هكذا تكلّم "الصندوق"

أخيراً، خرجت البشارة من بيانات صندوق النقد الدولي: أعلى معدلات نمو اقتصادي في أفريقيا (وربما في العالم) للعام 2013، سجّلتهما ليبيا (16.7 في المئة) ودولة جنوب السودان (69.6 في المئة!). هكذا، ومن دون أي جهد اقتصادي ولا تنموي حقيقي، احتلّت دولتان نفطيتان عالمثالثيتان، تقبعان في ذيل معظم إحصاءات التنمية البشرية والاقتصادية، الصدارة في الناتج الإجمالي المحلّي لقارّة لديها دولة وحيدة مصنّفة

أخيراً، خرجت البشارة من بيانات صندوق النقد الدولي: أعلى معدلات نمو اقتصادي في أفريقيا (وربما في العالم) للعام 2013، سجّلتهما ليبيا (16.7 في المئة) ودولة جنوب السودان (69.6 في المئة!). هكذا، ومن دون أي جهد اقتصادي ولا تنموي حقيقي، احتلّت دولتان نفطيتان عالمثالثيتان، تقبعان في ذيل معظم إحصاءات التنمية البشرية والاقتصادية، الصدارة في الناتج الإجمالي المحلّي لقارّة لديها دولة وحيدة مصنّفة من خارج لائحة بلدان العالم الثالث (جنوب أفريقيا).
لا مكان للبراءة في إحصاءات صندوق النقد الدولي، وهو ما كان عليه حال الصندوق منذ تأسّس مع البنك الدولي في إطار تشكيل العالم الجديد ما بعد الحرب الكونية الثانية، ليكون اليد الضاربة الاقتصادية لـ«الثلاثية»، أميركا الشمالية وأوروبا الغربية واليابان. ولكي يؤدي وظيفته، كان لا بدّ له من اللجوء إلى «العِلم» الذي يُختصَر وفق القاموس الاقتصادوي الرأسمالي بمصطلح «الأرقام»، أو بكلام أدق النسب المئوية. وعالم الأرقام، حين يخدم المصالح الاقتصادية البحتة، يصبح شيطاناً أخرس يسكت عن أهم ما يجب أن يُقال (مثلاً عن أن نسبة قدرة البالغين ما بين 15 و24 عاماً على القراءة في جنوب السودان هي 37 في المئة)، على حساب الإفصاح عمّا يجدر أن يصبح سياسةً عامة داخلية، أو استراتيجية للقوى العالمية تجاه البلد المعني، وهو ما يُترجَم بعلاقة «الصندوق» مع كل من ليبيا وجنوب السودان كعيّنة عن الدول «الخام». فعندما يشدّد صندوق النقد على أنّ جنوب السودان حقق نسبة خيالية من النمو الاقتصادي السنوي، يتجه الفضول فوراً إلى زيارة الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الفرنسية، التي تركّز بياناتها على خانة «العميلين (الاقتصاديين) الرئيسيين» لدولة جنوب السودان، وهما: الصين، والهند. فهل يُعقل أن تكتفي دول «الثلاثية» بموقع المتفرّج على الصين والهند وهما تحتكران القطاع النفطي (250 ألف برميل يومياً تشكل موارد 98 في المئة من الموازنة) وإعمار البلد «الخام»؟ تساؤل تحريضي ضمني يكاد صندوق النقد يطرحه على نفسه وعلى الدول الممسكة بزمام القرار فيه لدى إعلانه لنسبة النمو «الهائلة» المذكورة أعلاه.
يختلف الحال في ما يتعلق بمنطق تعاطي الصندوق مع ليبيا، حيث لا تتمكن النسب المئوية من إخفاء الفاجعة التي يعرف تقرير صندوق النقد للعام 2013 كيف يحوّلها لمصلحة العقيدة الاقتصادية الليبرالية التي يخدمها. يقول التقرير إن عجز الموازنة الليبية غير النفطية بلغ 191 في المئة، وذلك بسبب «الأجور المرتفعة» و«سياسات الدعم». وهنا أيضاً يسهل فهم المطلوب من حكّام طرابلس الغرب هذه المرة: إلغاء الأجور المرتفعة ودعم الأسعار.
لقد تمكن صندوق النقد الدولي من إجراء «نقد ذاتي» لتجربته الكارثية مع الدول النامية، فخلص إلى اعتبار أنّ سياسات الإقراض بفوائد كبيرة دفعت بهذه الدول إلى التهلكة. أما «نخبنا» الحاكمة، فلم تجرِ «نقدها الذاتي» بعد لتفهم مدى إلحاح التخلص من ديكتاتورية الأرقام.
 

للكاتب نفسه

«شجرة فوبيا»

أرنست خوري 2013-11-27

قام تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش) يوم الجمعة الماضية (22 تشرين الثاني/نوفمبر) بقطع «شجرة الكرسي»، وهي شجرة بلّوط تقع قرب بلدة أطمة السورية، يزيد عمرها عن 160 عاماً،...

ليبيا وضحكة القذّافي

أرنست خوري 2013-11-13

لم يعد لرئيس الحكومة الليبية علي زيدان ما يجرّبه في محاولة إحكام قبضة سلطةٍ مركزيةٍ ما على جزء من أراضي البلاد، إلا التلويح بورقتين انتحاريتين خارجتين عن نطاق الصلاحيات النظرية...

مصر: إعادة صياغة الأسطورة 

أرنست خوري 2013-10-09

كانت الاحتفالات المصرية يوم الأحد الماضي بالذكرى الأربعين لـ«نصر أكتوبر»، مختلفة. وذلك صحيح حتى بمقاييس ما أحاط بالمناسبة عند اغتيال أنور السادات خلال إحيائه الذكرى الثامنة لذلك «النصر» (الذي كان...