نساء موريتانيا: الأمر لنا تحوّلات بقوة النواعم

قد يبدو الأمر من عالم الغرائب والعجائب لكنه مع ذلك وقع... تحقق في موريتانيا ما ظلت تحلم به معظم النساء حول العالم دهوراً، ومعهن الكثير من الرجال. ما قامت لأجله جمعيات وسيّرت مظاهرات وعُقدت مؤتمرات ونشرت كتب ومقالات. ما كانت تظنه النساء هدفاً مستحيلاً بعد فشل كل محاولاتهن. تحقق في تلك البلاد التي ظلت طوال عقود خبراً ثانوياً في نشرات الأخبار العالمية أو العربية، إلا إذا تعلق الأمر بحدث أمني
2014-03-30

علّية عباس

أستاذة أدب عربي، مقيمة في نواكشوط


شارك
(من الانترنت)

قد يبدو الأمر من عالم الغرائب والعجائب لكنه مع ذلك وقع... تحقق في موريتانيا ما ظلت تحلم به معظم النساء حول العالم دهوراً، ومعهن الكثير من الرجال. ما قامت لأجله جمعيات وسيّرت مظاهرات وعُقدت مؤتمرات ونشرت كتب ومقالات. ما كانت تظنه النساء هدفاً مستحيلاً بعد فشل كل محاولاتهن. تحقق في تلك البلاد التي ظلت طوال عقود خبراً ثانوياً في نشرات الأخبار العالمية أو العربية، إلا إذا تعلق الأمر بحدث أمني كبير أو باكتشاف حقل نفط أو غاز أو أي منجم ثروة أخرى يزخر به باطن أرضها. ما حصل أن حزباً لم يعلن عن وجوده مسبقاً ولا حصل على ترخيص من وزارة داخلية ولا من غيرها، حزباً ظل خافياً عن أعين الرقباء ورجال الأمن قد أعلن عن وجوده المباغت بطريقة ستذهل العالم.
النساء اللواتي كان لهنّ باستمرار دور مميز في هذا البلد، إن بعرقه الأبيض صاحب الامتيازات التاريخية التي لا تخفى، أم بعرقه الأسود بتنويعاته وطبقاته المتمايزة، تلك النساء جميعاً بما لديهن من أسباب قوة أو ضعف انتشرن اليوم في شوارع المدن الواسعة، بأحيائها الفقيرة والغنية، كما في كل قرى الولايات. خرجن إلى الشوارع والطرقات لا يحملن سوى أطفالهن الرضع والعزيمة وأصواتهن متنوعة اللغات، موحدة المضمون، ليعلنّ بأصواتهن العارية إلا من الإصرار، ان لا طاعة بعد اليوم لعادة أو عرف أو قانون أو تعاليم تفرق بينهن أو بين أبنائهن، فتقسم الناس إلى بيض وسود، عبيد وأحرار، خادمات ومخدومات... أو غير ذلك من التسميات.

