نساء العشوائيات: وجوه متعددة للمعاناة

تعطي العشوائيات صورة مفزعة للتفاوت الطبقي القائم في مصر ولغياب العدالة في توزيع الثّروة الوطنية التي استولى عليها ذوو السلطة والنفوذ عبر سنوات طويلة من الفساد لا تبدو لها نهاية في الأفق. نظرة عامة تُعرّف المناطق العشوائية بأنها "كل ما تم إنشاؤه بالجهود الذاتية سواء مبان من دَوْرٍ أو أكثر أو من عشش، في غيبة من القانون، ولم يتم تخطيطها عمرانيّا،
2015-03-05

منى علي علاّم

كاتبة وصحافية من مصر


شارك
من دفتر:
حكــاياهنّ
| en
إيمان أسامة - مصر

تعطي العشوائيات صورة مفزعة للتفاوت الطبقي القائم في مصر ولغياب العدالة في توزيع الثّروة الوطنية التي استولى عليها ذوو السلطة والنفوذ عبر سنوات طويلة من الفساد لا تبدو لها نهاية في الأفق.

نظرة عامة

تُعرّف المناطق العشوائية بأنها "كل ما تم إنشاؤه بالجهود الذاتية سواء مبان من دَوْرٍ أو أكثر أو من عشش، في غيبة من القانون، ولم يتم تخطيطها عمرانيّا، فهي مناطق أقيمت على أراضٍ غير مخصصة للبناء كما وردت في المخططات العامة للمدن، وربما تكون حالة المباني جيدة، ولكن يمكن أن تكون غير آمنة بيئيا أو اجتماعيا، وتفتقر إلى الخدمات والمرافق الأساسية".

 وتتعدد أشكال الكيانات العشوائية، فقد تكون مباني هيكلية خرسانية أو غير خرسانيّة، أو مباني على حوائط حاملة، ويمكن أن تتمثل في عشش أو أكشاك صفيح. وقد تتعدد الكيانات العشوائية داخل منطقة معينة. ولا تعتبر المقابر مناطق عشوائية إذا كانت تدخل في نطاق المباني ومتضمَّنة في المخطط العام للمحافظة، ولكن يُعتبر سكان المقابر من سكان العشوائيات.

 ووفقا للمصادر الرسمية قُدِّر عدد سكان العشوائيات بمصر عام 2007 بحوالي 15 مليون نسمة، 20 في المئة منهم في محافظة القاهرة و13 في المئة في محافظة الجيزة. إلّا أن وزيرة التطوير الحضاري والعشوائيات - وهي الوزارة التي استُحدِثت العام الماضي- أكدت في لقاء تلفزيوني أن نصف المصريين تقريبا، أي حوالي 45 مليون نسمة، يعيشون في العشوائيات! وأرجعت ظهور المشكلة وتفاقمها إلى عدم توفير مساكن ملائمة ورخيصة تكون في متناول الفقراء، مشيرة إلى وجود تفاوت في المستوى الاقتصادي لساكني العشوائيات. فعلى الرغم من أن أغلبيتهم من الفقراء، إلا أنّ بعض المتعلمين وأصحاب الدخول المرتفعة (نسبيّا) اتجهوا إلى العشوائيات بعد أن ارتفعت أسعار المساكن في قلب المدن. ثم أنه، وفي ظل الأوضاع الاقتصاديّة الحاليّة والارتفاع المستمر في أسعار السلع والخدمات وتراجع الدولة عن توفير خدمات تعليمية وصحية ذات مستوى جيد، فالارتفاع النسبي للدخول لا يمنع من تصنيف أصحابها ضمن الطبقات الفقيرة أو غير القادرة.

