قضية "آيت الجيد"بالمغرب: حقٌ أم دفاتر عتيقة؟

من دون الاستخفاف في أي وقت من الاوقات بالبعد القضائي وبالحق، فهل يستقيم هنا الاعتداد بهما في موضوع إعادة فتح المحاكمة بمقتل الطالب اليساري آيت الجيد في الجامعة عام 1993؟ أم أن الموقف الحالي يشبه سلوك التجار المفلسين الذين "يبحثون في الدفاتر العتيقة"، أو هو نتاج صراعات أخرى ليست السلطات ببعيدة عنها؟
2019-01-08

سعيد ولفقير

كاتب وصحافي من المغرب


شارك
شريف زردومي - الجزائر

هل بات الخلاف بين اليساريين والاسلاميين مفلساً فكرياً وسياسياً، وضيقاً، بحيث ينحصر في التقاضي وفي اجترار حوادث (1) ولَّت ومضت والاعتداد بها لتصفية الحسابات؟

ومن دون الاستخفاف بالبعد القضائي في أي وقت من الاوقات، فهل هو يستقيم هنا؟ أم أنه يمكن تشبيه هذه المواقف بـ"حسابات التجار المفلسين الذين يبحثون في الدفاتر العتيقة"؟

معركة اليوم!

"المشاركة في شجار أفضى إلى القتل من دون نية إحداثه"، هي التهمة القضائية التي طالت وقتها القيادي في حزب العدالة والتنمية، عبد العلي حامي الدين، على خلفية نشوب مواجهات بين طلاب إسلاميين ويساريين في أحد أيام شهر آذار/ مارس من عام 1993، قتل فيها الطالب اليساري "محمد آيت الجيد". بعد الحادثة، حُكم على "حامي الدين" (وإثنين من رفاقه) بسنتين سجناً نافذاً قضاها كاملة في المحبس، وتمت تبرئته من القتل العمد. وفي سنة 2005، صدر بحقه مقرّراً تحكيمياً من قبل "هيئة الانصاف والمصالحة" يقضي بأنّ اعتقاله كان تعسفياً. وهذه هيئة وطنية مغربية انشأت في مطلع 2004، لتسوية وإغلاق ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في البلاد، وبالاخص منها ما يتعلق بجرائم وانتهاكات "سنوات الرصاص" التي شاعت في ظل الملك السابق الحسن الثاني. وقد استلهمت "هيئة الانصاف والمصالحة" التجربة الجنوب افريقية، حيث تأسست "لجنة الحقيقة والمصالحة" في العام 1995.. بعد زوال نظام التمييز العنصري، وفي ظل سلطة نيلسون مانديلا، وكان يُقايَض فيها الذنب بالاعتراف به وطلب المغفرة من صاحب الحق.

وعلى الرغم من قضائه لعقوبته الحبسية في حينه، ودفعه بأنه - هو كذلك - كان ضحية "اعتداء أمام باب كلية الحقوق بمدينة فاس"، إلا أن دم"آيت الجيد" ما زال يلاحق حامي الدين، وقد جرت محاولات متكررة لاعادة فتح الملف. ومنذ أيام، في 25 كانون الاول / ديسمبر الماضي، عقدت جلسة الاستماع وسيصدر الحكم في شباط/ فبراير القادم. التهمة اليوم هي "المشاركة في القتل العمد مع سبق الإصرار والترصّد"، والقضية فُتِحَت من جديد بعد تقدم شاهد بروايته التي قد تغير مجرى المحاكمة، بينما يراها مدافعون عن القيادي بالحزب الاسلامي تصفية حسابات وتسييس للقضية بعدما عولجت قضائياً.

لماذا الآن؟

يتشبث المدافعون عن عبد العلي حامي الدين بكونه "ضحية مؤامرة" غايتها تصفيته معنوياً، كما حصل مع سياسيين أو معارضين للسلطة على السواء. والدليل بحسبهم هو آراؤه المعارِضة، لا سيما موقفه الأخير من الملكية، إذ قال بأن هذه المؤسسة في شكلها الحالي "تعيق التقدم والتنمية والتطور"، وجاء كلامه هذا على خلفية اعفاء رئيس الحكومة السابق "عبد الاله بنكيران"، الذي كسب حزبه انتخابات البرلمان عام 2016. وحامي الدين معروف بقربه من بنكيران. سارع "العدالة والتنمية" الى إحتواء الموقف وتبرأ من تصريحات هذا القيادي تحت ضغط توجيهات سيادية.. وأيضاً وربما، كمؤشر على قوة الخلافات الداخلية التي تخترقه.

.. وعلى الرغم من تلك الخلافات، فقد صرح رئيس الحكومة سعد الدين العثماني - وهو قيادي من "العدالة والتنمية" حلّ مكان بنكيران - أنه "لا مجال للتشكيك في هذه المسألة". أما مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الانسان، فقد أعرب عن "غضبه" من القضاء واجتهاداته حيال القضية.. في وقت لا يتوانى عن الدفاع عن "استقلالية القضاء ونزاهته" بخصوص الأحكام الصادرة بحق معتقلي "حراك الريف"، وهي التي وصفها ابناء هذا الحراك بـ"الظالمة" و"المسيسة".

