قطع المساعدات الأمريكية المقدمة لفلسطين: الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية وسبل مواجهتها

استعراض شامل للمساعدات الأمريكية المقدمة منذ 2001 للشعب الفلسطيني التي انقطعت تماماً اعتباراً من 2019. تهدف الورقة الى التعرف على التأثيرات المحتملة لقطع هذه المساعدات وبعض الخيارات المالية المتاحة لمواجهة هذه العقوبات المالية الأمريكية لتفادي وقوع ضرر على استحقاقات الفقراء والفئات المهمشة، وولعدم التراجع عن برنامج بناء اقتصاد أكثر اعتمادا على الذات.
على جدار مركز الأنروا في غزة

تقدم هذه الورقة الخلفية استعراضاً شاملاً للمعونة الأمريكية للشعب الفلسطيني في سياقها التاريخي والسياسي، والتي انقطعت تماماً اعتباراً من عام 2019. تركز الورقة على المساعدات المقدمة منذ 2001 وتحلل اتجاهاتها، ومكوناتها القطاعية وآليات تقديمها، بهدف التعرف الدقيق على التأثيرات المحتملة لقطعها على برامج وقطاعات حيوية لا بد من مواصلة دعمها بغياب التمويل الأمريكي. كما تستكشف الورقة بعض الخيارات المالية المتاحة لمواجهة هذه العقوبات المالية الأمريكية وغيرها دون إلحاق ضرر باستحقاقات الفقراء والفئات المهمشة، ودون التراجع عن البرنامج الاستثماري العام اللازم لبناء اقتصاد أكثر اعتمادا على الذات.

الخلفية التاريخية والسياسية للمعونة الأمريكية للشعب الفلسطيني

منذ نكبة 1948 وبداية معاناة لاجئي فلسطين المشتتين في المنطقة والعالم، كانت الولايات المتحدة الأمريكية من أكبر المانحين للشعب الفلسطيني عبر قنوات مختلفة، ولاعباً سياسياً رئيسياً في المنطقة. بدأً ذلك بتأسيس "وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (UNRWA)" عام 1949، وهي أقدم مؤسسة أممية إنسانية أنشئت كإقرار من المجتمع الدولي بمسؤوليته تجاه النكبة التي ألمّت بالشعب الفلسطيني الذي تشرد جراء احتلال 80% من فلسطين وتأسيس دولة إسرائيل. بالإضافة للتمويل الأمريكي للأونروا الذي لم ينقطع طوال الـ 70 سنة الماضية، بدأت الوكالة الأمريكية للمعونة (USAID) أو ما يعرف بالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بتمويل مشاريع إنسانية واجتماعية في الأراضي المحتلة منذ ثمانيات القرن الماضي عبر منظمات أمريكية غير حكومية. بعد إبرام اتفاقيات أوسلو وواشنطن شرعت الوكالة الأمريكية مباشرة بتنفيذ برامج في مختلف القطاعات في الضفة الغربية وقطاع غزة، أضيف لها منذ الانتفاضة الثانية دعم مالي مباشر لموازنة السلطة الوطنية. تطورت المساعدات الأمريكية في السنوات ما بعد الانقسام الفلسطيني لتشمل مختلف مجالات الحوكمة، والأمن، والإغاثة الطارئة، والخدمات الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية، والبنية التحتية.

تعرض هذا النهج الثابت في المعونة الأمريكية للشعب الفلسطيني، مهما تباينت مستوياتها وقنواتها ومقاصدها بين حقبة وأخرى شملت 12 إدارة جمهورية وديمقراطية متتالية، لهزة قوية بل لضربة قاصمة تمثلت في قرار الرئيس دونالد ترامب قطع جميع المساعدات الأمريكية المقدمة للشعب الفلسطيني من خلال مختلف القنوات (تمويل الأونروا، وبرامج الـUSAID، وبرامج حكومية ثنائية أخرى) اعتبارا من 2018-2019. من المعروف أن مساعدات الدول المانحة للشعب الفلسطيني، بما فيها الولايات المتحدة، كانت دائماً مرتبطة بسياسات تلك الدول تجاه القضية الفلسطينية، وتفاوتت قيمتها ومكوناتها وآلياتها وأهدافها بحسب مواقفها السياسية المتغيرة وأجنداتها التنموية الإقليمية والعالمية، وبخاصة في السنوات الـ 25 منذ اتفاقية أوسلو. لكن حتى دون تقدير الأثر الاجتماعي والاقتصادي لسياسة القطع، فإن تصرف ترامب يعتبر غير مسبوق في تاريخ العلاقة الأمريكية الفلسطينية ويشكل تصعيداً خطيراً في ممارسة الضغط السياسي من خلال موقف معادي ليس تجاه منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية فحسب، بل أيضاً تجاه الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية برمتها. بحسب إحدى الخبراء الأمريكيين "إن الهجوم على الأونروا هو جزء من هجوم واسع النطاق على المطالب السياسية للشعب الفلسطيني" (Feldman, 2018).

