«صوت المــــرأة ثورة... وصمت الرجل عورة!»

عبارة تختصر الحضور النسوي للمرأة السورية في الحراك الشعبي الذي ابتدأ في 15 آذار/ مارس 2011، والموازي تماماً لحضور الرجل السوري. ومع هذا، ظل صوت فئة كبيرة من النساء السوريات مغيباً. وقد عانين وما زلن منذ بداية الثورة من الاعتقال والتنكيل والإهانة والنزوح والاغتصاب. لم تشارك المرأة السورية في الحراك منذ بداياته فقط، بل يمكن القول، أنها هي من احتضن الثورة، وبزخمٍ لا ينتهي. وهذا ليس بطارئ على
2012-08-29

عبير حيدر

كاتبة من سورية


شارك
المغتصبات ضحايا كالشهداء والمعتقلين

عبارة تختصر الحضور النسوي للمرأة السورية في الحراك الشعبي الذي ابتدأ في 15 آذار/ مارس 2011، والموازي تماماً لحضور الرجل السوري. ومع هذا، ظل صوت فئة كبيرة من النساء السوريات مغيباً. وقد عانين وما زلن منذ بداية الثورة من الاعتقال والتنكيل والإهانة والنزوح والاغتصاب. لم تشارك المرأة السورية في الحراك منذ بداياته فقط، بل يمكن القول، أنها هي من احتضن الثورة، وبزخمٍ لا ينتهي. وهذا ليس بطارئ على تاريخ نساء سوريا اللواتي ناضلن ضد الفرنسيين. في سنة 1922، شهدت دمشق أول تظاهرة نسائية هتفت بسقوط الاحتلال، فرقها الفرنسيون بالرصاص، وأصيبت بعض المتظاهرات بجراح بالغة. وعبر أنحاء سوريا، أسهمت النساء في نقل المؤن والسلاح والرسائل للثوار، والكثير منهن حملن السلاح. في دمشق، استشهدت سلمى بنت محمد قرقوره، ونايفة خلف الجابر، وأم عبده من أهالي باب الجابية التي كانت تساعد الثوار وتنقل لهم السلاح والقنابل في سلال الفاكهة. وفي جبل العرب، بلغ عدد الشهيدات اللواتي شاركن في معظم معاركه، خمساً وتسعين شهيدة. وفي ثورة الساحل، اشتهرت حبّابه، زوجة صالح العلي التي شاركت مع زوجها في خوض المعارك الوطنية، ورنده الملقبة بالفارس الملثم التي تابعت بعد استشهاد خطيبها خوض المعارك حتى سقطت شهيدة. ومن حلب زكية هنانو التي وضعت كل ما تملكه من مال لدعم الثوار، ونساء أخريات من آل الجابري والسباعي والكيالي. وفي دير الزور، اشتهرت المناضلة سنّة الجولة، والشاعرة غزالة البشعان. كما قدمت حماه وحمص نماذج بطولية لنساء ثائرات مثل أم شعيب الدندشي. وفي معارك الجنوب، في جباتا الخشب، استشهدت فاطمة الرحّال، وخديجة بنت صالح مريود. وهناك الكثيرات ممن استشهدن في كل مدن سوريا، ولا يتسع المجال هنا للحديث عن بطولاتهن الرائعة.
الآن، وفي أشد الفترات قسوة في تاريخ سوريا، أثبتت المرأة السورية حضوراً لافتاً، مميزاً، لا حدود لعطائها وتضحياتها. فقد ثارت المرأة لأجل حريتها وحرية بلدها، وسعت بكامل إرادتها لتكون جزءاً لا يتجزأ من كل تفاصيل الثورة. فهي المتظاهرة والمدونة، وأم الشهداء، والزوجة المعتقلة، والممرضة، والنازحة، والشهيدة. صحيح أن المرأة والرجل تساويا في الظلم تحت حكم النظام البعثي، لكن يبقى لواقع المرأة بؤس آخر، كونها تعيش في مجتمع ذكوري. فقد غابت أسماء كثير من النساء اللواتي تعرضن للعنف الجنسي والاغتصاب، والقتل وتشويه