لا يرى اليساريون المدافعون عن دم "آيت الجيد" بأن توقيت اعادة محاكمة "حامي الدين" جاء كانتقام وتصفية حسابات ضيقة، أو كتوظيف سياسي مدفوع من السلطة لخلق صراع متجدد بين الطرفين. بل يعتقدون بأن القضية كانت منسية وأنها تستحق التضامن، إذ تم التغاضي عن التفاصيل وطمس بعض الحقائق المرتبطة بها أو تغييرها. كما أن دعم جهات حكومية من حزب العدالة والتنمية لأخيهم في المحافل القضائية، هو مؤشر بأن الحكم لن يكون - بحسبهم - عادلاً ومحايداً بل سينحاز للطرف الأقوى.

لا يرى اليساريون المدافعون عن دم "آيت الجيد" بأن توقيت اعادة محاكمة "حامي الدين" جاء كانتقام وتصفية حسابات ضيقة، أو كتوظيف سياسي مدفوع من السلطة لخلق صراع متجدد بين الطرفين. بل يعتقدون بأن القضية كانت منسية وأنها تستحق التضامن.

"الجمعية المغربية لحقوق الانسان"، ذات التوجه اليساري - العلماني، ترى بأن القضية يكتنفها الغموض، وترفض "توظيف قضية آيت الجيد لتصفية الحسابات السياسية، سواء من طرف الدولة أو غيرها - على حساب الكشف عن الحقيقة ومتابعة الجناة الحقيقيين". كما أنها تحمِّل المسؤولية للسلطة لـ"تواطئها وحيادها السلبي في الهجوم على جامعة فاس، وعدم قيام القضاء بالتقصي والتحري والبحث الجدي المعمق، لكشف كافة عناصر الجريمة وملابساتها".

هل بات الصراع منحصراً في التقاضي؟

في ما مضى، كان الخلاف القائم بين الاسلاميين واليساريين يدور حول شكل الدولة ونظام الحكم فيها، وتصوراتهما للمجتمع وقوانينه وخياراته الاقتصادية والثقافية.. وفي التسعينيات من القرن الفائت، كانت الجامعة المغربية مسرحاً رئيسياً لهذا التصادم الذي وصل إلى حد العنف الدموي بين الطرفين. وكان يتم توظيف تيارات الاسلام السياسي في الجامعات في تلك الحقبة من أجل ضرب اليساريين، والعكس بالعكس! الصراع كان بغرض التمكين أو كسب المزيد من التمثيل الطلابي في "الاتحاد الوطني للطلبة" بالمغرب، وكان في نهاية المطاف يصب في مصلحة السلطة ويخدم موازين القوى المتحكمة في المشهد السياسي.

يقول المدافعون عن عبد العلي حامي الدين أنه "ضحية مؤامرة" غايتها تصفيته معنوياً، كما حصل مع سياسيين أو معارضين للسلطة على السواء. والدليل بحسبهم هو آراؤه المعارِضة، لا سيما موقفه الأخير من الملكية، إذ قال بأن هذه المؤسسة في شكلها الحالي "تعيق التقدم والتنمية والتطور".. كما أن هناك صراع مستعر داخل "حزب العدالة والتنمية" نفسه.

حالياً، لم يعد الصراع قائما بشكل صافٍ بين التيارين، وإنما تتباين المواقف داخل كلٍ منهما. فاليساريون الاصلاحيون مثلاً ("فيدرالية اليسار الديمقراطي") يتنازعون مع إسلاميي الحكومة على كسب الاصوات الانتخابية، وعلى الرغم من أن المقارنة لا تستقيم بين الطرفين من الناحية الانتخابية، إلا أن الطرف اليساري يحاول قدر الامكان أن يستثمر في المعارضة من خلال توظيف أخطاء وتجاوزات الطرف الثاني سياسياً وعبر الاحتجاج على "قراراته النيوليبرالية" والتنديد بها.

ولكن ذلك لا يشكل منهجاً بديلاً بذاته. كما لا يكفي فتح الدفاتر العتيقة لبلورة خط سياسي أو حتى لاظهار نقاط الافتراق التي تهم مجتمعاً منهكاً يعاني الافقار وتردي الخدمات العامة من تعليم وصحة، والبطالة المهولة، وويلات الهجرة غير النظامية..

__________________________

1- تذكر اعادة فتح قضية الطالب اليساري "محمد آيت الجيد"، بما جرى في مصر، حيث نُبش أن القيادي السابق في "الاخوان المسلمين"، عبد المنعم أبو الفتوح، كان يحمل سلاسل حديدية خلال عراكات الجامعة في السبعينات من القرن الماضي التي تَواجه فيها الاخوان واليساريون.. وأن ذلك سبب للشماته باعتقاله من قبل سلطة عبد الفتاح السيسي في شباط /فبراير 2018، التي كانت تُجري في حينه – وما زالت - اعتقالات واسعة لكمّ الافواه وتعطيل الحياة السياسية. وبدل وضع حدث اعتقال الرجل في سياقه هذا، جرى استحضار تهمة تكاد تنتمي الى نصف قرن مضى.. علماً بأن ابو الفتوح غادر صفوف الاخوان منذ سنوات، على إثر خلافات شبه علنية مع خط التنظيم وقيادته، واتبع نهجاً منفتحاً سياسياً على التحالفات والتوافقات (السفير العربي).

مقالات من المغرب

الناجح: لا أحد

نحتار ونحن نَطّلع على مؤشرات التعليم في المغرب خلال العقدين الأخيرين، بين مستوى المدارس والتعليم حسبَ ما نعاينه فعلياً من جهة، وما تقوله من جهة ثانية الإحصاءات الدّولية حول التعليم،...

للكاتب نفسه