الحوار الوطني في السعودية... لا نهاية له

في بداية 2003 اكتملت حملة التوقيعات على عريضة تطالب بإصلاح النظام السياسي في السعودية وقعها أكثر من مئة من الشخصيات البارزة بمن فيهم رجال أعمال ورجال دين وأساتذة جامعات ومثقفون. حاول منظمو العريضة، التي عُرفت باسم» الرؤية الحاضرة والمستقبلية للوطن»، إيصالها إلى ولي العهد السعودي الذي كان وقتها يقوم عملياً بمهام الملك بسبب عجز الملك فهد. وحين فشلت محاولاتهم لتسليمها مباشرة إلى
2013-04-10

عبد الهادي خلف

أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة لوند ـ السويد، من البحرين


شارك
طاولة الحوار السعودية (من الانترنت)

في بداية 2003 اكتملت حملة التوقيعات على عريضة تطالب بإصلاح النظام السياسي في السعودية وقعها أكثر من مئة من الشخصيات البارزة بمن فيهم رجال أعمال ورجال دين وأساتذة جامعات ومثقفون. حاول منظمو العريضة، التي عُرفت باسم» الرؤية الحاضرة والمستقبلية للوطن»، إيصالها إلى ولي العهد السعودي الذي كان وقتها يقوم عملياً بمهام الملك بسبب عجز الملك فهد. وحين فشلت محاولاتهم لتسليمها مباشرة إلى ديوان ولي العهد، أو عبر الأشخاص الذين يعتمدهم النظام السعودي لمهمات الوساطة، اضطر منظمو العريضة إلى إرسالها بالبريد. ورغم صعوبة توصيلها، سجلت عريضة كانون الثاني/ يناير 2003 بداية مسارجديد لعلاقة العائلة المالكة في السعودية برعاياها.

وعود الإصلاح

لم يختلف مضمون تلك العريضة جوهرياً عن مضامين عرائض كثيرة سبقتها ولحقتها. إلا أن تركيبة مجموعة الشخصيات الموقعة عليها كانت تعكس نتائج تغيرات جدية في المجتمع السعودي. فلقد جمعت قائمة الموقعين شخصيات معروفة من الإسلاميين السنة والشيعة، ومن الليبراليين، ومن سجناء الرأي السابقين. كررت العريضة الإلتزام بمرجعية العائلة الحاكمة ووحدة البلاد، تمهيداً لمناشدة ولي العهد العمل على إدخال اصلاحات سياسية تشمل اجراء انتخابات لمجلسي الشورى والمناطق، واعادة تقسيم الثروة، ووقف التمييز الطائفي، والتعديات على حريات المواطنين من قبل الاجهزة الامنية، ووقف اجراءات منع السفر، واطلاق سجناء الرأي والمعتقلين السياسيين.
كان يمكن ان تواجه تلك العريضة مصير ما سبقها من عرائض ومذكرات نصحية والتماسات قُدمت لولي العهد نفسه، أو للملك فهد، وخاصة بعد الهزة السياسية التي أصابت منطقة الخليج برمتها في أعقاب غزو الكويت وحرب تحريرها. فلقد شجعت تداعيات تلك الهزة أقساماً مهمة من النخب السعودية على الانخراط في حراكات متفرقة تناشد ولاة الأمر إدخال إصلاحات اقتصادية وسياسية. وتفاوتت ردود فعل السلطة من التنكيل بمنظمي تلك الأنشطة إلى محاولات تهدئتهم بإطلاق الوعود.
لم يكن رفض العائلة المالكة السعودية مناقشة إصلاح المؤسسات السياسية بسبب إنها غير قادرة على التحكم في نوعية الإصلاح ووتيرته، بل لخشيتها من تأثير تلك الإصلاحات سلبياً على تماسك العائلة المالكة نفسها. إلا أن رد فعل ولي العهد السعودي عبد الله بن عبد العزيز جاء على غير ما توقع كثيرون. فبعد أيام من انتشار أخبار العريضة في وسائل الإعلام غير الرسمية والخارجية، دُعي عددٌ من موقعيها إلى لقاء ولي العهد في قصره بالرياض. أسمع الأمير ضيوفه وقتها كلاماً مريحاً، من قبيل أن مطالبهم هي مطالبه، وأنه مثلهم ضد الفساد، وضد التمييز، ومع المشاركة الشعبية. تزامن ذلك اللقاء مع بعض الانفراج في الصحافة السعودية التي فتحت صفحاتها، بحدود، لمناقشات حول مشاكل البلاد واساليب معالجتها. بدا ذلك الإنفراج نقيضاً لأجواء الرعب التي فرضتها القبضة الأمنية الصارمة خلال الفترة ما بين تفجيرات الخبر في حزيران/ يونيو 1995 وتفجيرات الرياض في أيار/ مايو 2003. ولهذا قيل وقتها إن «ربيع الرياض» قد بدأ، وإن السعودية في طريقها لصياغة «عقد اجتماعي جديد». لم يكن لذلك التفاؤل أساس جدي. فولي العهد لم يقم باتخاذ خطوات عملية لترجمة توجهاته الإصلاحية. وحتى الصحافة التي بدأت تناقش مواضيع ممنوعة، مثل «الفساد المستشري»، لم تجرؤ على تسمية أحد من الفاسدين الكبار أو حُماتهم.

