قضايا المرحلة الإنتقالية

خالد عمر يوسف المعروف بخالد سلك، مهندس (40 عاماً)، هو أحد قادة "حزب المؤتمر السوداني" الذي تأسس في 1986. وحزبه ينتمي الى "تجمع قوى الحرية والتغيير"، وكان هذا الحزب، ومعه الحزب الشيوعي السوداني، أكثر حزبين تعرضا للملاحقة والتنكيل والسجن على يد للنظام البائد.

نقاشات عديدة تنتظم الوسائط تتباين فيها الرؤى بصورة كبيرة جداً حول قضايا عديدة كقضايا التفاوض واستمراره من عدمه أو سقوفاته الممكنة أو تلك التي عجزت قوى الحرية والتغيير عن بلوغها وقضايا السلام وعلاقته بالتحول الديمقراطي والنموذج المطروح لتحقيقه. آخر تلك النقاشات احتدم عقب مجزرة الأبيض ليبلغ في أقصى درجاته تطرفاً حد تحميل قوى الحرية والتغيير مسؤولية ما حدث لتضيف غرس سكين جديدة في جسد التحالف الذي صار موضع رمي سهام الكثيرين وهي قضية أردت أن اناقشها في هذه المساحة.

في البداية اعتقد أن الكثير منا يتشارك الرؤية التي ترى تعقيد المشهد وتشابك تفاصيله واستعصاء ايجاد حلول سحرية ونهايات وردية سريعة لأزمات البلاد التي تتفاقم يوماً بعد يوم... الانتقال من نظام شمولي لنظام ديمقراطي ومن دولة الحرب لدولة السلام أمر معقد وشائك ويحدث تدريجياً ويحتاج إلى وقت وجهد... معادلة الإنتقال في السودان اكثر تعقيداً ولفهمها علينا أن نضع معطياتها صوب أعيننا.. وبلغة الرياضيات فلنستعرض المدخلات الموجودة فعلاً ومن ثم نراجع سقف المخرجات الممكنة وفقاً لذلك.. مدخلاتنا هي:

1 • ثورة شعبية عميقة اطاحت برأس نظام الإنقاذ وخلقت نهوضاً جماهيرياً غير مسبوق في البلاد.

2 • الإطاحة برأس النظام أبقت قوتين رئيسيتين في مقعد قيادة الإنتقال هما:

أ‌- قوى الحرية والتغيير وهي لم تخلق من العدم بل احتلت هذا الموقع لأنها مكونة من الكيانات السياسية والمهنية والمدنية التي عارضت نظام الإنقاذ بصورة متسقة ورفعت راية مقاومته لثلاثين عاماً فاستحقت بذلك أن تحتل موقف نقيضه/بديله. هذه القوى ليست في وضع مثالي بل هي منهكة من معركة الثلاثة عقود ومفككة وأصابها الكثير مما أصاب البلاد من خراب.

ب‌- مجلس عسكري كانت فصائله وقادته جزءاً من النظام القديم وشبكة مصالحه، ومن نافلة القول أن تكويناته غير ذات مصلحة في تحول شامل وجذري. هذا المجلس دخل في مواجهة ضد الشعب بسبب أفعال عديدة مثل مجزرة القيادة العامة لتضع كل أقواله بصدق انحيازه للثورة موضع شك وتكذيب غالب الثوار.

3 • انخرط هذان الطرفان في تفاوض طويل ملؤه عدم الثقة والمواجهات على قاعدة الأمر الواقع الذي لم يختره أي منهما، ومن الواضح أن أي اتفاق ينشأ سيكون به هشاشة مصدرها عدم الثقة وطبيعة العلاقة الصراعية .. هذه الشراكة ستواجه قائمة من الأزمات والكوارث التي تحدق بالبلاد من كل جانب ودعنا نذكر على سبيل المثال لا الحصر:

أ‌- الوصول لحل سلمي لحروب البلاد الأهلية وإقرار سلام عادل يخاطب المظالم التاريخية ويعالج قضايا النازحين واللاجئين والتنمية المختلة والناقصة والعنصرية وخلل تكوين الدولة السودانية وانحيازاتها .. سلام بعالج ازمة عمرها أكثر من ٦٠ عاماً تراكمت فيها عدم الثقة ونقض العهود وتهتك النسيج الإجتماعي .. ما أقساها من مهمة !!