بغض النظر عن المبررات التي تتمسك بها هذه الإدارة لتفسير قرارها الجائر، إلا أنها لا تنكر بأن قرار قطع المساعدات يعتبر بمثابة عقاب جماعي لكل الشعب الفلسطيني، أو من قبيل توجيه رد أميركي سياسي ومالي على رفض القيادة الفلسطينية الانصياع لتوجهات إدارة ترامب بشأن القضية الفلسطينية وموقفها من القدس واللاجئين وانحيازها المطلق لسياسات إسرائيل الاستيطانية (Congressional Research Service, 2018). كما يعتبر القرار تراجعاً استراتيجياً في الرؤية الأمريكية المعتمدة منذ عقود حول مسؤولياتها الدولية ودورها كراعي لعملية السلام في الشرق الأوسط بالتحديد. هكذا يأتي الموقف الأمريكي الجديد ليضع حداً لمحاولتها الدائمة للظهور بمظهر "الوسيط النزيه"، والذي لم يكن معنياً بتعزيز الرفاهية والحكم الرشيد للفلسطينيين بقدر ما هو معني بالدفاع عن أطماع حليفه الأمني والسياسي والاقتصادي الأكبر في المنطقة. هذا ما دفع 34 عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي لتوجيه رسالة إلى الرئيس ترامب قالوا فيها: " إننا نشعر بقلق عميق تجاه إستراتيجيتكم الرامية إلى محاولة إجبار السلطة الفلسطينية على الجلوس إلى طاولة المفاوضات عن طريق حجب المساعدات الإنسانية المقدمة للنساء والأطفال، وما هي إلا إجراء مضلل سيقود حتماً إلى نتائج عكسية" (Congressional Research Service, 2018).

مساعدات الدول المانحة للشعب الفلسطيني، بما فيها الولايات المتحدة، كانت دائماً مرتبطة بسياسات تلك الدول تجاه القضية الفلسطينية، وتفاوتت قيمتها ومكوناتها وآلياتها وأهدافها بحسب مواقفها السياسية المتغيرة وأجنداتها التنموية الإقليمية والعالمية، وبخاصة في السنوات الـ 25منذ اتفاقية أوسلو.

صحيح أن مختلف السياسات الدولية الخارجية (والقومية الداخلية) الأمريكية انقلبت رأسا على عقب منذ قدوم ترامب إلى سدة الحكم برفقة فريقه غير المألوف في تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية، وأن الملف الفلسطيني كغيره من المسائل، خضع لأسلوب ترامب المثير للجدل في إدارة الحكم، المرتجل تارة والشوفيني الشعوبي (Chauvinism) تارة أخرى، لكن في الحالة الفلسطينية، لهذه السياسة الخارجية الأمريكية المتطرفة أبعاد إنسانية واجتماعية خطيرة قبل أن تكون صفعة سياسية رعناء. في جميع الأحوال، يبدو أننا أمام تغيير جوهري من المستبعد أن يتبدل في عهد هذه الإدارة، قد يطول لسنتين أو ست سنوات إضافية، ناهيك عن صعوبة التكهن بموقف السياسة الأمريكية حتى بعد رحيل إدارته.

في الأقسام التالية نستعرض تطور المعونات الأمريكية لفلسطين بالتركيز على الفترة 2001- 2018، التي شهدت ثلاث إدارات مختلفة (بوش الابن، وأوباما وترامب)، وتوزيعها بين عدد من القطاعات، ارتبط بعضها بمسائل حيوية لفئات واسعة من الشعب الفلسطيني، كالفقر والأمن الغذائي والخدمات الصحية والتعليمية. كما تتطرق الورقة إلى أبرز القطاعات المتأثرة بقطع المعونة والتي تتطلب استجابة تمويلية دولية وفلسطينية عاجلة لمنع إجبار فقراء ولاجئي فلسطين على دفع ثمن هذه السياسة الأمريكية القاسية.

اتجاهات تطور المساعدات الأمريكية لفلسطين 2001-2018

كما ذكر أعلاه، تركزت المساعدات الأمريكية سابقا في ثلاث مجالات رئيسية: دعم للأونروا من خلال آليات/برامج تمويلية متعددة الأطراف، المساعدات الإنسانية والتنموية الثنائية عبر الوكالة الأمريكية للمعونة USAID، ثم المساعدات الثنائية ضمن برامج السياسية الخارجية والأمنية التي تنفق من خلال عدد من الهيئات الحكومية وخاصة وزارة الخارجية.

