أطباء موريتانيا يضربون: مطالب اجتماعية

يشكو الأطباء من تردّي حال المستشفيات وخلوها من الأجهزة المتطورة المساعِدة لهم في عملهم، وحتى من عدم توفرها على بعض الأمور البسيطة كالحقن والإبر والقطن، ومن الادوية المزورة، ومن ضعف رواتبهم.
2018-04-22

أحمد ولد جدو

كاتب ومدون من موريتانيا


شارك
ديانا حلبي - لبنان

دخل أطباء موريتانيا المنخرطين في نقابة الأطباء العامين ونقابة الأطباء الأخصائيين، يوم 16 نبسان/ إبريل، إضرابا عن العمل، يستثنى منه مستشفى الإنكولوجيا (أمراض السرطان) وأقسام الحالات المستعجِلة في المستشفيات.
بدأوا اضرابهم بشكل تدريجي بعد مد وجزر مع الجهات الوصية على القطاع، ومطالبات بتحسين أوضاعهم، وتلويح بالإضراب ودق ناقوس خطر تردي الواقع الصحي، وخاصة لجهة وضعية المستشفيات ولجهة أوضاعهم كأطباء. وأنذروا بأن يكون الاضراب أشمل إن لم يكن هناك استجابة لمطالبهم.

لماذا الإضراب وما هي مطالبه؟

يشكو الأطباء منذ فترة من تردي حال المستشفيات وخلوها من الأجهزة المتطورة المساعِدة لهم في عملهم، وحتى من عدم توفر المستشفيات على بعض الأمور البسيطة كالحقن والإبر والقطن، حيث يكون على المريض جلبها من خارج المستشفى. بالإضافة لذلك، يرى الأطباء أن واقعهم المادي هزيل جدا، فالطبيب الموريتاني عند اكتتابه في القطاع العام، يتقاضى 139 ألف أوقية (العملة الوطنية) أي 400 دولار تقريباً، والاكتتاب في حد ذاته معركة و"حلم" صعب المنال، فهناك العديد من الأطباء لا يجدون فرصة في التسجيل في القطاع العام.

وتفاعلاً مع الإضراب، كتب الطبيب محمد سالم ولد أذويب منشوراً تحدث فيه عن واقع المستشفيات ومعاناة المواطنين والأطباء، فقال: "أغلب الأطباء المنتشرين على عموم التراب الوطني، بما فيهم أطباء نواكشوط، يتعرضون يومياً لمواقف صعبة. مثلاً يجد الطبيب نفسه أمام مريض يصارع الموت ولا يملك مصاريف الدواء، فيضطر للتدخل مسدداً تارة من جيبه وتارة يستدين من الصيدلية وتارة يجمع بعض النقود هو وزملاءه حتى يتجاوز المريض حالة الخطر. بعدها يأتي مريض ينزف وليس معه من يستطيع التبرع بالدم ، فيضطر للتبرع له من دمه حتى يتجاوز حالة الخطر، ثم يأتي آخر لا يستطيع تأمين مصاريف الفحوص، فيضطر الطبيب لاستجداء صاحب المخبر تارة وصاحب الاشعة تارة أخرى ، كل ذلك من أجل أن يتجاوز هذا المريض حالة الخطر! أعرف أن البعض قد لا يتصور ذلك ، جهلاً منه بواقع المستشفيات والمراكز الصحية لكنها الحقيقة كما هي دون رتوش".

بدوره د. عبد الله ولد سعيد رئيس نقابة الأطباء العامين، برر الإضراب، وكتب: "لقد ترك أنين المرضى المساكين الذين لا يجدون ما يقتاتون به أحرى أن يجدوا ما يدفعونه لقاء أدوية، تكون في الغالب الأعم مزورة وغير مراقبة، عظيم الأثر في نفوسكم بل شكّل لكم كوابيس مزعجة تطاردكم في النوم وحتى اليقظة".

وكتب طبيب آخر شارحا أسباب الإضراب:" هل تعلم أن منظمة الصحة العالمية أرسلت رسالة شديدة اللهجة تتضمن شجبها وتنديدها بمستوى راتب الطبيب. إذ أن كيف بطبيب أن يعمل ثلاثين يوماً و يتقاضى مقابلها 400 دولار. فالطبيب الذي يتقاضى راتباً زهيداً سيبحث عن عمل آخر يرفع به دخله ليعيل أبنائه أو والديه. مما سينتج عنه إرهاقاً وإجهاداً له، وحتماً سيفقد تركيزه كأي انسان تحمل فوق طاقته".

ما سبق إذاً هو أهم بواعث إضراب الأطباء وأسبابه، ويرفعون في إضرابهم مجموعة من المطالب، حاولوا أن لا تقتصر على حقوقهم وما يتعلق بذواتهم، بل حملوا مطالباً تمس المواطنين وتشخِّص حال قطاع الصحة، وأهمها: مجانية الاستشفاء في الحالات المستعجلة، تعميم التأمين الصحي على المواطنين، تحسين ظروف الأطباء والطواقم الصحية، مراقبة جودة الأدوية ومحاربة توريد المزور منها، وإكتتاب كافة الأطباء العامين نظراً لحاجة القطاع الماسة إليهم.

لم يسلم الإضراب من النقد، وقد وجهت للأطباء سهام الإتهام بالتقصير تجاه المرضى، وتمّ نعتهم بأنهم "جزء من معاناة المرضى".

مجرد عرض لأزمة أعمق

إضراب الأطباء مجرد مظهر لما يعانيه قطاع الصحة في موريتاتيا. فالزائر لأحد مستشفيات العاصمة أو أي مدينة داخلية، لن تبارح عينيه مظاهر تكدس المرضى وطوابيرهم وضعف الرعاية الصحية، وهو أمر لا يُرى حل له في الأفق القريب، بل القطاع المعني قرر أنه سيرفع رسوم الاستشفاء، وهو ما سيثقل كاهل المواطن المثقل أصلاً.

وامتعاض الأطباء ليس استثنائيا في وضع البلاد. فقبل أسبوع، دخل الدكاترة العلميين الذين يدرِّسون في جامعة نواكشوط في اضراب عن العمل للمطالبة بتحسين ظروفهم وظروف عملهم، وأسبوعياً يحتج طلاب الجامعة ويتم قمعهم.. وهذه مجرد نماذج من حالة الامتعاض في شتى القطاعات الأساسية في موريتانيا.

مقالات من موريتانيا

للكاتب نفسه