انحطاط السياسة!

ما انحطاط السياسة؟ أن يُغلِّب السياسيون، أفراداً وأحزاباً، مصالحهم على أي شأن آخر. فقط؟ بل أن تسيطر عليهم بلادة فكرية وشعورية تَحُول دون إحساسهم بالواقع، وتدفعهم إلى الإمعان في ما ألِفوه، وتُعْجِزهم عن معرفة المطلوب، وتُطْفِئ خيالهم السياسي، وتسهل لهم الكذب على غيرهم، والأهم على أنفسهم.. هل للسياسة وجه آخر غير هذا، المعتَبَر عادياً بل وتعريفياً لها، وسواه وهمٌ أو شِعرٌ أو بلاهة. لا تفعل الثورة
2015-12-10

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك
خالدة جرّار

ما انحطاط السياسة؟ أن يُغلِّب السياسيون، أفراداً وأحزاباً، مصالحهم على أي شأن آخر. فقط؟ بل أن تسيطر عليهم بلادة فكرية وشعورية تَحُول دون إحساسهم بالواقع، وتدفعهم إلى الإمعان في ما ألِفوه، وتُعْجِزهم عن معرفة المطلوب، وتُطْفِئ خيالهم السياسي، وتسهل لهم الكذب على غيرهم، والأهم على أنفسهم.. هل للسياسة وجه آخر غير هذا، المعتَبَر عادياً بل وتعريفياً لها، وسواه وهمٌ أو شِعرٌ أو بلاهة. لا تفعل الثورة المضادة التي أعقبت انتفاضات 2011 في منطقتنا غير تعزيز هذا اليقين المنتشِر.
وهو حال العالم كله أو يكاد، وآخر مظاهره صعود اليمين الفرنسي شبه الفاشي إلى رأس الانتخابات الجهوية في دورتها الأولى الأحد الفائت، بما يفوق توقعاتها هي نفسها، وذلك كردٍّ على الأزمات المعيشية والاجتماعية وعلى الخوف من إرهاب "الآخرين".. نجاح منسلٌّ من إفلاس الليبراليين واليساريين الذين فقدوا كل مبادرة وكل تصوّر، وراحوا يتنافسون على تطبيق برنامج الفاشيين أنفسهم، ويتبنّون خطابهم، حينما لا يزايدون عليهم.. أو انسجام تسيبراس، الرئيس اليوناني "اليساري" جداً، مع إسرائيل التي زارها الأسبوع الفائت ووقع معها اتفاقيات شاملة، وتباهى بـ "المعركة المشتركة ضد الأصولية الإسلامية"، ولم يلتفت بكلمة إلى الشعب الفلسطيني المكافح وحدَه في ظل إطباق الرداءة هذا، والذي كان عدد شهدائه قد تجاوز المئة في شهرين.. في الوقت عينه الذي كان الرئيس الفرنسي الاشتراكي يتبختر على ظهر حاملة طائرات ترابض قبالة شواطئ سوريا، في إعادة بائسة ("Remake") لما قام به بوش في زمانه، ولكن مع الحفاظ على "الأناقة" الفرنسية، أي بالبذلة المدنية وبلا يافطات هوليوودية مبتذلة خلفه كما فعل صاحبه.
على الرغم من ذلك، شعاعات الضوء موجودة، يجسّدها شباب ومَن بقوا شباباً رغم السن والتجارب، كخالدة جرّار، المناضلة الفلسطينية والنائبة في المجلس التشريعي، التي حُكم عليها من يومين بالسجن في إسرائيل لـ15 شهراً بتهم خلاصتها أنها "ضد الاحتلال"، فرفعت أصفادها ضاحكة؛ أو كزميلنا الباحث والصحافي المصري اسماعيل الاسكندراني الذي ما زال معتقلاً ويتعرّض للاستجواب، لأن روايته عن الوقائع خالفت رواية السلطة، فيفنّد بصبر التهم الرعناء، ويتعاظم تضامن مفكرين كبار من العالم معه.. في الواقع، هناك عدد لا يُحصى من المقاوِمين، أفراداً وجماعات، في بلادنا وفي العالم كله، بخصوص فلسطين وبخصوص كل أنواع الظلم الأخرى، بخصوص عالم بات مهدّداً فعلاً ووجودياً بسبب السياسات المتّبعة. وهم يحملون الجواب.    

للكاتب نفسه

ماذا الآن؟

وقعتْ إسرائيل في خانة المستعمِر، واهتزت بقوة "شرعيتها" المصنوعة بتوأدة. حدث ذلك بفعل مقدار منفلت تماماً من همجيتها في الميدان وصل إلى التسبب في الصدمة للناس، وكذلك بفعل التصريحات والخطب...