1 - المساعدات متعددة الأطراف (الأونروا): ساهمت الولايات المتحدة بصفتها أكبر متبرع للأونروا بتمويل بلغ 6.25 مليار دولار منذ 1950، وصل في ذروته لقرابة الـ400 مليون دولار عام 2014، و360 مليون دولار في 2016 و2017، لينخفض إلى 65 مليون دولار عام ،2018 وصفر اعتباراً من 2019 (Congressional Research Service, 2018). كانت هذه الأموال الأمريكية تخصص ضمن برامج الأونروا في المساهمة سنوياً في تعليم 525 ألف طالب فلسطيني، وتوفير المعونة الغذائية لحوالي مليون لاجئ مقيم في قطاع غزة وتشغيل مرافق خدمات الصحة العامة في مختلف مخيمات اللاجئين المنتشرة بين فلسطين والأردن وسوريا ولبنان. جاء القرار الأمريكي النهائي في آب 2018 بوقف تمويل الأونروا بعد 69 سنة من الدعم بحجة عدم استعداد الولايات المتحدة "تحمل الحصة غير المتناسبة من عبء تكلفة تمويل الأونروا"، ولأن، برأي الإدارة، "نموذج العمل الأساسي والممارسات المالية التي ميزت الأونروا لسنوات – وهي مرتبطة بمجتمع الأونروا الذي لا نهاية لتوسعه – هو ببساطة غير قابل للاستدامة" (المصدر نفسه). لكن ما لا تكشفه التصريحات الرسمية الأمريكية هو أن المبرر الكامن وراء قرارها تجاه الأونروا هو الادعاء أن وجود الوكالة يعزز من بقاء قضية اللاجئين وحقهم في العودة في صدارة القضايا الخلافية التي تحبط محاولات الإدارة فرض أجندتها المعروفة بـ "صفقة القرن" (المصدر نفسه وFeldman, 2018). كما أن استمرار الدعم الأمريكي لبرامج اللاجئين الأخرى في المنطقة، خير دليل على أن الهدف الأمريكي من قطع التمويل عن الأونروا فقط هو التساوق مع المخططات الإسرائيلية لتصفية قضية اللاجئين.

2 - المساعدات الثنائية (المباشرة): تظهر البيانات الرسمية (جميع البيانات مستخرجة من USAID, 2019) أن مجموع ما أنفقته الإدارات الأمريكية المتتالية بين 2001 و2018 كمساعدات للشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة عبر جميع الوكالات الحكومية بلغ 6.9 مليار دولار، أو بمعدل سنوي للفترة كلها بواقع 385 مليون دولار. وبينما لم تتجاوز قيمة هذه المساعدات 100 مليون دولار سنويا قبل 2001، ارتفعت تدريجيا لتبلغ حوالي 200 مليون دولار عام 2007 استجابة للأزمة الإنسانية في أعقاب الانتفاضة الثانية، وتجاوزت كل المستويات السابقة حين وصلت إلى 890 مليون دولار عام 2009 و830 مليون دولار عام 2011 دعماً لميزانية السلطة الوطنية وجهودها في بناء مؤسسات الدولة خلال تلك الفترة. بالطبع لا يتعلق التفاوت في قيمة المساعدات بين سنة وأخرى فقط بالأحداث الميدانية والسياسية المتقلبة (الانتفاضة، الانقسام، مرحلة الإصلاح، ... الخ) لكنه يعكس أيضاً حدود القدرة الاستيعابية والاتفاقية والتفاوت بين الأولويات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية.

بالإضافة إلى تلك العوامل المحددة للمساعدات الأمريكية، من الواضح أن لكل إدارة سياستها الأكثر أو الأقل تعاطفاً أو عدوانية تجاه الشعب الفلسطيني، وأن التغير في حجم المساعدات يرتبط بالتباين في موقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة حول كيفية التعامل مع القضية الفلسطينية. يظهر ذلك في الاختلاف الكبير بين حجم الإنفاق الأمريكي في كل من عهد بوش الابن وأوباما وترامب، حيث تم إنفاق 2.3 مليار دولار في السنوات الثلاث الأولى لولاية الرئيس أوباما، وشكل الإنفاق الإجمالي خلال عهده (البالغ 4.9 مليار دولار) نسبة 71% من إجمالي المعونة المقدمة منذ 2001، يليه عهد بوش الابن (21%)، بينما بلغ إجمالي الإنفاق خلال أول سنتين لولاية ترامب 522 مليون دولار، كانت غالبيتها مخططة ومبرمجة قبل مجيئه للحكم.

يأتي الموقف الأمريكي الجديد ليضع حداً لمحاولت الادارة الامريكية الدائمة للظهور بمظهر "الوسيط النزيه". فهو لم يكن معنياً بتعزيز الرفاهية والحكم الرشيد للفلسطينيين بقدر ما هو معني بالدفاع عن أطماع حليفه الأمني والسياسي والاقتصادي الأكبر في المنطقة.

أشرف عدد من الهيئات الحكومية الأمريكية على برمجة وإنفاق المعونة الثنائية المقدمة ضمن بند الموازنة العامة الأمريكية المسمى بـ "صندوق الدعم والتنمية الاقتصادية (ESF)"، خاصة وكالة USAID، ووزارة الخارجية، ووزارة الدفاع، ووزارة الزراعة ووزارة المالية وبعض الوكالات الأخرى. كما يقدم جزء من المعونة للشعب الفلسطيني عبر برامج دولية أو إقليمية أمنية وسياسية مثل "منع انتشار التسلح ومكافحة الإرهاب ونزع الألغام (NADR)" و"الضبط الدولي للمخدرات وفرض القانون (INCLE)". يبدو جلياً أن وكالة الـ USAID كانت تدير الحصة الكبرى من المساعدات الأمريكية، والتي فاقت 90% بين السنوات 2001-2006. اعتباراً من 2007، بدأت هيئات أخرى بتمويل السلطة الفلسطينية وتنفيذ برامج مرتبطة بالتطوير المؤسسي وفرض القانون وإرساء الأمن، وانخفضت مساهمة الـ USAID لتتراوح بين 60 و80% في معظم السنوات، مع العلم أن ذروة تمويل الUSAID كانت في الفترة 2009-2013 حيث أنفقت الوكالة ما يزيد على 2.3 مليار دولار في تلك الفترة وحدها. السنة الوحيدة التي كانت فيها حصة الـUSAID من إجمالي المعونة الأمريكية أقل من النصف كانت 2016 حين بلغ التمويل لبرامج الUSAID 284 مليون دولار (%46). منذ مباشرة الوزارات الأمريكية (وبالأساس الخارجية والزراعة) في الإنفاق بشكل ملحوظ على برامج لصالح الشعب الفلسطيني (بواقع 70 مليون دولار في سنة 2007)، تضاعفت مخصصات تلك البرامج بسرعة ليصل الإنفاق بواسطتها في عام 2009 إلى 360 مليون دولار، ثم تفاوتت لتصل مساعدات وزارة الخارجية في السنة الأخيرة لرئاسة أوباما إلى 332 مليون دولار (انظر الشكل (1) أدناه).