ب - أزمة معيشية طاحنة واقتصاد دمرت بنيته الإنتاجية من زراعة وصناعة وثروة حيوانية ومعدنية بسيادة نمط اقتصادي ريعي طفيلي وبتغلغل الفساد وشح الموارد، وتثقل كاهله الديون التي لن ترفع دون كلفة سياسية باهظة، مع العلم بأن ثورة لا تحسن حياة الناس ومعاشهم فأنها تحيد عن هدف رئيسي لها كما أنها لن تجد من يلتف حولها أو كما قال الشريف زين العابدين الهندي أيام الديمقراطية الثالثة "كان شالها كلب ماف زول بيقول ليهو جر".

ج - منظومة سرطانية بناها نظام الجبهة الإسلامية اخترقت كل مؤسسات الدولة المدنية والأمنية والعسكرية والإقتصادية ولها قدرة عالية على وضع المتاريس في طريق الإنتقال إن لم يكن بفعل التنظيم فسيكون بفعل الخوف على فقدان الامتيازات ومحاولة الحفاظ عليها.

د - انهيار شامل في الخدمات الصحية والتعليمية والبني التحتية مما يحتاج لسنوات طويلة لإعادة بناءها على أساس صحيح وعادل.

هـ - مواجهة ترسانة من القوانين والمؤسسات القامعة للحريات مما يعسر مهمة الإنتقال الديمقراطي وتمهيد الطريق نحو انتخابات حرة ونزيهة.

و - مؤسسات أمنية وعسكرية اخترقها حزب النظام وقسمتها صراعاته الداخلية فأنشأت جيوشاً ومليشيات موازية تحمل عدة وعتاداً تضع البلاد بأسرها على شفا حفرة من حرب الكل ضد الكل.

ز - مؤسسات عدلية وقضائية تم تخريبها بفعل دولة التمكين وصارت منحازة وغير موثوق فيها لدى غالب الشعب السوداني.

ح - اختلالات وتمايزات اجتماعية عديدة على أسس مختلفة نوعية وثقافية واقتصادية وغياب للعدالة بمعناها الشامل في جميع المستويات مما خلف حالة من الاحتقان الاجتماعي والصراعات على أسس عديدة.

هذه القضايا هي بعض قضايا المرحلة الإنتقالية وليس كلها.. كل قضية من تلك القضايا تكفي لإفشال الثورة والانحراف بها عن طريقها ولا يعقل أن نطلب لها حلاً شاملاً كاملاً الآن ودون تأخير، بل هي سلسلة معارك تتطور فيها الثورة وتتوسع وتتعمق بأشكال وأنماط مختلفة. اختارت الحركة الجماهيرية مدخلاً للتعاطي مع هذه القضايا يبدأ بتكوين السلطة المدنية الإنتقالية التي تقود الثورة نحو اكمال مهامها، وبكل تأكيد فإن العناصر الأهم تكمن في مقدرة الحركة الجماهيرية على اقتلاع النقابات والمنظمات الأهلية والتنظيمات القاعدية المحلية التي ستشكل ضامن وحامل الإنتقال المدني.

وفقاً لما تقدم، فإن السلطة المدنية الإنتقالية والتنظيمات القاعدية التي ستحرسها سيعتمد مقدار نجاحها في المحافظة على الثورة على وحدة قوى التغيير وقدرتها على العمل المشترك لحراسة الثورة والوقوف في وجه قوى الإنقلاب. هذه الوحدة تحمل اسم "قوى إعلان الحرية والتغيير".. بها نواقص وعيوب وتحتاج إلى عمل يرتفع بها لمستوى المهام الملقاة على عاتقها، لذا فمن المستغرب أن يدّعي شخص أو جهة ما حرصه على الثورة ونجاحها ويحمل معولاً لهدم هذه الوحدة.. تفتيت قوى الحرية والتغيير، شئنا أم أبينا، سيخلي الساحة لنقيضها ليملأ الفراغ وهذا النقيض أقوى اطرافه واكثرها تنظيماً هو النظام القديم وتنظيمه السياسي... لن ينبت تنظيم او يستحدث من العدم وفض الوحدة الجماهيرية من حول الحرية والتغيير والتشكيك فيها وفي المنخرطين في صفوفها هو وصفة اختطاف الثورة بواسطة اعداءها... هذه الوحدة شاقة وتحتاج صبراً عليها وعملاً لترميم ثراتها وتطويرها.. فهلا صبرنا على هذه المهمة الشاقة وعملنا لها؟

مقالات من السودان