مسلسل الحوار الوطني

بالغ كثيرون في تفاؤلهم بعد أن دعا ولي العهد السعودي إلى عقد أولى جلسات الحوار الوطني في منتصف حزيران/ يونيو 2003، وبعد صدور مرسوم ملكي بإنشاء «مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني» في الشهر التالي. وبعيداً عن تلك المبالغة، فلا شك أن لقاء الحوار الوطني الأول كان حدثاً تاريخيا في بلاد تعوّد حكامها على تأكيد أنهم أخذوها بحد السيف. ففيه جرى التأكيد على الوحدة الوطنية والإقرار بالتنوع المذهبي والفكري الذي تنكره وتحاربه المؤسسة الدينية الوهابية، وهي التي ضمنت لعقود شرعية الحكم السعودي. وتكررت هذه الإيجابيات عبر التنديد بالنهج التكفيري والغلو في الخطاب الديني في جلسات لقاء الحوار الثاني في كانون الاول/ ديسمبر 2003 والذي أضيف إلى المشاركين فيه عشر شخصيات نسائية معروفة.
تغيرت الأمور كثيراً بعد اللقاء الثاني. ففي بداية 2004 اعتقلت الأجهزة الأمنية عدداً من النشطاء طالبوا بوضع جدول زمني لتنفيذ ما تم الإعلان عنه من توافقات. ومن جهة أخرى ازدادت التهديدات بحق النشطاء الصادرة عن وزير الداخلية نايف بن عبد العزيز. وأسهم ولي العهد نفسه في هذا المجال بتصريحات نددت بما سماه المحاولات المشبوهة لتدمير الوحدة الوطنية. في هذا السياق، رأينا السلطات السعودية تشدد قبضتها على إدارة الحوار الوطني خوفاً من إفلاته. نتج عن ذلك، التوقف عن رفع التوصيات التي يتوافق عليها المتحاورون إلى الملك، مما زاد في احتمال عدم تنفيذها أو حتى الاكتراث بها. إلا أن السلطات حرصت، وفي الوقت نفسه، على انتظام انعقاد لقاءات الحوار الوطني، وعلى أن تتناول جلساته عناوين مختلفة من «هموم الناس» في السعودية. إلا أن تلك الهموم على أهميتها لا تشمل أيا من القضايا المركزية التي تواجه المجتمع السعودي والتي لا مفر من التعاطي معها.
انعقدت في الفترة ما بين 2003 و2012 تسعة لقاءات حوارغطت على الترتيب المواضيع العامة التالية: 1. الوحدة الوطنية، 2. الغلو والاعتدال، 3. حقوق المرأة وواجباتها، 4. الشباب، 5. العلاقة مع الثقافات الأخرى، 6 . التعليم، 7. العمل، 8. الخدمات الصحية، 9. الإعلام. ولم تُعقد جلسة واحدة لمناقشة كتابة دستور أو إصلاح مؤسسات الحكم، وإلغاء التداخل العضوي بين العائلة المالكة والدولة. وهنا يبرز دور «مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني» في اختيار مواضيع الحوار الوطني وفي انتقاء المشاركين فيه. فلم يعد المشاركون في لقاءات الحوار هم نشطاء الحراك السياسي والاجتماعي وواجهاته كما كان الحال عليه في 2003 ، بل أصبحت غالبية المشاركين هم من تنتقيهم السلطة السياسية، كما كان حال المشاركين في اللقاء الوطني التاسع في كانون أول/ ديسمبر 2012. ولأن المركز هو من يسمي المشاركين في الحوار في كل جلسة على حدة، فهو يمتلك سلطات رقابية واسعة على تفاصيل ما يدور بين المتحاورين. وأقلها أن المحاور والمحاورة لا يضمنان أن يؤتى بهما لجلسة حوار قادمة إن هما لم يلتزما الحدود المقررة.

عودة إلى المربع الأول

تحولت جلسات الحوار الوطني في السعودية منذ 2003، وبسرعة ملحوظة، عن هدفها المعلن كقناة تواصل بين العائلة المالكة وبين النخب السياسية في السعودية. أتى المتحاورون إلى جلسات الحوار الأولى بقوة دفع حراك إجتماعي أعطاهم مصداقية تمثيل لقوى إجتماعية لا تستوعبها المؤسسات الوسيطة بين العائلة المالكة والمواطنين، من قبيل مجلس الشورى ومجالس المناطق. ولقد كان يمكن ، وبشيء من التفاؤل، أن يتحول «الحوار الوطني» إلى منبر لممثلي تلك القوى بديلاً أو موازيا لمجلس الشورى وغيره من المؤسسات الوسيطة. وكان يمكن، وإن بقدر أكبر من التفاؤل، أن نرى مقدمات الإصلاح السياسي والمؤسساتي في السعودية. ولعل هذه الاحتمالات هي بالضبط ما سعت العائلة المالكة إلى تحاشيها. ولهذا حولت لقاءات الحوار إلى أداة لإعادة تدوير النخب السياسية والوجاهات الاجتماعية. ومن جهة أخرى، كرست العائلة المالكة نفسها كمؤسسة فوق الجميع، لا حاجة لها بالحوار مع أي طرف. أما الناس فلهم الحق في أن يتحاوروا في جلسات الحوار الدورية حول جميع الأمور... عدا تلك التي تتعلق بممارسة العائلة المالكة لسلطاتها.

مقالات من السعودية

خيبة م ب س الاقتصادية

كان النزاع المدمر على سوق النفط، ودور السعودية - وبخاصة محمد بن سلمان- في تأجيجه، مقامرة وحماقة في آن. فإن كانت السعودية تخسر 12 مليون دولار يومياً مقابل كل دولار...

للكاتب نفسه

خيبة م ب س الاقتصادية

كان النزاع المدمر على سوق النفط، ودور السعودية - وبخاصة محمد بن سلمان- في تأجيجه، مقامرة وحماقة في آن. فإن كانت السعودية تخسر 12 مليون دولار يومياً مقابل كل دولار...