الشكل (1): تطور المعونة الأمريكية المباشرة للضفة الغربية وقطاع غزة، حسب القطاع الرئيسي، 2001-2017 (مليون دولار)

المصدر: USAID Database (accessed at https://explorer.usaid.gov/aid-dashboard.html), 2019

المساعدات القطاعية الرئيسية وتأثير انقطاعها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الفلسطينية

مع التطورات المذكورة في قيمة المعونات الأمريكية، خاصة بعد ارتفاعها الكبير بعد 2008 وتراجعها التدريجي حتى توقفها عام 2018، بقي تركيز أكثر من نصف المساعدات في بند "الحوكمة" بلا تغير يذكر (الذي يضم عدد واسع من المواضيع)، بما يعكس أولويات الجهة المانحة وأيضاً الاستجابة للظروف الفلسطينية المتغيرة (بين مراحل الإغاثة والإصلاح والتنمية، ... الخ). شكلت حصة الحوكمة في سنتي 2009 (السنة التي وصلت المعونة إلى قمتها) و2017 (السنة الأخيرة للمعونة الأمريكية قبل قرارات القطع) (*)، 52% و54%على التوالي، رغم أن إجمالي قيمة المساعدات في السنة الأخيرة كانت فقط ثلث المستوى في 2009، مما يعكس ثبات نسبي بالاهتمام الأمريكي في هذا البند بالتحديد. تتوزع المساعدات تحت بند الحوكمة على ثلاث مجالات رئيسية: الحكومة والمجتمع المدني (116 مليون دولار و84 مليون دولار في 2009 و2017 على التوالي) والنزاعات والسلم والأمن (335 ألف دولار و17 مليون دولار) والغالبية العظمى ضمن بند الخدمات الاجتماعية. كان وما زال أكبر برنامج في مجال الحوكمة هي تلك المتعلقة بخدمات الرعاية الاجتماعية للفقراء، الذي انخفض من 362 مليون دولار عام 2009 إلى 104 مليون دولار عام 2017، أو ما يعادل 28% من مجمل المساعدات الأمريكية عام 2017. بين البرامج الـ11 المندرجة ضمن بند الحكومة والمجتمع المدني التي تشمل المجالات القانونية والمدنية والإعلامية والمؤسسية للحوكمة، نجد أكبر حصة وقيمة مساعدات موجهة "للإصلاح القانوني والقضائي" (116 مليون دولار و83 مليون دولار في 2009 و2017).

أما بالنسبة للمعونة الموجهة للقطاعات الأخرى فإن التغيير الأبرز هو التحول من الأولوية الإنسانية في فترة ما قبل 2010 حيث بلغت المساعدات الإنسانية الطارئة (المساعدات العينية والغذاء) 305 مليون دولار في 2009 (%33 من إجمالي المساعدات)، مقارنة ب 74 مليون دولار عام 2017 (20%). هكذا حصلت البرامج الخاصة بالإغاثة الإنسانية على المرتبة الثانية (حوالي 24%) من إجمالي المساعدات الأمريكية منذ 2001.

رافق هذا التراجع في قيمة المساعدات الإنسانية انخفاض مماثل بين 2009 و2017 في المعونة المخصصة لقطاعات البنية التحتية (خاصة النقل/الطرقات والتخزين) والتعليم (تعليم ابتدائي وتعليم عالي وتأهيل معلمين) والإنماء الاقتصادي (خدمات الأعمال، السياسة التجارية وتطوير قطاع الصناعة وخاصة المنشآت المتناهية الصغر) بواقع 70 و37 و44% على التوالي. شكلت حصة تلك القطاعات مجتمعة أقل من 9% من المعونة الأمريكية (فقط 32 مليون دولار) بحلول 2017. رغم التراجع الكلي في قيمة المعونة لقطاع الصحة والسكان (بما في ذلك توفير مياه الشرب الصالحة والرعاية الصحية الأساسية والإدارة الصحية) من 40 مليون دولار إلى 35 مليون دولار بين 2009 و2017، إلا أنه يبدو أن أهمية هذا القطاع النسبية في أولويات التمويل الأمريكي ازدادت من 4.4 إلى 9.5% من إجمالي المساعدات الأمريكية بين تلك السنتين.

