المركزية في المحافظات التي تتبع للجنة العليا للطوارئ، والتي تنسق فيما بينها في الإجراءات المتعلقة باستثمار المكونات الصحية على مستوى المنشآت الصحية أو السعة السريرية للمرضى، التجهيزات الطبية والبشرية، وعملية النقل بين المؤسسات في سبيل الوصول إلى حالة مُرْضية من السيطرة على الفيروس. بعد ذلك، وفور مااعلن عن وجود الوباء، اتُخِذت إجراءات ميدانية مباشرة على الأرض، خاصة بخصوص دخول الوافدين، فعمدت الوزارة إلى إنشاء وتجهيز مركز الحجر الصحي على الحدود المصرية الفلسطينية، وهو يحتوي على 54 غرفة عزل، وكشفت على الوافدين من خلال الرصد الحراري، وعزلت من يشتبه به داخل المركز الصحي، وعملت على تخصيص فريق إرشادي لتوعية العائدين عن أهمية وآلية الوقاية من الفيروس، فكانت تعتبر إجبار العائدين على التزام الحجر المنزلي ضرورةً ملحة لحمايتهم والمجتمع، باستثناء العائدين من الدول المصنفة بالموبوءة مثل الصين واستراليا وكوريا وغيرها، فكانوا يعزلون بمراكز صحية لمدة 14 يوماً. ولكن، وبعد تكاثر الاصابات في الدول المجاورة، وازدياد أعداد الوافدين إلى غزَّة، توجهت الوزارة إلى اعتماد إقرار شخصي للعائدين من الدول المختلفة بالحجر المنزلي وفق التعليمات التي تُعطى من قبل اللجان التثقيفية.

توقف المختبر المركزي الخاص بفحص العينات المخبرية للحالات المشتبه بها بسبب نفاذ المواد. وهناك نقص في المستلزمات الطبية، وشُح في الأجهزة الطبية الحديثة، وشبه انعدام لأدوات الوقاية، ونفاذ 44 في المئة من الأدوية الأساسية، و31 في المئة من المستهلكات الطبية، و65 في المئة من اللوازم المخبرية..

ثم، وبعد أن لاحظت تفلّت بعض الأفراد من الحجر المنزلي بحكم العادات الاجتماعية، اتخذت الوزارة قراراً بإخضاع كافة العائدين للحجر الصحي الإجباري لمدة 21 يوماً، بمن فيهم القائمون على المركز، سواء كانوا أفراد أمن أو صحة أو عمال نظافة، وأطلقت عليه "الحجر الإجباري العام". كما عملت الوزارة على التنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني من خلال تقديمها المستلزمات الأساسية التي يحتاجها الوافدون المحجورون، وتقديم الفنادق طوعاً لصالح استخدامات وزارة الصحة. وهكذا استطاعت استضافة ألفي شخص في الحجر الصحي، كما أن الوزارة أنشأت خلال أسبوع واحد مستشفًى خاصاً بالعزل للحالات المصابة، يضم 40 حالة من بينها 8 حالات إنعاشية، وهذا على الرغم من الإمكانيات القليلة. ودشنت حركة حماس - كونها المتحكم في غزَّة - بناء ألف وحدة حجر صحي في شمال وجنوب القطاع ستسلمها لوزارة الصحة.

قرارات على محمل الجد

بعد الإعلان عن إصابتين لعائدين من باكستان، قررت اللجنة الإدارية للطوارئ وقف التجمعات الشعبية، ورفع حالة الطوارئ لأقصى درجاتها، وتجميد الحياة التعليمية، وإصدار الإعلانات المرتقبة للمواطنين من خلال الناطق باسم وزارة الصحة في غزَّة، ومراقبة الشائعات.

مقالات ذات صلة

كما أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في غزَّة عن إغلاق كافة مساجدها حتى إشعار آخر، بالإضافة إلى أنَّ اللجنة الإدارية أقرت منع التجمعات العامة، وإلغاء كافة النشاطات السياسية والثقافية والدينية في كلّ المناطق، وإيقاف عمل جميع المطاعم والمقاهي والمرافق السياحية حتى انتهاء الأزمة، واعتبرت أن كل مخالف لتلك القرارات يقع تحت طائلة المسؤولية القانونية، ممَّا دفع جهات ومنظمات دولية إلى الإشادة بالتدابير.