هل هو انقلاب؟ والبلاد اعتادت الانقلابات زمناً؟

لا. لكننا في العام 2054. إنه أمر اليوم تعلنه النساء ويؤكدن على: البقاء في الشارع إلى أن تتحقق مطالبهن، ومن أبرزها: أن تستقيل الحكومة الحالية وتتشكل حكومة انتقالية يكون النصف زائداً واحداً من أعضائها من النساء الكفوءات، وذلك في مدة أقصاها يومان، وأن تعمل الحكومة الجديدة على وضع دستور جديد للبلاد يتضمن إجراء انتخابات بلدية ونيابية في مدة أقصاها ستة أشهر، على أن تكون حصة الرجال فيها محفوظة بنسبة لا تزيد عن عددهم في الحكومة الانتقالية. وإجراء انتخابات رئاسية في غضون سنة، على أن يحصل الرئيس أو الرئيسة على نصف عدد أصوات النساء كشرط لصحة انتخابه/ها. أن تعتمد الحكومة التي ستشكل بعد الانتخابات نسبة النساء نفسها المعتمدة في الحكومة الانتقالية. أن تعتمد الحكومة الجديدة سياسة تمحو بها الأمية من البلاد، على أن تكون الأولوية لتعليم النساء وتوفير كل ما يساعدهن على ذلك.
القبول بأن نكون زوجة ثانية أو ثالثة أو أكثر، حتى من قبل مثقفات، أمر لم يعد مقبولاً، فرجالنا جميعاً ليسوا أنبياء والعدل شبه مستحيل. إن التباهي بالزواج مرات كثيرة لم يعد مسموحاً به في هذا العصر. كفى أولادنا وعوائلنا تشتتاً. دورنا في الحياة ينبغي أن يرتقي إلى ما هو أكثر من الإنجاب، وهو أساسي، والعناية بالمظهر، وهو أمر مهم بالطبع، أو إرضاء الزوج الذي ينبغي أن يتحول الى مفهوم المودة والرحمة، وأن يكون كل منا سكنى للآخر. الأهم من كل ذلك أن ما نعلنه اليوم لن يكون برنامج إغواء انتخابي ينتهي مفعوله بالوصول إلى السلطة أو مركز القرار. إنه دين علينا أمام أولادنا ووطننا الذي لديه من المشاكل ما لا ينفع فيه اتهام كل منا الآخر بالمسؤولية، ولا بدّ من وقفة صادقة مع النفس: التربية مسؤوليتنا أولاً، وإدامة القيم المتخلفة مسؤولية المرأة قبل كل شيء لأنها الأقرب إلى الأولاد بحكم طبيعة تركيبتها ودورها، الرجل وليد الأفكار التي يرضعها مع حليب الأم وحديث القريبات والرفيقات.
هذه التزاماتنا ونحن منفتحات على حوار يُغني ويعمّق تجربتنا الجديدة. لكن بالمقابل لدينا مطالب ولن نتراجع قبل تحققها بحسب مراحل ومواعيد واضحة.

شريكات لا تابعات

نطالب:
أن تستقيل الحكومة الحالية وتتشكل حكومة انتقالية يكون النصف زائداً واحداً من أعضائها من النساء الكفوءات وذلك في مدة أقصاها يومان وهذا مطلب لن نعود الى منازلنا قبل تحققه. مع الوعد أن تكون وسائلنا سلمية مئة بالمئة.
أن تعمل الحكومة الجديدة على وضع دستور جديد للبلاد يتضمن إجراء انتخابات بلدية ونيابية في مدة أقصاها ستة اشهر على أن تكون حصة الرجال فيها محفوظة بنسبة لا تزيد عن نسبة تواجدهم في الحكومة الانتقالية.
إجراء انتخابات رئاسية في غضون سنة على ان يحصل الرئيس أو الرئيسة على نصف عدد اصوات النساء.
أن تعتمد الحكومة التي ستشكل بعد الانتخابات نسبة النساء المعتمدة نفسها في الحكومة الانتقالية
أن تعتمد الحكومة الجديدة سياسة محو الامية على ان تكون الاولوية لتعليم النساء وتوفير كل ما يساعدهن على ذلك.
أن تكون القرارات المصيرية قراراً مشتركاً وأن نعتمد لغة الحوار والعقل لا الغلبة في كل ما نسعى اليه. ورفض العنف بكل مسمياته، والانقلابات بكل أشكالها وسيلة لحل خلاف أو وصول الى سلطة مع الاعتذار عن كل عنف استخدم سابقاً لحل أي مشكلة.
أن تكون المدارس الحكومية هي الحاضنة لأولادنا مع احترام كل المكوّنات الثقافية لهذا الشعب العظيم والذي تنوّعه مصدر غنى له.
أن يتمّ تجريم كل مرتش أو مستغلّ لوظيفته أو المال العمومي، أو متاجر بالدين.
نحن في النصف الثاني من القرن الحادين والعشرين.
التاريخ لن يرحمنا ما لم نبادر الى تغيير جذري في العقليات كما في السياسات.
ولأنه "لا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، أخذنا الوقت اللازم للعمل من دون ضجيج وخرجنا اليكم بما قدمناه، فهل من مستجيب؟
قد تكون موريتانيا تأخرت عن الدخول الى نادي الدول الكبرى، لكن نحلم بجعلها دولة قوية بتناغم مكوناتها والنعومة التي ستضفيها النساء بقوة حضورهن في كل التفاصيل العامة والخاصة لحياة أسرتها ووطنها..
           

مقالات من موريتانيا

للكاتب نفسه