كما جرت العادة مع غالبية الدول المانحة، فإن قطاع الزراعة لم يتلقى سوى القليل من المساعدات الأمريكية بواقع 2.3 مليون دولار عام 2009، انخفضت إلى 386 ألف دولار عام 2017، أو ما يعادل 0.1% من المعونة. طوال 18 سنة، بلغت المساعدات الأمريكية للزراعة الفلسطينية 29 مليون دولار فقط، نسبة بائسة - 0.4% - من إجمالي المعونة الأمريكية منذ 2001!

أخيراً، كحال جميع الدول المانحة فإن التكلفة المالية المفروضة لإدارة تخطيط وإنفاق كل هذه المبالغ تحسب كجزء من المعونة المقدمة لفلسطين، وقد ارتفعت من 19 مليون دولار عام 2009 إلى 29 مليون دولار في 2017، أي تضاعفت كحصة من 2% من إجمالي المساعدات إلى 8% وترافقت مع انخفاض القيمة الإجمالية للمعونة الأمريكية. ليس واضحاً السبب خلف قدرة الإدارة الأمريكية على ضخ ما يقارب مليار دولار من المساعدات في عام 2009 بكلفة إدارية أقل بكثير من تكلفة إدارة برامج بثلث تلك القيمة تقريباً عام 2017. ربما يعود الأمر إلى درجة التدقيق على الإنفاق التي باتت تخضع لها المساعدات في السنوات الأخيرة لأسباب سياسية أو تنفيذية، بالإضافة إلى احتمال تحقيق وفورات الحجم عند صرف مساعدات إنسانية واجتماعية ودعم موازنة كبيرة في 2009 مقارنة بـ 2017.

الشكل (2): التوزيع القطاعي المقارن للمعونة الأمريكية 2009 و2017

المصدر: USAID Database (accessed at https://explorer.usaid.gov/aid-dashboard.html), 2019

يعكس التوزيع القطاعي المقارن للمساعدات بين 2009 و2017 (كما يظهر الشكل (2) أعلاه) أمرين أساسيين: الالتزام ببناء مؤسسات السلطة الفلسطينية والإقرار بحجم المآسي الإنسانية والاجتماعية التي تواجه الشعب الفلسطيني، كل ذلك ضمن الرؤية الاقتصادية الليبرالية التي اتسمت بها المعونة الأمريكية عالمياً بأن مفاتيح التنمية تكمن قبل كل شيء بالإصلاح المؤسسي (الحكم الرشيد) ورعاية أشد الحالات فقراً (شبكات الأمان الاجتماعي)، بينما يمكن ترك الأسواق تتحكم بالنشاط الاقتصادي مع بعض التدخلات هنا وهناك لـ "إطلاق قوى السوق". مع أن هذه العقيدة التنموية باتت متقادمة وأظهرت عدم نجاعة إحداث تحولات تنموية جذرية في فلسطين وفي العديد من البلدان الأخرى، فإن التشبث الأمريكي بسياسات "إجماع واشنطن" في الحالة الفلسطينية، التي تحكم نصائح وتمويل المؤسسات المالية الدولية والخزينة الأمريكية التي مقرها واشنطن، ليس مستغرباً ولا يعود لأسباب عقائدية اقتصادية فحسب، بل يعكس أيضاً التصور الأمريكي للشكل السياسي المرغوب للدولة الفلسطينية التي كانت (حتى عهد ترامب على الأقل) تنادي بضرورة إقامتها.

أبرز القطاعات والفئات المتضررة من وقف المساعدات والبدائل المتاحة

بالإضافة للملاحظات بخصوص الطبيعة العقائدية للبرامج التي تنفذها الحكومة الأمريكية لصالح الشعب الفلسطيني (عدم دعمها الكافي للقطاعات الإنتاجية، والتركيز المبالغ فيه على فوائد الإصلاح المؤسسي، والتكلفة الإدارية الكبيرة) هناك انتقادات أكثر حدة بخصوص الدعم الأمريكي. تظهر بعض الدراسات أن توجيه جزء من المعونة إلى مشاريع تسهل التكييف مع واقع الاحتلال وجعله أمراً واقعاً (مثلاً شبكات الطرق التي تربط بعض المناطق الفلسطينية مروراً بمناطق المستوطنات أو بالالتفاف حولها بحجة تحسين "نسيج الحياة" للفلسطينيين)، إنما يؤدي إلى إطالة الوضع الراهن السيئ بدلاً من تغييره (Jabary-Salamanca, 2016). كما ينظر آخرون إلى أن القرار الأمريكي بمثابة هدية غير مقصودة للشعب الفلسطيني لأنه يحررهم من التعامل مع هذه الإدارة المعادية ويعزز من الاستقلالية السياسية والمالية الفلسطينية، على افتراض أن البدائل متوفرة، أو أنه يمكن الاستغناء عنها دون ضرر يذكر لأنها لم تكن تخدم المصالح الفلسطينية (Tartir and Wildman, 2019).