جثثهن على أيدي الشبيحة وقوات النظام. وقد أشارت معظم التقارير الدولية الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان منذ بداية الثورة، الى أن المرأة السورية أولى ضحايا هذا النظام. وغالباً ما تكون المرأة الضحية الأولى لأي صراع، ويتم استخدام الاغتصاب من قبل الطرف المسيطر كأداة للانتقام، واستهداف النساء عمداً من باب التكتيك العسكري الرادع او الصادم. وهناك العديد من النساء والأطفال تعرضن لأعمال الاغتصاب والاعتداء الجنسي خلال عمليات تفتيش البيوت في البلدات والقرى، وأيضاً أثناء التحقيق في مراكز الاعتقال. وتبعاً للتقارير الأولى لمنظمة «هيومن رايتس ووتش»، تم تسجيل وتثبيت أكثر من 370 حالة اغتصاب، وحسب «تنسيقيات الثورة» وصل عدد المغتصَبات، تحديداً في سجون الاعتقال، الى حوالي 1500 امرأة. ومعظم النساء يفضلن الصمت خوفاً من العائلة ونظرة المجتمع التقليدية. وما زالت حادثة جسر الشغور (عملية اغتصاب جماعي من قبل بعض الجنود ضد العاملات في معمل السكر)، واحدة من حوادث كثيرة حصلت ولم يتم الكشف عنها. وقد تسربت الكثير من القصص المؤلمة، التي خرجت بها بعض النساء ممن استطعن الهرب والحديث عما حصل معهن أو مع بناتهن. هذا، مع أنّ معظمهن يفضلن الصمت، خوفاً من ردة فعل العائلة (خاصة في المجتمعات الريفية)، فتكون المرأة عُرضة لانتهاك كرامتها أكثر من مرة: في جريمة الاغتصاب، وفي السكوت عنها، أو في تغطيتها بتزويج المغتصبات الى رجال تبرعوا للعب دور الفارس المنقذ لشرف العائلة، دون أن يكترث أحد بالصدمات النفسية للمرأة والتي تستمر مدى حياتها... هذا إن لم تُقتل الفتاة المغتصبة من قبل عائلتها، غسلاً للعار. وللأسف حصلت حوادث عدة كهذه.
ستترك هذه الممارسة التي تبدو ممنهجة آثاراً اجتماعيةً كبيرةً على المجتمع السوري، وتماسكه وقدرته على استئناف العيش المشترك، وكمية الضغائن والاحقاد التي تترسب فيه... ما لم تكن الثورة صرخة ليس فقط ضد الظلم، وإنما ضد المفاهيم الاجتماعية السائدة التي لا تعتبر جسد المرأة المغتصبة مساوياً في الانتهاك والإذلال لجسد الرجل المغتصب، باعتبار الاغتصاب جريمةً بحق الجسد الإنساني بغض النظر عن الجنس، وبعيداً عن المفاهيم المرتبطة بـ«الشرف».
إن إخفاء جرم الاغتصاب خوفاً من الفضيحة، وتحميل المغتصبات إثم جرائم هنّ ضحايا لها، لدليل على إشكالية بنيوية، ليس في فكر الأنظمة العربية القمعية فقط، بل في فكر المجتمعات التي ترعرعت في ظلها. والإشكالية تكمن في نظرة العقل العربي لوجود المرأة-الإنسان، والتي ما زالت محكومة بالنظرة الجنسية/الجسدية البحتة. وهذا ما يُفسر سلوك الشبيحة في الاستهداف الوحشي لجسد المرأة، وأيضاً الصمت المطبق من قبل معظم المرجعيات الفكرية والدينية والسياسية، وحتى الشعبية، إزاء ما مورس من انتهاكات منذ بداية الثورة تجاه وجود المرأة السورية. ما كابدته نساء سوريا جزء من آثار الحروب. فهن يتعرضن للقتل والإصابة، والاختفاء والاعتقال والتعذيب، وأيضاً الحد من سبلهن لكسب العيش وفقدان المأوى والرعاية الصحية، وتحمل مسؤولية الأولاد في حال استشهاد عائل الأسرة أو اعتقاله، إضافة إلى التشريد والنزوح.
