ظاهرة ترامب مطابقة للحال العام

"عنف التجاهل" حين لا يكون عنف الحروب. عنف تجاهل ما لا يتناسب مع رغبات المتسلطين: فلسطين وغزة والقدس، والمهاجرين، وتلوث الارض، والجوع المرعب المتعاظم.. ومعها المقاييس والهيئات المتوافق عليها.
2018-06-23

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك
سبهان آدم - سوريا

آخر قرارات الرئيس الأميركي كان الانسحاب منذ بضعة أيام من "مجلس حقوق الإنسان" التابع للأمم المتحدة. والسبب الرسمي هو "خبث" هذا المجلس (آخر هيئات الامم المتحدة الدائمة وهو تأسس عام 2006، معززاً بسلطة أعلى من "لجنة حقوق الإنسان" السالفة عليه)، و"معاداته الشديدة لإسرائيل". والمجلس كان انتقد على لسان مفوضه السامي لحقوق الانسان، زين رعد الحسين، ليس إسرائيل هذه المرة بل قرار ترامب فصل الأطفال المكسيكيين عن آبائهم الذين يعْبرون الحدود بطريقة غير نظامية، فتدخّل ربما في ما لا يعنيه! تراجع ترامب عن قراره الاخرق ــ على الرغم من تبريرات المحطة الناطقة باسمه، فوكس نيوز، بأن القصد كان أن "يستفيد الاطفال من عطلة في مخيم صيفي"! - واعتُمد الابقاء عليهم محبوسين مع أهاليهم. ولكن الانتقام من الانتقادات (العالمية والإجماعية) يقع في مكان آخر، في الملف الاثير على قلب الرئيس الامريكي: فلسطين طبعاً.

مرّ الانسحاب بلا أي ضجيج، ولعل السبب كان الانشغال المطلق بمباريات كأس العالم، أو لعله الاعتياد على السياسة التي يطبقها ترامب. فهو انسحب تباعاً من منظمة اليونسكو الأممية في مطلع 2017، فور تسلمه لمنصبه، ثم من "اتفاقية باريس حول المناخ"، ثم من "الاتفاقية حول النووي الايراني" وكلها أممية ومصادَق عليها من الهيئة الدولية.. وهو كان قد هدد من يصوت في الهيئة العامة للأمم المتحدة لإدانة وحشية السلوك الاسرائيلي ضد متظاهري غزة ولكن ذلك لم ينفع، بعكس التهديد الآخر بقطع المساعدات وبانزال أشد العقوبات على من يصوت لصالح المغرب ضد الولايات المتحدة كمرشحة (مع كندا والمكسيك) لتنظيم كأس العالم 2026 (بتصويت الاتحادات للمرة الاولى وليس مكتب "الفيفا"، وهو ما عُرف بنظام "كرة القدم للجميع").. بلطجة؟ نعم، ولكنه عنوان السياسة الامريكية وليس استثناء مسلٍ.

تبدو البلطجة مقبولة ويفهمها ــ بل ويتفهمها ــ العديد من الحكومات التي تشجعت على الإقدام على ما تشاء بلا اي ضوابط، لا قانونية ولا أخلاقية (على فرض وجود هذه الاخيرة في أي وقت). وتكفي مشاهدة السلوك المعيب حيال زوارق المهاجرين المهددة بالغرق في عرض البحر، وآخرها تقازف المسئولية بين فرنسا وإيطاليا والرفض المتشدد لكلاهما على أية حال ــ حتى لو تطلب الخطاب تغيير الجغرافيا ــ بمخالفة واضحة للقوانين الدولية التي تُلزٍم الاقرب بالاسعاف والاستقبال! وهو سلوك لا يختلف في شيء عن فصل ترامب للأطفال عن آبائهم..

وحين قرر الرئيس الامريكي نقل سفارة بلاده الى القدس باعتبارها "عاصمة إسرائيل"، لم تتزلزل الارض لا دولياً ولا عربياً. وها هو يروج بقوة وحماس لـ"صفقة القرن" بخصوص الشأن الفلسطيني، ويلقى تواطئاً من قبل دول عربية لم تجاهر بعد بعلاقاتها مع إسرائيل وتكتفي بتسريب الاخبار عن هذه العلاقات الحميمة، وستنتقل حتماً وقريباً الى التصريح.

هو "عنف التجاهل" حين لا يكون عنف الحروب. عنف تجاهل ما لا يتناسب مع رغبات المتسلطين: فلسطين وغزة والقدس، والمهاجرين، وتلوث الارض، والجوع المرعب المتعاظم.. ومعها المقاييس والهيئات المتوافق عليها..

للكاتب نفسه

ماذا الآن؟

وقعتْ إسرائيل في خانة المستعمِر، واهتزت بقوة "شرعيتها" المصنوعة بتوأدة. حدث ذلك بفعل مقدار منفلت تماماً من همجيتها في الميدان وصل إلى التسبب في الصدمة للناس، وكذلك بفعل التصريحات والخطب...