رغم كل هذه التحفظات، ليست هذه الورقة بصدد تقييم فعالية أو نزاهة المساعدات الأمريكية للشعب الفلسطيني، بل تسعى لإظهار مكوناتها بما يسهل على صانع القرار الاقتصادي الفلسطيني التعرف على القطاعات التي قد تتضرر بسبب قطع المساعدات وتلك البرامج التي يمكن التخلص منها دون أثر سلبي. كما أننا نؤكد أن هذه المعونة ليست هبة أو لفتة إنسانية أو عبارة مخلصة عن سخاء الشعب الأمريكي أو حتى إقراراً بحقوق الشعب الفلسطيني، فالسبب الأول لدوام هذه المعونة الأمريكية طوال 70 سنة هو أنها كانت منذ البداية حقاً فلسطينياً ثابتاً وضرورة سياسية دائمة إلى أن يتم حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً. لا يجب اعتبار تلقي الطرف الفلسطيني للدعم من أية جهة كانت بمثابة انصياع لمصالح/أجندات دولية سياسية ولا أن يُعتقد بأنه يمكن حماية أبسط الحقوق لـ 5 مليون لاجئ فلسطيني وإدارة السلطة الفلسطينية تحت الاحتلال دون مساعدة مالية دولية، مهما تراجعت بين حين وآخر. من هنا تأتي ضخامة الإساءة التي ارتكبتها هذه الإدارة في موقفها هذا (وغيره من القرارات الجائرة مثل الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل)، كما تأتي ضرورة مواجهة قرار قطع المعونة ليس فقط لتوفير بدائل عنها، بل أيضاً لعدم السماح لأي طرف التعدي على الحقوق المعيشية للشعب الفلسطيني من خلال خوض حرب مالية ضده.

الخيط الوحيد الذي قد تبقيه الإدارة الأمريكية مع الشعب الفلسطيني هو برنامج جديد مطروح أمام الكونغرس للتمويل بعنوان "صندوق الشراكة الفلسطينية" بقيمة سنوية 150 مليون دولار، يخصص لمشاريع اقتصادية وبحثية واستثمارية مشتركة بين الشركات الفلسطينية والأمريكية والإسرائيلية (بما في ذلك الشركات المقامة في المستوطنات الاستعمارية الإسرائيلية)، وهو يعكس مضمون وأهداف "صفقة القرن" ومدى الانحطاط في الموقف الأمريكي.

عند النظر إلى خارطة المساعدات الأمريكية في 2017 يمكن ترتيب المجالات الحيوية والأقل أهمية لها على النحو التالي:

1 - تمويل الأونروا: من المؤكد أن من أبشع جوانب القرار الأمريكي هو حجب التمويل عن الأونروا وما يعنيه ذلك لاستدامة الوكالة المالية والخدمية، بالإضافة إلى أبعاد القرار فيما يتعلق بالموقف الأمريكي اتجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين. يعتبر بعض المحللين أن مقاطعة الأونروا تعكس نفس الأسلوب الذي تعامل به ترامب مع مسألة القدس (في "سحبها عن طاولة" المفاوضات)، أي إلغاء متدرج لما تسمى "بمسائل الوضع الدائم" التي تم ترحيلها إلى مفاوضات الوضع الدائم بحسب اتفاقيات أوسلو. حتى تاريخه، يبدو أن الأونروا استطاعت استبدال المعونات الأمريكية بزيادة تمويل من جهات أوروبية وعربية (التزامات بواقع 425 مليون دولار لتغطية عجزها). مع مطالبة بعض الدول بتبني الأونروا لإجراءات تقشفية في الإنفاق على الخدمات المقدمة للاجئين، يحذر العديد من المراقبين من العواقب الاجتماعية الوخيمة للمزيد من التقشف في خدمات الوكالة المحدودة أصلاً في فلسطين وفي الشتات. بالتالي يبدو أن الاستدامة المالية للأونروا ليس بالضرورة شيئاً مضموناً، لذا يجب ألا تعفى الولايات المتحدة من مسؤولياتها السياسية التاريخية تجاه اللاجئين الفلسطينيين، بغض النظر عن التغييرات في سياساتها تجاه القضية الفلسطينية بين إدارة وأخرى.

2 - المساعدات الثنائية الحيوية التي يجب إيجاد بدائل عنها: إذا اعتبرنا أن التمويل الحيوي الذي لا بد من عدم قطعه هو ما يتصل مباشرة بالخدمات التي تضمن حياة كريمة للمواطنين الفلسطينيين ومعيشة الفئات الأكثر فقراً أو تهميشاً، يمكن تحديد البرامج المذكورة في الجدول (1) أدناه والتي تعتبر أولوية تمويلية للحكومة، سواء من مواردها أو من معونة دولية بديلة بتكلفة تقدر بما لا يقل عن 250 مليون دولار في أفضل الأحوال. إن المتضررين من قطع هذه المساعدات هم من المستفيدين من الإعانات النقدية والغذائية التي توفرها الحكومة الفلسطينية وشركائها الدوليون، بالإضافة إلى المستفيدين من برامج أخرى (مثلا فيما يتعلق ببناء المدارس والمساعدات في المجال الطبي كمرض السرطان، ... الخ). تُظهر هذه التأثيرات بشكل جلي طبيعة الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية للسياسة الأمريكية الجديدة في محاربة فلسطين من خلال استهداف فقرائها. إن عدم مواصلة الإنفاق في هذه المجالات سيؤثر سلبا على التنمية والرفاهة الاجتماعية، والواضح أن قطع هذه المساعدات الحيوية وخاصة مخصصات التنمية الاجتماعية والإغاثة الإنسانية قد يلقي بعبء غير ممكن قبوله على الفقراء والمحرومين الفلسطينيين، في حال لم يتم تعويضها.