في العام 2004 وقعت سوريا على ميثاق الأمم المتحدة المتعلق بحقوق المرأة، والذي يشرع في أحد بنوده «حق المرأة في الحراك السياسي والتعبير عن رأيها». وأيضاً، «وجوب حماية النساء خصوصاً من الاعتداء والاغتصاب والبغاء القسري أو أي شكل آخر من التحرش الجنسي». والقانون السوري يحكم على مقترف هذه الجرائم ب 9 سنوات سجنا تصل في بعض الحالات إلى 21 سنة. ولكن الآن، وفي حالة الفوضى وانهيار مؤسسات الدولة، فإن مهمة التنسيقيات وكل القوى الفاعلة في الحراك الثوري هي التأكيد في رؤيتهم لسوريا المستقبل على الالتزام بميثاق الأمم المتحدة المتعلق بحقوق المرأة والمطالبة بملاحقة ومحاكمة من قام بالإساءة إلى نساء سوريا، وسلب حقوقهن والاعتداء عليهن. ولهذا، لا بد من الحصول على المساعدة من النساء أولاً، وعائلاتهن ثانياً، بالإعلان عن الجرائم دون خوف، لأجل توثيقها وملاحقة المجرمين. هذا رغم صعوبة هذه الخطوة، وخاصة في غياب مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية، لتوثيق الانتهاكات ورصدها.
وربما يكون من المفيد تشكيل لجان نسائية خاصة ممن هم على احتكاك مباشر وقريب من عائلات الضحايا، لمتابعة وضع النساء صحياً ونفسياً. فالصمت سيؤدي لضياع حق المرأة، ما يسلبها قوتها وإرادتها. هناك حاجة لخلق ثقافة ووعي جديدين، وإرساء قواعد سلوكية تنظم وتحكم سلوك السوريين الأخلاقي والقانوني. ويستدعي ذلك الاعتراف بأن المغتصبات ضحايا كالشهداء والمعتقلين والجرحى، وليس من العدل إخفاء جرائم ارتكبت بحقهن خوفاً من العار. فالحضور الأصيل للمرأة السورية في الثورة، يعكس توق النساء إلى بلد حر مدني ديمقراطي، لهن فيه نفس الحقوق والواجبات كالرجال. وبعض اللافتات التي رفعنها بالتظاهرات، تعبر عن ذلك: «هل سيتخلص الرجل من العقلية الأسدية بسقوط النظام؟». فالمرأة تدرك بأن التغيير الجذري لا يحدث بسقوط النظام فقط، وإنما بالعقلية المسيطرة على المجتمع، والتي ما زالت عقلية ذكورية إقصائية.
 

مقالات من سوريا

للكاتب نفسه

«محكمة الإرهاب» في سوريا

عبير حيدر 2014-01-22

شكلّت «محكمة الإرهاب» التي أنشأتها السلطات السورية بدلاً من محكمة «أمن الدولة العليا»، وفقاً للمرسوم الرئاسي رقم 22 العام 2012، واحدة من أهم الإجراءات الإصلاحية المتحققة بفضل الضغوط الشعبية الداخلية،...

"المكدوس" فقيد الفقراء في سوريا!

عبير حيدر 2013-10-14

أصبح " المكدوس"، وهو من الأكلات السورية القديمة المصنفة ضمن "بيت المونة"، حلماً يراود السوريين بسبب غلاء مكوناته. فثمنها قد يتجاوز متوسّط الأجر الأسبوعي للموظف أو العامل في سورا. قبل...

سوريون وحلم الهروب

عبير حيدر 2013-08-14

لم تعد سفارات الدول الأوروبية تتسع لجموع الشباب السوريين الذين دفعتهم الظروف المأساوية الحالية نحو الهروب، والأمل بحياة جديدة في الغرب. أصبح مألوفا في لبنان مشهد طوابير الشباب الواقف على...