معيشة غير آدمية للرجال والنساء

مشاكل سكّان العشوائيات واحتياجاتهم واحدةٌ تقريباً وإن اختلف المكان أو الموقع.. وتتمثل أهمّها في الافتقار إلى المرافق والخدمات الأساسيّة كالمياه والكهرباء والخدمات التعليمية والصحية والشُرَطيّة والمواصلات، وانتشار الفقر والأميّة، وانخفاض مستوى دخل الأسرة مع كثرة عدد أفرادها مما يؤدي إلى عدم القدرة على توفير المتطلبات الأساسية للحياة، وتدهور الأوضاع البيئية نتيجة تراكم القمامة وانخفاض مستوى النظافة العامة، وضعف أو انعدام الوجود الأمني، وسوء حالة الطرق بسبب ضيقها وعدم انتظامها مما يصعّب وصول خدمات الإطفاء أو الإغاثة (مع العلم أن هذه المناطق تكون مهددة دائما بالحرائق أو السيول أو الانهيارات الصخرية). كما يشكو السكان من انعدام الخصوصية نتيجة لصغر حجم الحيز المكاني الذي تعيش فيه الأُسر وارتفاع معدل التزاحم والكثافة السكانية بهذه المناطق، وكذلك نتيجة لطبيعة المواد المستخدمة في جدران وأسقف المنازل أو العشش التي يعيشون فيها، علاوة على المشاكل الخطيرة التي تنشأ عن سكن كل افراد الاسرة (بمن فيهم الاولاد الكبار) في غرفة واحدة أحياناً..

أوضاع النساء: نظرة عن قرب

وبالتركيز على أوضاع النساء في هذه المناطق، تبدو المعاناة أشد والصورة أكثر قتامة. فعلى سبيل المثال، يسبب الافتقاد الى حمام خاص بكل أسرة واستخدام حمامات مشتركة مع الجيران، صعوبات كبيرة أمام السكان بوجه عام والنساء بوجه خاص عند قضاء الحاجة أو الاستحمام. كذلك غياب الإحساس بالأمان والخوف من التعرض للاعتداء من قِبَل البلطجيّة ومدمني الخمور والمخدرات المنتشرين في هذه المناطق.

 وطبقا لآراء المبحوثين من سكان العشوائيات في دراسة بعنوان "العشوائيات داخل محافظات جمهورية مصر العربية - دراسة تحليلية للوضع القائم والأسلوب الأمثل للتعامل" صدرت العام 2008 عن "مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار" التابع لمجلس الوزراء، فإن انتشار البطالة بين الشباب يؤدي إلى ولادة شعور باليأس بينهم واتجاههم إلى تعاطي المخدرات بأنواعها وإلى السرقة أحيانا لتوفير ثمن المخدِّر، وفي الوقت نفسه يؤدي تفشي البطالة إلى عدم قدرة الشباب على توفير متطلبات الزواج وإشباع حاجاتهم العاطفية والجنسية والى ممارسة التحرش الجنسي والاغتصاب أحيانا.

 وبطبيعة الحال تزداد المعاناة بالنسبة للنساء المعيلات لأسر في هذه المناطق. وهو ما تتناوله دراسة أجراها عام 2004 المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة ضمن برنامج بحوث المرأة بعنوان "النساء العائلات لأسر في العشوائيات - دراسة على سكان العِشَش بالقاهرة".

 تبنت الدراسة تعريفا إجرائيا للنساء العائلات لأسر بأنهن اللاتي يتولين – بصورة دائمة - مهمة الإنفاق على أعضاء الأسرة ورعايتهم اجتماعيا واقتصاديا. ويشمل هذا التعريف الأرامل والمطلقات والمهجورات وكذلك زوجات المرضى أو المعاقين او المسجونين أو العاطلين عن العمل أو من يرفضون الإنفاق على أسرهم. كما تبنت الدراسة تعريفا إجرائيا للعشش بأنها مساكن جوازية لا تصلح للسكن الآدمي غالبا ما يقطنها فقراء المدينة ويستخدمون لإقامتها المواد الأوليّة الرخيصة والمخلّفات مثل الصفيح والخيش والكرتون والطين والخشب الحبيبي أو كسر الخشب أو الطوب في بعض أجزاء من الجدران، وأحيانا تكون الأسقف من الجمالون أو الجريد أو عروق الخشب، وربما يخلو بعضها من الأبواب، وهي تفتقر في الغالب إلى المرافق الأساسية.