جدول (1): المعونة الأمريكية المقدمة للقطاعات الاقتصادية والاجتماعية الحيوية، مقارنة بين 2009 و2017 (مليون دولار)

المصدر: USAID Database (accessed at https://explorer.usaid.gov/aid-dashboard.html), 2019

3 - المساعدات الأمريكية التي يمكن الاستغناء عنها أو لا تعتمد إدارة القطاع المعني على استمرارها: ربما يكون مثل هذا التحديد بمثابة اجتهاد يخضع لرؤى اقتصادية مختلفة بشأن أهميتها، لكن من المفترض أن تستطيع السلطة الوطنية إدارة أمور الحوكمة التي كانت تتلقى الدعم الأمريكي دون وجود حاجة ملحة للبحث عن بديل لها، أي ما يقارب 150 مليون دولار من التمويل الأمريكي السنوي لمختلف برامج الحوكمة و"بناء السلام" والأمن والتكاليف الإدارية الأمريكية.

4 - مستقبل المساعدات الأمريكية للشعب الفلسطيني: بعد القرار الفلسطيني في شهر كانون ثاني 2019 بعدم تلقي آخر بند من المعونة الأمريكية (حوالي 60 مليون دولار مخصصة للبرامج الأمنية) يبدو أن الخيط الوحيد الذي قد تبقيه الإدارة الأمريكية مع الشعب الفلسطيني هو برنامج جديد مطروح أمام الكونغرس للتمويل بعنوان "صندوق الشراكة الفلسطينية" بقيمة سنوية 150 مليون دولار، يخصص لمشاريع اقتصادية وبحثية واستثمارية مشتركة بين الشركات الفلسطينية والأمريكية والإسرائيلية (بما في ذلك الشركات المقامة في المستوطنات الاستعمارية الإسرائيلية (Congressional Research Service, 2018). ربما أكثر من أي خطوة أميركية معادية أخرى شهدت منذ مجيء ترامب للحكم، يعكس هذا البرنامج مضمون وأهداف "صفقة القرن" العتيدة، ومدى الانحطاط في الموقف الأمريكي تجاه قضية فلسطين، بمحو الكيان الفلسطيني المستقل وتقزيمه إلى مجرد شريك تجاري للمال الأمريكي والإسرائيلي.

خلاصة

إذاً، في أفضل الأحوال الاقتصادية والسياسية، ربما من الممكن تأمين ما يعادل الـ 250 مليون دولار من المساعدات الأمريكية الحيوية المتوقفة. لكن في حال أضيف إلى هذه الحملة المالية الأمريكية التي تستهدف فقراء فلسطين قبل غيرهم، تصعيد في الحصار المالي الذي تهدد سلطات الاحتلال بفرضه من خلال التعدي على الاستحقاق الفلسطيني من أموال المقاصة الضريبية التي يفترض على إسرائيل تحويلها كاملة ودون شروط أو خصومات (فيما يُشبه جبهتان في حرب مالية واحدة)، فإن المشهد المالي والاقتصادي الفلسطيني في 2019 ينذر بالخطر. أظهرت التجارب السابقة في 2006-2007 و2011-2012 في مواجهة مثل هذه العقوبات المالية الإسرائيلية والدولية قدرة النظام المصرفي والخزينة الفلسطينية على التأقلم مع مثل هذه العقوبات المالية لمدة 3-12 شهر، كما أكدت على ذلك دراسة لماس:

في حالات سابقة، تم نقل أثر تعليق تحويل إيرادات المقاصة على النظام المصرفي الفلسطيني من خلال المزيد من الاقتراض للسلطة الوطنية الفلسطينية، وتأجيل أو تخفيض مبالغ تسديد القروض الخاصة بموظفي السلطة الوطنية الفلسطينية وموردي القطاع الخاص، بالإضافة إلى زيادة مخاطر الائتمان بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية. حتى الآن، لم تؤدي عمليات تعليق تحويل المقاصة إلى حدوث اضطرابات كبيرة في النظام المصرفي. الترتيبات التعاونية بين سلطة النقد الفلسطينية وخزينة السلطة الوطنية والنظام المصرفي نجحت في الماضي في تجنب الأزمة المالية (Hamed, 2017).

من جهة ثانية، تؤكد دراسة حديثة لماس حول التجارب الدولية في تمويل نشاطات الحكومة من خلال منح الأولية للإنفاق الاستثماري في إنماء القطاعات الإنتاجية، أنه من الممكن في الحالة الفلسطينية تحمل زيادة في العجز العام إذا اقتضت الظروف الطارئة أو الإستراتيجية التنموية ذلك:

