"سأرقص رغم كل شيء"

البحث عن مكامن للفرح في الشوارع العربية لم يكن سهلا في أي يوم، وقد تفاقمت هذه الحالة. فمنذ بدأت الثورات والعدّادات مشغولة بإحصاء أرقام الموتى والجرحى واكسسواراتهما. وحدها لحظات الذروة، عند تنحّي «الحكّام»، حملت طاقة ايجابية وسعادة. مع انقضاء الوقت، عاد الجميع  إلى تموضعهم السابق: لا توقّف لمسيرة النضال، ما زلنا في البداية.لهذا أخذت السياسة من درب كلّ شيء. وكان الفنّ

البحث عن مكامن للفرح في الشوارع العربية لم يكن سهلا في أي يوم، وقد تفاقمت هذه الحالة. فمنذ بدأت الثورات والعدّادات مشغولة بإحصاء أرقام الموتى والجرحى واكسسواراتهما. وحدها لحظات الذروة، عند تنحّي «الحكّام»، حملت طاقة ايجابية وسعادة. مع انقضاء الوقت، عاد الجميع  إلى تموضعهم السابق: لا توقّف لمسيرة النضال، ما زلنا في البداية.
لهذا أخذت السياسة من درب كلّ شيء. وكان الفنّ والرقص والإبداع هي المتضررة. لكن إصرار الفئات الشبابية على الاستمرار أحدث دمجاً حادّاً بين الفن والسياسة، ليزدهر عالم الغرافيتي وموسيقى الراب والصور الفوتوغرافية والأفلام القصيرة، وثائقية وروائية...
جنّد الشباب طاقاتهم لإيصال الصوت. سابقاً، تكفّلت الأنظمة المستبدة بخنقهم. اليوم تتكفّل الأنظمة الأمنية والدينية في ابتداع المبررات لمنعهم من الحرية. المثال هو مصر، حيث سعي أمني مستمر لمحو أغلب ما يُرسم على الجدران. جاء الردّ على شاكلة «إحنا منرسم و أنت امحي يا ريّس». أخذت اللعبة بالتمدّد: فجأة يظهر الرسم، وفجأة يتمّ طلاؤه بلون أبيض أو أسود. محو أثر أي سخرية أو مطالبة بالتغيير مهمّة رسمية. ولكن الرسم يعود، وهكذا.
لتونس قصّة أخرى. في الأيام الأخيرة. خرج الشباب إلى الشارع راقصين، معلنين بدء مرحلة «انعتاق الجسد وحريّته الكاملة». التقت مجموعة شبابية واختارت الرقص الحر والفجائي في الشارع. وصلت أحوال بلدهم إلى نقطة مسدودة، وغلبتهم رغبتهم بالانتقال بها إلى ضفة أكثر تحرّراً. لهذا، ودون إذن من أحد، تقرّر الانفلاش في الطرقات.
عنوان المبادرة: «سأرقص رغم كلّ شيء». أصحاب المبادرة، أي الشباب الآتون من خلفيّات تخصصية مختلفة، من الإخراج السينمائي والمسرح والرقص، قرروا إسقاط أجسادهم بشكل فجائي على المارّة في الشوارع.
في الفيديو المعروض على يوتيوب، تحطّ شابّة في سوق يعجّ ببسطات الخضار والفاكهة، وتبدأ رقصها «الحداثي». لم تتمكّن سريعاً من خلق «جمهور» مرافق لحركتها، لكن نجاحها بدا من خلال «الوشوشة» التي سرقت المارة عن غاية التسوّق الأساسية. في نقطة أخرى، يتمايل زميلها بحركات سريعة، هذا يسمونه street dance أو «هيب هوب». يُحاول بعض «كبار السنّ» مجاراته، لكنهم يعلنون ضاحكين عن عجزهم. فعليّاً، الشباب أصحاب الفكرة، لا يبغون أكثر من تمكين هذه «الأجساد من الانعتاق والتعبير عن فرحها أو حزنها بالفنّ».
يمتلئ هؤلاء الشباب طاقة. تراهم يتمايلون في الشارع دون اكتراث بردّات الفعل أو حالة الذهول للمارة. ولكن كلا من الشارع والوقت يبدو أجمل. ثورتهم هي التي مكّنتهم من الانطلاق بفكرة «سأرقص رغم كل شيء»... رغم كلّ السلبيات المحيطة. يريد الشباب الحرية والفرح، وهذا معنى الرقص هنا. شعبي وشرقي وغربي وتعبيري وكلاسيكي. يريدون إعادة فتح الباب للفنّ في ظلّ الاحتكار المستمرّ (الخنق) منذ عهد بن علي. وسلطة هذا الأخير كانت قد ألغت تصاريح الراقصين، ما عدا هؤلاء الذين يمتهنون الرقص في الحفلات والأفراح!

            
 


وسوم: العدد 34

للكاتب نفسه

عندما ترتاد امرأة شاطئاً عامّاً..

التهديد بالعري مقابل "حشمة" الحجاب المفروض، كما يحدث الآن بخصوص المايوه في الجزائر، هو الوجه الاخر للعملة نفسها. الاصل أن النساء لسن عورات للستر وان لهن حقوقاً مساوية للرجال في...

رمضان في تولوز: هل ترغبين بالتذوّق؟

عند السادسة مساءً يكتظّ الوسط التجاري الخاص بباغاتيل. تنزل النسوة مع أزواجهنّ وأولادهم لشراء ما ينقصهم قبل الإفطار. صفّ الناس لسحب المال من ماكينة البنك تجاوز الرصيف ليصل إلى الطريق...