 وقد شمل المجال الجغرافي للدراسة 6 مناطق عشوائية، وكشفت الدراسة عن ارتفاع نسبة الأسر التي تعولها نساء في المجتمعات محل الدراسة إلى أكثر من ضعف النّسبة المعبّر عنها على مستوى الجمهورية. وترتفع نسبة العاملات منهن ارتفاعاً يفوق كثيراً النسبة العامة لمشاركة المرأة في العمل على مستوى البلاد. وتشير خصائص عيّنة البحث إلى أن الغالبية العظمى منهنّ أمّيّات مما يؤدي إلى ضعف قدرتهن على اكتساب المهارات التي يتطلبها الحصول على فرصة عمل مناسبة، فيلجأن إلى أعمال تصنف في أدنى السلم المهني مثل بيع الخضروات والبقالة أو العمل خادمات في المنازل أو عاملات نظافة، بينما نسبة لا يعتدّ بها منهنّ تعمل في مؤسسات رسمية حكومية أو أهلية.

 وقد أشارت نتائج الدراسة إلى أن الأطفال العاملين الذين ينتمون إلى أسر تعولها نساء أكثر معاناة من غيرهم حيث يعيشون في بيئات أسرية يغيب فيها الدور التقليدي للأب، وتعد أسرهم أكثر عوزا واحتياجا من تلك التي يعولها رجل، كما أنهم يساهمون بنسبة أكبر بكثير في دخل الأسرة، ويعملون لساعات أطول، وهم أكثر اضطرارا من أقرانهم للعمل في أيام الإجازات ومن ثم الحرمان من يوم الإجازة الأسبوعية ربما طمعا في أجر هذا اليوم، كما أنّهم أقل تمتعا بمزايا التأمين الاجتماعي الذي من المفترض أن يقوم به صاحب العمل، وربما يعود ذلك إلى انخراطهم في العمل في سن مبكرة، كما أنهم وأسرهم أقل وعيا بحقوقهم فلا يطالبون رب العمل بالتأمين خوفا من الفصل من العمل وفقدان الأجر.

 وهم أكثر عرضةَ للمعاملة السيئة من أصحاب الأعمال وربما يرتبط ذلك بهشاشة وضع النساء وقلة حيلتهن وخوفهن من بطش أصحاب الأعمال أو فقد العمل كليةً إن هن بادرن الى المطالبة بإصلاح مثل هذه الأحوال أو الدفاع عن حقوق أبنائهن. وتشير الدراسة إلى محدودية (ربما تكون كلمة "انعدام" أدقّ هنا) الفرص الحياتيّة والاختيارات الاجتماعية والاقتصادية المتاحة أمام هؤلاء الأطفال من حيث الكم والنوعية.

 وهو أمر لا ينطبق عليهم أو على أمهاتهم فقط، بل ينسحب على ملايين المصريين، داخل العشوائيات.. وخارجها أيضا.

 

للكاتب نفسه

قصّة "هَدِية" مع الميراث

في زيارتي الأولى في العام 2016 ركّزتُ على التقصير الحكومي ونقص الخدمات الأساسية، وفي الثانية (2021) عملتُ واحتككتُ أكثر بموضوعات تتعلق بثقافة وسلوكيات الناس أنفسهم هناك: ختان الإناث، قتل النساء...

أوضاع صعبة يواجهها الوافدون السودانيون في مصر وعلى حدودها

قالت مفوضية اللاجئين إنه حتى 15حزيران/ يونيو الفائت، تمّ تمويل برنامج الاستجابة السريعة للأزمة السودانية، الذي يشمل مصر وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى، بنسبة 15 في المئة فقط...