لذا، يجب على السلطة الوطنية الفلسطينية أولاً تكثيف جهودها للحصول على أموال من مانحين خارجيين جدد، وفي النهاية توسيع نطاق الشراكات الدولية (على سبيل المثال التركيز على آسيا). ينبغي أن يتم تضمين استخدام هذه المنح في إستراتيجية إنمائية أوسع نطاقاً، بحيث تتم طمأنة الجهات المانحة بأن الأموال تُستثمر مباشرة في البنية التحتية والأنشطة الإنتاجية (وليس الاستهلاك). ثانيا، ينبغي تجنب أي قيود قانونية على تراكم الدين الحكومي. يضع مثل هذا الموقف حدا تعسفياً للتمويل الحكومي، بينما يتجاهل مواقف الادخار والاستثمار في القطاعات الأخرى. طالما لم يتم فرض حد ملزم للدين العام، يمكن للحكومة الحصول على ائتمان إضافي مع سلطة النقد الفلسطينية، حيث يبدو أن هناك مجال للمناورة. تستطيع سلطة النقد بدورها تعزيز قدراتها من خلال تعاون أوثق مع بنك إسرائيل المركزي، والذي يجب على الأقل أن يتضمن إنشاء تسهيل ائتماني يسمح بالوصول إلى الاحتياطيات للشيكل الإسرائيلي (Flassbeck et al, 2019)

إن الأسئلة التي تطرحها هذه الورقة للدراسة والمناقشة حول الخطوات المتاحة لاستيعاب الصدمة المالية المتوقعة بسبب قطع المساعدات الأمريكية (وأية عقوبات مالية إسرائيلية محتملة) ولتأمين التمويل الكامل لبرامج السلطة الاجتماعية المهددة ولبرنامجها الاستثماري اللازم، تتلخص بالاحتمالات التالية:

1. ما هي احتمالات تكثيف وتنويع جهود تأمين الحد الأقصى من المنح (أو القروض) الدولية الموجهة لتمويل الاستثمار العام في البنية التحتية والاقتصاد المنتج؟
2. ما هي الإجراءات التقشفية الممكنة في الإنفاق الجاري وما مدى إمكانية تحملها، خاصة فيما يتعلق بموازنات تشغيلية للوزارات، تأجيل نسبة محددة من رواتب الموظفين (بحسب مستوى الراتب)، تشجيع التقاعد المبكر وتجميد التوظيف الجديد؟
3. هل يمكن زيادة الالتزام الضريبي للمكلفين حالياً، أو إجراءات أخرى من شأنها توسيع الإيرادات الضريبية، دون للجوء إلى (العملية الأصعب والأخطر المتمثل في) توسيع القاعدة الضريبية؟
4. هل السلطة الوطنية جاهزة لانتهاج برنامج استثماري وتجاري يشجع الاقتصاد المحلي والإيرادات الضريبية الناجمة عن زيادة الإنتاج المحلي؟
5. هل توجد آفاق لتغييرات في السياسة التجارية، تقلل الاعتماد على المقاصة من إسرائيل لتمويل النشاط الحكومي؟
6. ما هي الفرص أمام البرامج الدولية المتأثرة للتعويض عن قطع التمويل الأمريكي لموازناتها دون التراجع في المساعدات المقدمة للفقراء؟
7. كيف يمكن لدولة فلسطين الاعتراض القانوني والدبلوماسي في المحافل الدولية للقرار الأمريكي على وقف تمويل الأونروا، على أساس أن هذه الوكالة تنفذ التزام مبدئي قانوني يقع على جميع الدول الوفاء به؟

المراجع

Congressional Research Service (Specialist in Middle Eastern Affairs – name redacted), “U.S Foreign Aid to the Palestinians”, December 12, 2018
Omar Jabary-Salamanca, “Assembling the Fabric of Life: When Settler Colonialism Becomes Development”, Journal of Palestine Studies Vol. XLV, No. 4 (Summer 2016)
Ilana Fedlman, “Trump’s Full Spectrum Assault on Palestinian Politics”, Middle East Report (MERIP), 12 February, 2019.
Heiner Flassbeck, Patrick Kaczmarczyk and Michael Paetz, Macroeconomic Structure, Financial Markets, and the Financing of Government Activity: Lessons for Palestine, Palestine Economic Policy Research Institute, 2019.
Osama Hamed, Government Borrowing and Liquidity and the Stability of the Palestinian Banking System, Palestine Economic Policy Research Institute, 2017.
Alaa Tartir and Jeremy Wildman, “Why cutting US aid will help Palestinians - and peace”, Middle East Eye, 6 February 2019.
USAID Database (accessed at https://explorer.usaid.gov/aid-dashboard.html), 2019.

(*) تم اختيار سنة 2009 و2017 في هذا القسم كون 2017- سنة "عادية" – وسنة 2009 – سنة أزمة إنسانية.

مقالات من فلسطين

إرهاب المستوطنين في الضفة الغربية تحوّل إلى "روتين يومي"... استعراض عام لتنظيمات المستوطنين العنيفة!

2024-04-18

يستعرض هذا التقرير إرهاب المستوطنين، ومنظماتهم العنيفة، وبنيتهم التنظيمية، ويخلص إلى أن هذا الإرهاب تطور من مجرد أعمال ترتكبها مجموعات "عمل سري" في الثمانينيات، إلى "ثقافة شعبية" يعتنقها معظم شبان...

غزة القرن التاسع عشر: بين الحقيقة الفلسطينية والتضليل الصهيوني

شهادة الكاتب الروسي ألكسي سوفورين الذي زار غزة عام 1889: "تسكن في فلسطين قبيلتان مختلفتان تماماً من حيث أسلوب الحياة: الفلاحون المستقرون والبدو المتجوّلون بين قراها. الفلاحون هنا هم المزارعون....

للكاتب نفسه