العراق، عام آخر..

مر ثلاثة عشر عاماً. ليست المسألة في عدّ السنين ولا في الاحتفال الرمزي بها، بل هي مجرد مناسبة لمقاومة الذاكرة اللحظية التي طغت وسادت، والتي توظف في المساعدة على قطع الطريق على التعامل مع الرداءة وعلى تلمس كيفيات الخروج من دائرتها. ننسى أن استهداف العراق وقع لأنه المكان الذي يجمع الدينامية البشرية والإمكانات الاقتصادية معاً، بكل تداخلهما وتشعبهما، ولأنه في موقع جغرافي مركزي من مجمل المنطقة، بما
2016-03-24

شارك
هاتف فرحان - العراق

مر ثلاثة عشر عاماً. ليست المسألة في عدّ السنين ولا في الاحتفال الرمزي بها، بل هي مجرد مناسبة لمقاومة الذاكرة اللحظية التي طغت وسادت، والتي توظف في المساعدة على قطع الطريق على التعامل مع الرداءة وعلى تلمس كيفيات الخروج من دائرتها. ننسى أن استهداف العراق وقع لأنه المكان الذي يجمع الدينامية البشرية والإمكانات الاقتصادية معاً، بكل تداخلهما وتشعبهما، ولأنه في موقع جغرافي مركزي من مجمل المنطقة، بما يتجاوز العالم العربي نفسه. وما استُهدف هو الإمكان وليس الواقع المباشر. بل إن هذا الأخير سهّل الاستهداف، ما يطرح بامتياز الصلة بين المحلي والعالمي: لولا الديكتاتورية والاستبداد لما أمكن لمخطط إسرائيلي أو إمبريالي أو أياً كان اسمه أن يفعل فعله ولا أن ينجح. وهذا يُخرج "المخطط" من دائرة التآمر ليضعه من جديد في مكانه الصحيح: كل طرف يسعى إلى مصالحه ويخطط لها، وهذا هو الأمر الطبيعي. ولنبدأ من هنا وليس من سواه. فهذا ما يتيح بلورة مفهوم المصلحة العامة وربطه بفكرة الحكم، ومعهما بالمواطنة. بديهيات؟ كل ما يُمارس في منطقتنا يعاكسها، ويزدريها ويذهب إلى أشكال من الإنابة عن الناس، بالقوة أو بالأبوية السمجة، وإلى أشكال من إلغائهم وتعطيلهم عن الشأن العام.
ضربة العراق تلك في 2003 لم تكن الأولى به ولا الأخيرة. فمذاك استبيح البلد، بداية مع القنصل الأميركي بريمر، ثم مع أتباعه المحليين وبعد ذلك مع كل من يخطر بباله الطمع بالبلد المستباح. وعلى الرغم من ذلك، يقاوم العراقيون الذين أنهكتهم الحروب المهولة المتوالية والاستبداد المديد، ورأوا أمام أعينهم النهب والانحطاط يغلفان كل شيء. تجاوزوا التقاتل وفق الانقسام المذهبي وما زال التضامن الاجتماعي اليومي، الفردي والجماعي يمثل درعاً حامياً لهم وما زالت أغلبيتهم الساحقة تفخر ببلاد الرافدين وتعتدّ بهوية جامعة. هم يقاومون بما يملكون من أدوات على الرغم من أنها باتت قليلة ضعيفة، وعلى الرغم من وهنهم بسبب شدة ظروفهم البائسة. يكفي أن نرى تبلور المطالب العامة، والاستمرار في التحرك العام. لعل لحظة الإنجاز لم تحن بعد. لا بأس. هي ما زالت حاضرة يُسعى إليها. وهذا "الاحتمال" الحي ثمين.