مَن هو الطائفي؟

إحدى السمات المشترَكة بين الأنظمة العربية المولودة من أحشاء حقبة الحرب الباردة ومرحلة استقلال دول العالم الثالث، هي الوقاحة. الوقاحة بما هي تعبير عن شعور بالاستقواء والحصانة والمناعة، يوحي لصاحبه بأنه قادر على قول (وفعل) أي شيء، بما أنه هو الدولة والدولة هو.تقدّم البحرين وسوريا نموذجين عن الوقاحة الذي باتت هذه الأنظمة تمارسها من دون الاضطرار إلى اللف والدوران. وبما أنّ الصراعات المذهبية
2012-11-14

شارك

إحدى السمات المشترَكة بين الأنظمة العربية المولودة من أحشاء حقبة الحرب الباردة ومرحلة استقلال دول العالم الثالث، هي الوقاحة. الوقاحة بما هي تعبير عن شعور بالاستقواء والحصانة والمناعة، يوحي لصاحبه بأنه قادر على قول (وفعل) أي شيء، بما أنه هو الدولة والدولة هو.
تقدّم البحرين وسوريا نموذجين عن الوقاحة الذي باتت هذه الأنظمة تمارسها من دون الاضطرار إلى اللف والدوران. وبما أنّ الصراعات المذهبية الاسلامية باتت من خصائص روح العصر العربي، فلا ضير من استحضارها في سياق التذكير بما فعلته ولا تزال تفعله كل من سلطات الميكرو ــ مملكة العائمة على بحر من النفط من جهة، والطغمة الحاكمة في سوريا من جهة ثانية. في البحرين، قبل مرحلة إعلان الملَكية وبعدها، بُنيَت سلطة آل خليفة على تهميش الفئة المذهبية التي تشكّل الغالبية من البحرينيين، أي الشيعة. تهميش طال ولا يزال مختلف جوانب البنيتَين التحتية والفوقية للاجتماع البشري: في حقوق المواطنة والتمييز داخل سوق العمل، وصولاً إلى قصور التمثيل السياسي. حاولت السلطة أن تركّب إحصاءات ونسباً سكانية مزوَّرة علّها تبرِّر غَلَبة أقلية مذهبية على أكثرية مغبونة، حتى وصل الأمر إلى تأكيد الإحصاء الرسمي للعام 2010، أنّ نسبة الشيعة هي 49 في المئة في مقابل 51 في المئة من السنّة. لم تفلح المحاولة طبعاً، بما أنّه في عالم الذرّة والتطوُّر التقني الأشبه بالسحر، بات إحصاء العدد الحقيقي للأشخاص بسهولة شرب المياه. هكذا، أراد حكام البحرين إرساء المعادلة الوقحة: نحكم الغالبية الشيعية بالحديد والنار طائفياً، ونحرمها المواطنة المتساوية، وإن ارتفعت الأصوات المطالِبة بتغيير المعادلة، نتّهمها بالطائفية وبالولاء لـ «الفرس» وبخيانة الوطن... وفي أسوأ الأحوال نسحب الجنسية من الأصوات الشواذ. أمّا الوقاحة الطائفية على الطريقة البعثية السورية، فتلك حكاية أخرى تجري فصولها منذ عقود. يُروى أنّ أحد المسؤولين السوريين (القياديين في حزب البعث العربي الاشتراكي في ثمانينيات القرن الماضي) اعترض في عهد الرئيس الأسد الأب وشقيقه رفعت (قبل أن يصبح معارِضاً!)، على كون معظم الأسماء الواردة على لائحة «البعثات» (المنح الجامعية إلى خارج سوريا على حساب الدولة)، هم من أبناء الطائفة العلويّة. ما كان من رفعت الأسد في حينها إلا أن صفعه على وجهه أمام جمع من الوزراء والمسؤولين، محقِّراً إياه بالتهمة الطائفية!
على الرغم من كل ما جرى وما يعرفه الجميع، لا يزال البعض يجد مبرِّراته لتغذية معاداته الغرائزية لتحرُّك الشعوب. يظنّ بعض هؤلاء أنّ تحجّجهم بمناهضة النفَس الطائفي كافٍ لتأمين سند أخلاقي لموقفهم. ولمّا كان التوزيع المذهبي للشعوب العربية على شاكلة ما نعرف، فقد يكون واجباً إقناع نصف السوريين السنّة، ونصف البحرينيين الشيعة، بأن يتحوّلوا إلى طائفة اللاتين مثلاً، أو البوذية، والبعض من الروم الأرثوذكس، كي يطمئنّ بال المسكونين بفوبيا الشعوب و«الغوغاء الخارجة من المساجد".
            
 


وسوم: العدد 19

للكاتب نفسه

«شجرة فوبيا»

أرنست خوري 2013-11-27

قام تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش) يوم الجمعة الماضية (22 تشرين الثاني/نوفمبر) بقطع «شجرة الكرسي»، وهي شجرة بلّوط تقع قرب بلدة أطمة السورية، يزيد عمرها عن 160 عاماً،...

ليبيا وضحكة القذّافي

أرنست خوري 2013-11-13

لم يعد لرئيس الحكومة الليبية علي زيدان ما يجرّبه في محاولة إحكام قبضة سلطةٍ مركزيةٍ ما على جزء من أراضي البلاد، إلا التلويح بورقتين انتحاريتين خارجتين عن نطاق الصلاحيات النظرية...

هكذا تكلّم "الصندوق"

أرنست خوري 2013-10-30

أخيراً، خرجت البشارة من بيانات صندوق النقد الدولي: أعلى معدلات نمو اقتصادي في أفريقيا (وربما في العالم) للعام 2013، سجّلتهما ليبيا (16.7 في المئة) ودولة جنوب السودان (69.6 في المئة!)....