البحث عن الإنسان في السعودية

يُحكى أنّ رجلًا ذا عيونٍ زرقاء كان يتجول في أروقة متجر في أحد أحياء الرياض، وأنّ عيوناً مراقِبة رصدته وهو يلحق بامرأة ترتدي عباءة سوداء. هكذا بكل وقاحة، يلاحقها من مكانٍ إلى آخر حتى انتهى بهما الأمر على صندوق المحاسبة. لم تُطِقِ العيون المراقِبة ما قامت به العيون الزرقاء. مهمتها التالية هي المحاسبة. انقضت على فريستها وانهالت عليها بالشتم والصراخ، ولم يستطع أحد لوقت متأخر أن
2014-09-10

مريم ترحيني

كاتبة لبنانية مقيمة في السعودية


شارك
فاطمة النمر - السعودية


يُحكى أنّ رجلًا ذا عيونٍ زرقاء كان يتجول في أروقة متجر في أحد أحياء الرياض، وأنّ عيوناً مراقِبة رصدته وهو يلحق بامرأة ترتدي عباءة سوداء. هكذا بكل وقاحة، يلاحقها من مكانٍ إلى آخر حتى انتهى بهما الأمر على صندوق المحاسبة. لم تُطِقِ العيون المراقِبة ما قامت به العيون الزرقاء. مهمتها التالية هي المحاسبة. انقضت على فريستها وانهالت عليها بالشتم والصراخ، ولم يستطع أحد لوقت متأخر أن يوصل للعيون المراقِبة تلك المعلومة البسيطة لكن الجوهرية حول سبب الملاحقة الذكورية للأنثى ذات الرداء الأسود: هي لم تكن سوى زوجته السعودية منذ سنوات.

استلزم الأمر تدخل الشرطة، وسحب الرجل البريطاني بسيارة مصفحة واستنفار الحكومة التي طالبت الهيئة الدينية بتفسير هذا الموقف الذي قد يؤدي إلى تدهور علاقات إستراتيجية بين المملكتين. أتى التفسير على شكل اعتذار للمقيم وفصل للمحتسب مع عقوبة سجن قد تصل لعشر سنوات. لكن ماذا لو لم يكن في الأمر عيونٌ زرقاء؟ ماذا لو كان الرجل آسيويا أو شرق أوسطي، لا أحد يعرف ما الذي كان سيحصل، وهل ستدين له الهيئة باعتذار؟

المملكة تطالب كل دول العالم باحترام الإسلام، وتدافع بحمية عنه في كل أصقاع الأرض، وتحرد إن ارتبطت مظاهر الدين الحنيف في عقول البعض بصفة الإرهاب، وتسعى إلى افتتاح مساجد في كل أنحاء العالم.. وهذا بحد ذاته ليس أمرا سيئا، لكن السعودية لا تقبل أبداً أن تُمارس طقوسٌ دينية تخالف شريعتها حتّى ولو كان الأمر يتم بالخفاء. كنيسة في منزل سكني، ومضبوطات ووافدون يلوثون الهواء بهرطقة وتجديف، مقالات وأحاديث وصور جعلت من الجماعة المتدينة كومة من عبدة الشيطان. لماذا إذاً تطالب الآخرين باحترام دينك ولا تقوى على احترام معتقد مخالف لمعتقدك، يتحول فيه حامله إلى أصل للبلاء والشرور، ويكون المسؤول عن أي ضررٍ يصيب السعودية. يقولون إنّ المملكة بخير، لا شيء يجري فيها، متماسكة لا تهزّها مطالبات من هنا وهناك. يقولون إنّ الشعب السعودي لا يريد شيئاً فهو راضٍ عمّا يجري في البلاد، يأكل ويشرب وينام، يلهيه التويتر واليوتيوب وباقي الوسائط الاجتماعية عن عالمه الحقيقي، ينظّم مسيرةً افتراضية، يرفع شعارات وهمية لا بأس بها ما دامت لن تخرق قواعد اللعبة.

قد تمر الأخبار سريعا هنا، ولا يعير أحد الانتباه إلى أنّ المملكة أعادت تشديد الضوابط على زي النساء الموحد (العباءة)، فأعلنت الهيئة تنظيم حملات لضبط هذا الزي، وأي عباءة لا تفي بشروط اللون أو الشكل أو التصميم تعد باطلة ويجوز تلفها، والعباءة الشرعية هي تلك التي لا تفصّل الجسد ولا تلفت الأنظار ولا تحوي تطريزا مبالغا فيه أو ألوانا. باختصار، عليها أن تكون كيساً أسود يسع المرأة وعقلها وكل أحلامها. ولن ننتبه أيضا إلى فتاة تُدعى نورة العنيزي طالبت بإيجاد وظيفة لها ولزميلات من حولها تشاركن وسم هاشتاغ «# خريجات عاطلات عن العمل»، عقب عطالة استمرت سنين. أوقفت هي ورفيقاتها بسبب نقل تحركهم من عالم الإنترنت إلى أرض الواقع. ولن يضيرنا أن نعرف أن محاكمة نمر النمر قد أجّلت مرّةً أخرى بعد خمسمئة يوم من إيقافه. وأنّ رائف البدوي حكم عليه بالجلد والسجن لعشر سنوات لأنه عبّر عن رأيه.

كأننا في لعبة، الحكومة تصارح الجميع بضرورة التعبير عن آرائهم، لكن بشرط ألا يتجاوز الأمر الحدود. أية حدود؟ ليست تلك المعترف بها عالميا، حيث تقف حريتك عندما تشكل أذية للمجتمع. الحدود السعودية هي كل ما من شأنه إحداث تغيير في روتين الحياة الذي اعتاد عليه الناس، حتى ولو كان في طريقة التفكير أو في الملبس أو المسكن.

مقالات من السعودية

خيبة م ب س الاقتصادية

كان النزاع المدمر على سوق النفط، ودور السعودية - وبخاصة محمد بن سلمان- في تأجيجه، مقامرة وحماقة في آن. فإن كانت السعودية تخسر 12 مليون دولار يومياً مقابل كل دولار...

للكاتب نفسه

السعودية تقاتل البعبع

حفرت الدالوة اسمها عميقا في الذاكرة السعودية. انتبهت المملكة فجأة الى أنّها ليست بعيدة عن خط النار، وأنّ زمام الأمور على أراضيها قد يسلّم نفسه للشيطان ليعيث في أمنها المضبوط...

... فلنمُت إذاً

أوردت صحيفة سعودية خبراً عن توقيف امرأة تقود سيارة في منطقة صفوى في القطيف متوجهة فيها إلى المشفى إثر تعرضها لأزمة بسبب مرض مزمن. سمحت الشرطة للمرأة بتلقي العلاج، ومن...