البداية المتأخرة في العراق

من الطبيعي أن يلحق العراقيون بما يجري منذ نحو عامين من حولهم في الدول العربية. لو لم يفعل العراقيون، أو جزء منهم حتى اليوم، لكان أمكن التشكيك بمدى صمود قيَم مضيئة في نفوس العراقيين الذين تعرّضوا، على امتداد العهود السوداء لصدّام والاحتلال وميليشيات الموت والاقتتال الطائفي، لأخطر أنواع التدمير، ذلك الذي يطال النواة الصلبة لأي مجتمع.لم يتعلّم نوري المالكي درس زملائه في نادي الحكام العرب
2013-01-09

شارك

من الطبيعي أن يلحق العراقيون بما يجري منذ نحو عامين من حولهم في الدول العربية. لو لم يفعل العراقيون، أو جزء منهم حتى اليوم، لكان أمكن التشكيك بمدى صمود قيَم مضيئة في نفوس العراقيين الذين تعرّضوا، على امتداد العهود السوداء لصدّام والاحتلال وميليشيات الموت والاقتتال الطائفي، لأخطر أنواع التدمير، ذلك الذي يطال النواة الصلبة لأي مجتمع.
لم يتعلّم نوري المالكي درس زملائه في نادي الحكام العرب المتبارين على جائزة أسوأ حاكم. وصَف التظاهرات بـ«النتنة» بداية الأمر. لم يجدِ الوصف ولا الحديث عن أجندات خارجية تُحرِّك المحافظات المنتفِضة، فانتقل الرجل إلى الخطوة الأخطر، تلك المتجسِّدة بإنزال مناصريه إلى الشوارع، وتحريك قوى الأمن والجيش ضدّ المتظاهرين شمال وغرب البلاد. قرار يُرجَّح أن يكون كفيلاً، فيما لو واصل المالكي تطبيقه، بنقل الشعار المركزي من «تحقيق المصالحة» وإطلاق سراح السجينات ووقف العمل بقانون مكافحة الإرهاب و«المساءلة والعدالة» وإصدار عفو عام، إلى «إسقاط النظام».
الملاحظات التي يمكن استخلاصها عديدة: 1- لا تزال الأحزاب ذات الطابع السنّي العربي متلطّية خلف المتظاهرين والعشائر، مدركةً ولا شكّ أنّ نزولها إلى الشارع من شأنه الإضرار بالحراك لا إفادته، كون رصيدها في سنوات «العملية السياسية» لم يكن ناصعاً أبداً. 2- الحراك في الأنبار وصلاح الدين ونينوى وكركوك يحمل علامات توحي بالتفاؤل، بقدر ما تدفع أخرى إلى الأسف. فهناك من جهة، تجنّب للشعارات الطائفية، شارك فيه رجال دين سنة وشيعة. والأخيرون زاروا مناطق التظاهرات وسحبوا الفتيل الطائفي ولو موضعيا، وساهمت فيه أيضاً مواقف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر. ومن جهة ثانية، استمرارٌ لرفع أعلام العراق «القديم»، عراق صدّام حسين بنجومه الثلاث. سلوك قد تكون دوافع الكثير من مرتكبيه مقتصرة على «النكاية»، إلا أنه بجميع الأحوال تصرُّف مؤذ للجميع، كون نظام صدّام قتل وظلم وعذّب بالتساوي ربما، الشيعة والأكراد والعرب السنة والتركمان. والانزلاق للنكاية، طائفية كانت أم سواها، يجهض الطابع الوطني الشامل الذي يمثل الحصانة الوحيدة لأي تحرك. 3- أكراد العراق مستمرّون، بنجاح منقطع النظير، في تعزيز النظرة السلبية إزاءهم من قبل باقي أطياف الشعب العراقي، من خلال «النأي بأنفسهم» عمّا يحصل في المحافظات الشمالية المتاخمة لمناطقهم. وهذه باتت أكثر من دولة مستقلة تحظِّر إقامة العراقيين العرب فيها من دون أن يكون لديهم كفيل كردي! عنصرية أبطالها قومٌ يُفترَض أنهم يدركون أنّ الاضطهاد العرقي والمذهبي، الذي سبق أن خبروه جيداً، لا بدّ أن يعود ويرتدّ على مرتكبيه يوماً ما.
كان يمكن لمشهد انطلاق حراك احتجاجي اجتماعي واقتصادي وسياسي شامل لمختلف المناطق العراقية، لو حصل، أن يزيل العديد من الشكوك والحذر عن الحراك، المحصور هذه المرة بالدائرة العربية السنية بينما انحصر تحرك مشابه في العام الماضي بالدائرة الشيعية. لكن لكلّ حراك بداية. في الدول العربية «الصافية» مذهبياً، كانت نقطة البداية مناطقية أو طبقية أو ظرفيّة، انطلقت من حادثة معيّنة لتكبر ككرة الثلج، بما أن الاستغلال والإفقار والفساد والقمع... كلهم يحتاجون الى شرارة للتحول إلى انتفاضة. أما في الدول المتعددة طائفياً، وحيث يحتلّ المذهب موقعاً متقدماً في التركيبة الاجتماعية ــ السياسية، فتؤدي الطائفة دوراً تأسيسياً في أي حراك، رجعياً كان أم تقدمياً، وذلك لأسباب عدة، منها أنّ الظلم يتّخذ في الكثير من الأحيان طابعاً طائفياً لا يسعى الحاكم إلى إخفائه أصلاً. البحرين وسوريا مثالَان. في عراق اليوم، كلّ ظروف الانتفاضة الشاملة، العابرة للطوائف والقوميات، تنتظر الشرارة، والمالكي يوفرها، هو الذي لم يترك طرفاً شيعياً وسنياً وكردياً إلا وأراد ضربه بتلك «اليد الحديدية» التي لا يمل من الحديث عنها.

للكاتب نفسه

«شجرة فوبيا»

أرنست خوري 2013-11-27

قام تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش) يوم الجمعة الماضية (22 تشرين الثاني/نوفمبر) بقطع «شجرة الكرسي»، وهي شجرة بلّوط تقع قرب بلدة أطمة السورية، يزيد عمرها عن 160 عاماً،...

ليبيا وضحكة القذّافي

أرنست خوري 2013-11-13

لم يعد لرئيس الحكومة الليبية علي زيدان ما يجرّبه في محاولة إحكام قبضة سلطةٍ مركزيةٍ ما على جزء من أراضي البلاد، إلا التلويح بورقتين انتحاريتين خارجتين عن نطاق الصلاحيات النظرية...

هكذا تكلّم "الصندوق"

أرنست خوري 2013-10-30

أخيراً، خرجت البشارة من بيانات صندوق النقد الدولي: أعلى معدلات نمو اقتصادي في أفريقيا (وربما في العالم) للعام 2013، سجّلتهما ليبيا (16.7 في المئة) ودولة جنوب السودان (69.6 في المئة!)....