الحاجات الأساسية للمواطنين

سعت اللجنة الإدارية، المشكلة من قبل الحكومة المقالة التابعة لحركة حماس، إلى تدبر الحالة الاقتصادية، فأوقفت الخصومات المالية المفروضة على المستفيدين من البنوك، وجمدت فرض الضرائب على الشركات والمنشآت الخاصة، وأجّلت الفوائد البنكية. وعملت وزارة التنمية الاجتماعية على توزيع المساعدات الغذائية لقرابة مئة ألف عائلة، وأحصت عوائل المحجورين لدى وزارة الصحة، وقدمت لهم مساعدات يومية. كما شرعت وزارة العمل برصد الشغيلة المتضررين من قرار إغلاق المطاعم والمقاهي والقطاعات السياحية والقطاعات الأخرى، الذين يتقاضون راتباً يومياً، من أجل سداد احتياجاتهم الأساسية، وأعلنت عن التسجيل الالكتروني للعمال لكي يتسنى لهم الاستفادة من خطة الطوارئ الخاصة بهم.

وعملت الجهات الاقتصادية المختصة على إصدار تحذيراتها القانونية الموجهة لمن يحاول احتكار السلع، ونفذت إجراءات ميدانية في التفتيش على المخالفين للتعليمات، ودعت المواطنين للتبليغ الفوري عن أيّ مستغل للوضع الراهن، وخاصة المتلاعبين بالأسعار. فالقطاع لم يكن بمقدوره أبداً أن يحتمل ارتفاع أسعار السلع، خاصة وأن 75 في المئة من سكانه مصنفين "فقراء". كما دعت المواطنين من خلال نشراتها الدورية لعدم التخوّف، والتعامل بعقلانية في شراء الحاجيات الأساسية، لعدم خلق حالة من العجز في بعض السلع، ونظفت الأماكن العامة في الأسواق، والمحال التجارية، والمنازل المحتاجة. ووضعت خطة لتفعيل قرار حظر التجوال إنْ احتاج الموقف لذلك. إلّا أنَّ القطاع، حتى هذه اللحظة، تمكن من السيطرة على انتشار الفيروس.

منح خجولة لدعم الصحة

في ظل نداءات الاستغاثة التي تطلقها وزارة الصحة في غزَّة، خاصة بعد الإعلان عن الوصول لحالة الخطورة في تدهور القطاع الصحي بسبب توقف المختبر المركزي الوحيد، المسؤول عن فحص عينات فيروس كورونا، أعلنت بريطانيا دعمها لتوفير إمدادات طبية وصحية في الضفة الغربية وقطاع غزة بقيمة مليون دولار أمريكي، وتكفلت اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية بشراء تلك المعدات.

سعت اللجنة الإدارية إلى تدبر الحالة الاقتصادية، فأوقفت الخصومات المالية، وجمدت الضرائب على الشركات والمنشآت الخاصة، وأجّلت الفوائد البنكية. وعملت وزارة التنمية الاجتماعية على توزيع المساعدات الغذائية لقرابة مئة ألف عائلة، ورصدت وزارة العمل الشغيلةَ الذين يتقاضون راتباً يومياً من أجل سداد احتياجاتهم الأساسية، وأصدرت تحذيرات قانونية لمن يحاول احتكار السلع..

وأعلنت اللجنة القطرية عن دعم حكومة غزَّة بمبلغ 15 مليون دولار، خُصص منها 10 ملايين دولار لمواجهة حالة الطوارئ الخاصة بالفيروس، وبالتنسيق مع "صندوق قطر للتنمية".

كما أرسلت السلطة الفلسطينية للقطاع قرابة 1500 أنبوبة تستخدم لأخذ العينات من المشتبه في إصابتهم، بالإضافة لعدد من أجهزة فحص كورونا يمكنها فحص حوالي 200 شخص.

أما السلطات الصينية فأقرت بالتعاون مع شركة ""BGI الصينية لتسلل الجينيوم، وشركة "DND" لعلم الوراثة الصينية، تفعيل مشروع إقامة مختبر كامل لفحص العينات مخبرياً يمكنه فحص ثلاثة آلاف شخص يومياً في غزَّة.

واعتمد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي"UNDP" تفعيل برنامج لاستيعاب قرابة 600 خريج من المهن المخبرية، كخطوة داعمة لوزارة الصحة في مواجهة الفيروس ضمن بند التشغيل المؤقت.

وطالبت الشبكة الأهلية الفلسطينية التي تضم 133 منظمة بضرورة التحرك العاجل والفوري لإنقاذ القطاع الصحي في غزَّة، وتوفير الحاجيات الأساسية الطبية، محمّلةً الاحتلال الإسرائيلي تبعات تفاقم الأزمة بسبب الحصار المفروض على السكان.

مقالات من غزة

للكاتب نفسه